سواء كانت النتائج جيدة أم سيئة، فإننا نركز على فكرة أن المدير الفني مسؤول عما يحدث على أرض الملعب، لكن إلى أي مدى يمكن للمدير الفني أن يغيّر مجرى المباريات بعد إطلاق صافرة البداية بالفعل؟
تشهد كرة القدم في الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة تتمثل في إجراء حوار مع المدير الفني لكل فريق عقب نهاية المباراة، للدرجة التي جعلت تغطية أي مباراة لكرة قدم من دون «استجواب» المدير الفني في نهايتها تبدو شيئاً غير طبيعي، وكأن الشرطة تحقق في جريمة ما من دون أن تستجوب المشتبه الرئيسي في الجريمة!
لقد أصبح هذا الأمر جزءاً لا يتجزأ من آلية التعامل مع المديرين الفنيين، الذين يتم تعظيم بعضهم، ويتم تصوير البعض الآخر على أنهم أغبياء ولا يفقهون شيئاً، بناءً على نتيجة المباراة بكل تأكيد!
لكن بمجرد أن تبدأ المباراة، ما الذي يمكن للمدير الفني أن يفعله؟ هل يتمثل دوره في مجرد الصراخ من المنطقة الفنية التي يقف بها لتوجيه لاعبين مشغولين تماماً باللعب للدرجة التي لا تجعلهم يسمعون أي شخص من حولهم؟ أم يتمثل دوره في إلقاء محاضرة على لاعبي فريقه بين شوطي المباراة يقول خلالها أمراً من أمرين لا ثالث لهما: واصلوا العمل بالطريقة نفسها، أو استجمعوا قواكم وتماسكوا. أو يقوم بإجراء التغييرات الثلاثة داخل الملعب، التي غالباً ما تكون بعد الدقيقة الـ60 من عمر المباراة؟
إننا نميل إلى أن نحمّل المدير الفني كل شيء يحدث داخل الفريق؛ لأن وظيفة المدير الفني بالفعل هي تحمّل المسؤولية، وهي الوظيفة التي تجعله يحصل على مقابل مادي كبير، حتى لو لم تتجاوز مدة بقائه في منصبه عامين في المتوسط.
ومن المؤكد أن لعبة كرة القدم ليست لعبة عشوائية، ومن المؤكد أيضاً أن مسؤولية المدير الفني لأي فريق تتمثل في أن يجعل فريقه يلعب بطريقة معينة تساعده على تحقيق أهدافه، لكننا في الوقت نفسه نميل إلى المبالغة في تقدير تأثير المدير الفني على الفريق، ودائماً ما يشجعنا المديرون الفنيون على اتباع هذا النهج لإثبات أنهم السبب الرئيسي في النجاح، إلا إذا كان الفريق يحقق نتائج سلبية.
وهناك أمثلة نادرة للمديرين الفنيين الذين تميل سيرتهم التدريبية إلى إثبات هذه النظرية، ولعل أشهرهم بالطبع هو المدير الفني السابق لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون، الذي يُقال إنه كان على بُعد مباراة واحدة من الإقالة من منصبه، قبل أن يواصل مسيرته ويحقق مجداً كبيراً مع الشياطين الحمر. لكن الحالة الأبرز في هذا الصدد تتمثل في المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو.
ويجب الإشارة إلى أن مورينيو يعتبر، وفقاً لأي معايير، مديراً فنياً ناجحاً للغاية، حيث حصل على عدد كبير من البطولات مع كل من بورتو، وتشيلسي، وإنتر ميلان، وريال مدريد، ومانشستر يونايتد. وربما كان نجاحه الأعظم يتمثل هو إقناع الجميع - رؤساء الأندية ووسائل الإعلام، وليس لاعبيه فقط - بأنه قادر على السيطرة على النادي ودفعه إلى القمة.
وقد لقّب المدير الفني البرتغالي نفسه بـ«الاستثنائي» عندما جاء للعمل في الدوري الإنجليزي الممتاز، وتمكّن من حصد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز في أول موسم له في إنجلترا، وهو الشيء الذي دعم زعمه بأنه مدير فني استثنائي.
ويمكن النظر إلى الأمور بطريقة أخرى، من خلال القول إن مورينيو قد تولى قيادة نادي تشيلسي الذي كان على وشك تحقيق نجاح كبير، وتمكن من التعاقد مع عدد من اللاعبين البارزين بفضل الإنفاق السخي من جانب مالك النادي الروسي رومان إبراموفيتش.
وبعد مرور ثلاث سنوات على وصوله إلى إنجلترا، رحل مورينيو عن تشيلسي بعدما دخل في خلافات مع مالك النادي. ولا يوجد أدنى شك في أن مورينيو قد واصل حصد البطولات والألقاب مع أندية أخرى، لكن كل انتصار جديد كان يعقبه خلافات مع اللاعبين ثم الرحيل عن النادي.
والآن، وبعد أن أنفق مورينيو 360 مليون جنيه إسترليني على التعاقد مع لاعبين جدد في مانشستر يونايتد، فإنه يبدو مثل أي مدير فني آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث فشل في أن يجعل فريقه يقدم أداءً يتناسب مع المبالغ المالية الكبيرة التي أنفقت عليه.
وعلى مدار أكثر من عقد من الزمان، كان مورينيو يتمتع بميزة نفسية كبيرة بعدما تم تصويره على أنه دائماً ما يكون الأوفر حظاً لتحقيق الفوز على منافسيه. لكن هذه الميزة قد اختفت الآن، وبالتالي فإن السؤال هو: ما هي المميزات الأخرى لمورينيو؟ هل هي الخطط التكتيكية والفنية واللياقة البدنية والنظام الغذائي والإعداد وجميع الأشياء الأخرى التي يعتمد عليها أي مدير فني آخر أو أي شخص يعمل في مجال التدريب؟
وعندما يتعاقد مدير فني جديد مع أي نادٍ، كما هو الحال مع المدير الفني الإسباني أوناي إيمري مع نادي آرسنال، فمن المعتاد أن يعمل الجميع على ملاحظة التطور الذي يطرأ على اللاعبين فجأة من أجل تقييم هذا المدير الفني.
لكن يمكننا أن نؤكد على أن سلفه أرسين فينغر كان «يتنفس» كرة القدم، ويهتم بجميع الإحصائيات المتعلقة بأداء اللاعبين، وبالتالي فإن لاعبي آرسنال لم يكونوا يوماً ما في حالة استرخاء وعدم جدية.
ومن الغريب أنه لو نجح إيمري في إعادة آرسنال للمشاركة في دوري أبطال أوروبا – وهو الشيء الذي دأب فينغر على تحقيقه على مدى سنوات، وكان يقال حينها إنه يفتقد للطموح – فإنه سينظر إلى ذلك الأمر على أنه إنجاز لإيمري!
لكن أفضل مثال على الدور الغامض، وربما الوهمي، الذي يقوم به المديرون الفنيون يتمثل في الرجل الذي خلفه مورينيو في بداية عمله في تشيلسي، وهو المدير الفني الإيطالي كلاوديو رانييري.
فعندما التقى المديران الفنيان في وقت لاحق في إيطاليا، فإن مورينيو قد وصف رانييري بأنه رجل عجوز «لم يفز بأي شيء». وبعد ذلك، وبعد مسيرة طويلة حفلت بالتنقل والترحال، وبدا خلالها أنه متخصص في الحصول على المركز الثاني أو الثالث، انتقل رانييري للعمل في عام 2015 مع نادي ليستر سيتي، الذي كان قد نجا لتوه من الهبوط لدوري الدرجة الأولى في الموسم السابق.
وكان رانييري معروفاً خلال الفترة التي قضاها في تشيلسي بأنه دائماً ما يعمل على تغيير التشكيلة الأساسية للفريق من مباراة لأخرى، وبالتالي راهن مسؤولو ليستر سيتي على قدرة رانييري على تغيير الأمور مع الفريق.
لكن ليستر سيتي لم يتعاقد في ذلك الموسم مع أي لاعب جديد، وحافظ رانييري على قوام الفريق الذي بناه سلفه نايغل بيرسون، ولم يقم بأي تغييرات ملحوظة في الخطط التكتيكية أو التدريبية. وكما نعلم جميعاً فقد قاد رانييري ليستر سيتي للفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز في مفاجأة من العيار الثقيل وفيما يمكن وصفه بأنه أكبر إنجاز استثنائي في كرة القدم المعاصرة.
فهل هذا الإنجاز يجعل رانييري، الذي لم يسبق له قط أن وصل إلى القمة خلال 15 مهمة تدريبية في السابق، خبيراً استراتيجياً عبقرياً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا أقيل من منصبه في الموسم التالي؟
من المفيد أن نضع ذلك في الاعتبار عندما نشيد بمدير فني ونقول إنه ملهم لأنه أشرك لاعباً بديلاً وسجل هدفاً، أو نوجه الانتقادات اللاذعة إلى مدير فني آخر لمجرد أن ظهيره الأيسر قد فشل في قطع كرة في الدقيقة الأخيرة من عمر المباراة! ويمكن للمديرين الفنيين أن يكون لهم تأثير على اللاعبين الذين يتولون تدريبهم، لكن عادة ما يكون هذا التأثر أقل مما نعتقد ونتصور.
هل هناك حقاً مدير فني عبقري وآخر غبي؟
مبالغة في تقدير تأثير المدربين على فرقهم بعد إطلاق صافرة البداية
هل هناك حقاً مدير فني عبقري وآخر غبي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة