مخاوف من تراجع سوق المسلسلات الرمضانية في مصر

أثارت المخرجة المصرية كاملة أبو ذكري، جدلاً واسعاً بالأوساط الفنية المصرية قبل أيام قليلة، بعد تحذيرها من أزمة إنتاجية جديدة تلوح في الأفق خاصة بموسم الدراما في شهر رمضان المقبل. وقالت إن عدداً من المسلسلات المصرية توقف إعدادها مثل مسلسل «جميلة وابن السلطان» الذي كان مقرراً أن تخرجه كاملة أبو ذكري، من تأليف تامر حبيب وبطولة هند صبري، وأصبح مهدداً بالخروج من موسم دراما رمضان.
منشور كاملة أبو ذكري الذي كتبته عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قالت من خلاله إنها لا تعرف سبب توقف المسلسلات، ولكنها تعرف تأثير هذا الإيقاف على العاملين بصناعة الدراما في مصر، والتي أعلنت أنهم نحو مليوني شخص أصبحوا مهددين بقطع أرزاقهم، حيث يصل العاملون في المسلسل الواحد حسب كلامها إلى 300 فرد، ينتمون إلى مهن مختلفة مثل النجار والنقاش والسائق وعامل النظافة وفنيي الإكسسوار والإضاءة والكاميرا، وكذلك الماكيير والكوافير والترزي، ومساعدي التصوير والإخراج والديكور والمونتاج والإنتاج والصوت، يضاف إلى كل ما سبق النساء والرجال الذين يطلق عليهم «كومبارس»، وهؤلاء يعتبرون رمضان موسماً لرزقهم السنوي، خصوصاً أنه كان يصل إنتاجه إلى 50 مسلسلاً، يرزقون من العمل فيها بنفقات أبنائهم والحياة الصعبة.
ما ذكرته كاملة أبو ذكري، لم يكن بداية الأزمة، فقد سبقه بثلاثة أشهر، وتحديدا أغسطس (آب) الماضي، بيان صدر عن رابطة للمخرجين المصريين، طالبوا فيه ألا تقل الزيادة السنوية لكل عضو بفريق الإخراج لموسم 2019 عن 25 في المائة من تعاقد موسم 2018، وذلك نظراً لارتفاع الأعباء الاقتصادية، ولكن هذا المطلب قوبل برفض من «رابطة إدارة الإنتاج الفني» في مصر، والتي أصدرت بياناً هي الأخرى تؤكد فيه على أن صناعة الدراما تمر هذا العام بتقلبات شديدة تؤثر على سير عملية الإنتاج، وتوقعوا انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في عدد المسلسلات، وكذلك تكلفتها مما يؤدي إلى تخفيض الميزانيات إلى نسب قد تصل لـ50 في المائة بالمقارنة بميزانيات 2018.
المنتج والخبير الإعلامي عمرو قورة، قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن الأزمة كانت متوقعة، لعدة أسباب، أبرزها أن منتجي الدراما اعتادوا خلال السنوات الماضية على بيع مسلسلاتهم لقنوات فضائية بأرقام كبيرة جداً على الورق فقط، لكنهم لا يحصلون عليها، وهذا تسبب في خسائر لكثير من المنتجين بالملايين.
الأمر الثاني، أن هناك نوعاً من الاحتكار في السوق المصرية، لصالح شركات بعينها، تتولى عملية الإنتاج للقنوات المصرية التي دخلت بالفعل في تكتل، وبالتالي يخشى كثير من المنتجين المجازفة بصناعة مسلسلات يكون مصيرها الأدراج كما حدث مع عدد من المسلسلات العام الماضي، التي تم تسويقها خارجياً ولم تعرض محلياً في رمضان ومنها «أرض النفاق» لمحمد هنيدي، و«أهو ده اللي صار» لروبي، و«لدينا أقوال أخرى» ليسرا، الذي بدأ فقط عرضه قبل أيام على شاشة إحدى القنوات المصرية، كما أن هناك مسلسلات أخرى لم تجد لنفسها مكانا وبالتالي لم تكتمل، منها «خط ساخن» لسلاف فواخرجي وحسين فهمي.
وأوضح عمرو قورة، أن هناك حلولاً لمواجهة هذه الأزمة، بأن يتم فتح مواسم أخرى خارج رمضان، وأن تكون المسلسلات قصيرة عدد حلقاتها لا يزيد عن 7 أو 15 على الأكثر، وهذا سيترتب عليه أن كل قناة ستحتاج في العام الواحد نحو 26 مسلسلا على الأقل، وسيترتب عليه أيضاً توفير فرص عمل ليس فقط للنجوم وإنما لكل العاملين بالصناعة.
ويرى عمرو قورة، أن «مواجهة الأزمة المحلية، لا بد أن يقابلها اجتهاد من المنتجين في توزيع أعمالهم خارج مصر، مؤكداً أن دول العالم حالياً تتبادل بيع وشراء أعمالها، لأن الجمهور يحتاج قصصاً مختلفة عن التي اعتادتها». ولفت: «العاملون في الدراما أنفسهم لا بد أن يعيدوا التفكير في الأسعار، لأن أجر كل عامل تضاعف ثلاث مرات خلال العامين الأخيرين، فأصبحت المسألة مضحكة لأنها لم تعد تتناسب مع ما تشهده السوق من أزمات، فالصناعات في العالم لها لوائح وقواعد للأجور، ولا يتم تحديدها عشوائيا، لذلك لا بد أن يجتمع المنتجون ويحددون لائحة لأجور الفنيين والعاملين حتى تكون التعاقدات أسهل، فليس هناك مظلة كبرى تنظم العملية الإنتاجية في مصر».
من جهته، قال الناقد طارق الشناوي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأزمة بدأت العام الماضي، حيث تم الإعلان عن بدء تصوير كثير من المسلسلات، ثم خرجت من السباق الرمضاني، ومن بينها مسلسل (بركة) لعمرو سعد، كما شهد الموسم الماضي لأول مرة خروج أسماء كبيرة مثل يسرا من العرض المحلي».
وتوقع الشناوي، أن ما يتم حالياً يستهدف تقليص الأجور والميزانيات، ولكنه يحدث بشكل عشوائي قد يضر بالصناعة، فالفضائيات المصرية التي تعد السوق الرئيسية للمسلسلات تشهد حالة من العشوائية وتعاني من الأزمات، وهذا انعكس بشكل كبير على الدراما، ولكن من المؤكد أنه سيحدث انفراجه خلال الفترة المقبلة، وسيظهر صوت عاقل من الدولة يعيد الأمور إلى نصابها، حتى لا تنهار صناعة الدراما في مصر، لأن ما يحدث حالياً ليس في صالح الصناعة على كل المستويات».