المرأة ضد المرأة في «سسبيريا»... عمل أنتج عام 1977 ويُعاد تخيّله اليوم

تعليم الرقص في مدرسة للقتل

تيلدا سوينتون في «سسبيريا» حسب لوكا غوادانينو
تيلدا سوينتون في «سسبيريا» حسب لوكا غوادانينو
TT

المرأة ضد المرأة في «سسبيريا»... عمل أنتج عام 1977 ويُعاد تخيّله اليوم

تيلدا سوينتون في «سسبيريا» حسب لوكا غوادانينو
تيلدا سوينتون في «سسبيريا» حسب لوكا غوادانينو

قبل أن يستقر المخرج لوكا غوادانينو على الممثلة داكوتا جونسون لقيادة فيلمه الجديد «سسبيريا» («تنهدات»)، اتصل بالممثلة نتالي بورتامن وعرض عليها الدور. آنذاك كان مخرج «نادني باسمك» الذي حط رحاله في موسم الجوائز في العام الماضي منتجاً للفيلم وكان ديفيد غوردن غرين هو المخرج المنتقى للعمل.
لكن نتالي بورتامن لم تعجب كثيراً بالمشروع وانسحب ديفيد غوردن منه كذلك ليحقق فيلم الرعب الآخر «هالووين» الذي، مثل «سسبيريا» من تلك المعروضة عالمياً هذه الأيام. هنا قرر المنتج غوادانينو أن يقوم بتحقيق الفيلم بنفسه وقام بهندسة سيناريو يستعيد فيه الممثلين الذين لعبوا في فيلم أسبق له هو Bigger Splash ومن بينهم راف فاينس وأوروري كلمنت وماثيو شووَنارتس وداكتوتا جونسون وتيلدا سوينتون.
لاحقاً عندما أدرك أنه ليس كل طاقم فيلمه ذاك (حققه سنة 2015) متوفر أو مكترث اكتفى بالممثلتين جونسون وسوينتون التي كانت مثلت أربعة أفلام سابقة من إخراجه.
مدرسة الرعب
في الأصل، وكما هو معروف للمتابعين والهواة، فإن «سسبيريا» إعادة صنع لفيلم بالعنوان ذاته كتبه وأخرجه داريو أرجنتو (شاركته الكتابة داريا نيكولادي) وذلك سنة 1977. بطلته كانت جسيكا هاربر في دور الأميركية التي وصلت إلى برلين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة لتنخرط في مدرسة لتعلم الباليه.
هناك داخل المدرسة تكتشف جانباً آخر لما تقوم عليه: اختفاء طالبات بطريقة غامضة ومقتلهن لكونهن أدركن حقيقة مستترة ومخيفة تتعلق بممارسات المدرسة الإجرامية تنفيذاً لتعاليم مؤسسة تحت أرضية.
قصّة مماثلة كانت نشرت في سنة 1974 بقلم لويس دنكن تتناول ما يحدث لفتيات يلتحقن بمدرسة أميركية خاصة تقع في بعض الغابات المنعزلة وبينهن الفتاة التي دخلت المدرسة حديثاً والتي تكتشف أن هناك ما هو أكثر بكثير من مجرد تعلم المواد المدرسية. الرواية تم تحويلها إلى فيلمDown a Dark Hall تم عرضه بنجاح ضئيل في أسابيع سابقة من هذا العام.
لكن توارد الخواطر ممكن. في نهاية الأمر هناك كثير من أفلام الرعب التي تتحدث عن الانتقال للعيش في بيت مسكون بالأرواح الشريرة. الكثير من الأفلام التي تتناول ما قد يحدث إذا ما ضاع أفراد العائلة أو بعض الجوّالين في رحاب البلاد ليجدوا أنفسهم في مواجهة بيئة من القتلة أو تلك الفتاة الشابة التي تعمل مربية أطفال تدافع عن حياتها وحياة الطفل الذي ترعاه ضد قتلة مفاجئين.
ما هو مشترك بين «عند قاعة مظلمة» و«سسبيريا» في نسختيه هو أن الضحايا والقتلة من النساء فقط. بذلك فإن النساء في هذه الأفلام الثلاثة هن ضحايا نساء أخريات، رسالة غير موقوتة في زمن «مي تو» ونداءات المساواة.
نسخة داريو أرجنتو يتبع، في كل الأحوال، مدرسته في سينما الرعب الدموي. بدايته مثيرة للاهتمام بصرف النظر عن كم العنف الحاصل فيما بعد. جسيكا هاربر تصل المطار في ليلة عاصفة وتدلف إلى سيارة التاكسي وتعطي السائق عنواناً بعيداً. المطر ما زال منهمراً بغزارة حين وصول الشابة الأميركية إلى العنوان، وهي تشاهد فتاة شابة أخرى تغادر مبنى المؤسسة وتركض تحت المطر طالبة النجاة. لا تفهم ما يحدث لكنها تطرق باب المؤسسة لكي تدخل وعندما لا يفتح أحد تغادرها لتعود في اليوم التالي.
«سسبيريا» الأول بلا ضوابط فنية ولا رغبة في حياكة عمل مدروس لأي غاية باستثناء غاية طلاء الشاشة بلون الدم. وهو، ضمن هذا التفضيل، ينجز جزءاً إضافياً من عالمه المفضل ينتمي إلى باقي أفلامه في تلك الفترة وما بعدها ولو منلفتاً من أي عقال أسلوبي متين. الناتج هو نجاح في الكيفية التي يود هو تحقيقها مع وجود عدد من الأفكار الجيدة والنافذة إلى ما يعتبره هواة أفلام الرعب من الكلاسيكيات، كمشهد سقوط إحدى الضحايا في غرفة مليئة بالأسلاك الشائكة هرباً من مطاردة قاتل مترصد فتحاول النجاة منها لكن كلما حاولت ذلك أحاطت بها تلك الأسلاك حتى قضت عليها.
أرجنتو خط عملاً لا يكترث لأن ينتمي إلى مدرسة فنية، لكن ذلك لا يعني أن المخرج لم يمارس فناً فيه. ديكورات المكان. اللون الأحمر الذي يوزّعه في الغرف وسواها. الكاميرا اللاهثة. الموسيقى المستخدمة وكذلك شريط الصوت بأسره، كلها أدوات استخدمها بمهارة، وصاغ منها فيلم رعب ينتمي إلى مدرسته هو.
ما هو مفقود في نسخة غوادانينو الجديدة هو كل هذا التمازج الجيد والموقوت بالإضافة إلى أن ما سرده أرجنتو في ساعة ونصف مثيرتين يستغرق ساعتين وثلث الساعة تزداد إثارة للملل بعد الساعة الأولى وحتى النهاية تحت يدي غوادانينو غير الخبيرتين.
حين يصوّر غوادانينو بطلته وهي ترقص، مصرّاً على استخدام الشهقات على نحو منفر، ثم يقطع عنها لمشهد مطوّل لكيف يتم قتل إحدى زميلاتها بحركات بدنية عنيفة تحتوي على لوي أقدام وكسر أذرع وتحطيم عظام، فإن المنساب إلى المشاهد هو استماتة للعبة مكشوفة قوامها الربط بين حركتين، واحدة باسم الفن والأخرى باسم العنف، لعلها تمنح الفيلم بعض ذرائعه. لكن لا شيء يمضي حسب المخطط له سوى هبوط مستوى الفيلم من شبه الجودة إلى شبه الرداءة المطلقة.
وبينما تتم الجريمة في نسخة 1977 من دون مدعاة للانتقال بينها وبين مشهد آخر لئلا يفقد المشاهد اهتمامه بأي منهما، يعتبر غوادانينو أن الانتقال ما بين داكوتا جونسون (ترقص الباليه)، وبين الجريمة التي تقع في غرفة قريبة شيء من المحاكاة والتواصل بين فعلين يحتويان، بمقادير مختلفة، عواطف جنسية مكبوتة. تلتوي جونسون تبعاً للموسيقى وتلتوي الأخرى تبعاً لتعذيب مفاجئ وحيدة في غرفة القتل. وإذ ينتقل المخرج ما بين المشهدين يخسر قيمة كل مشهد الفعلية بينما يخسر كذلك الإثارة التي كان من المفترض بالفيلم إنجازها عبر هذا التوليف.
اللعب على حبلين
المدرسة هي عالم النساء اللواتي يعشن ويدرسن ويقتلن - أو يُقتلن - فيه. هناك وافد من الخارج عبارة عن طبيب نفسي لجأت إحدى الطالبات إليه لمساعدتها. إنها باتريشا (كلو غرايس مورتيز) التي تكاد أن تفقد عقلها بعدما اكتشفت أن المدرسة لها وظيفة أخرى غير تعليم الرقص. يتابعها الطبيب (تلعب دوره في تمويه جيد تيلدا سوينتون) محاولاً فهم ما تتحدث عنه. حين تختفي يبدأ تحرياته لمعرفة ما حدث لها معتمداً على حقيبة أوراق مكتوب عليها طلاسم غير مفهومة.
هو ليس الوحيد الذي يحاول كشف الألغاز بل هناك بطلة الفيلم أيضاً وكل هذا البحث يؤدي إلى الفصل الأخير من المشاهد حيث يتبين لها أن هناك شعائر شيطانية تقودها امرأة لها من العمر بضع مئات من السنين، لكن سوزي / داكوتا تقضي عليها ليس من باب تخليص المدرسة من شرها بل لتحل مكانها.
في مجموعه يحاول غوادانينو القفز على حبلين معاً: تحقيق فيلم رعب عبر جماليات فنية يستخدم فيها الرقص والموسيقى وتوزيع اللقطات وأحجامها كما لو أنه مهتم فعلاً بنقل الجانب الفني لرقص الباليه في فيلم آخر غير الذي ينصرف لتنفيذه. هو لا يلعب جيداً لا على الحبل الأول ولا على الحبل الثاني ولو أنه لا يسقط أرضاً في الوقت ذاته.
يحاول كذلك زرع بعض المضامين لعلها ترفع من مستوى ما يطرحه. مشاهد حول اضطرابات شبابية وأخرى حول عصبة بادر - مانهو. ولا واحد من هذه المشاهد يترك أثراً حتى على سطح ما يدور، ناهيك بالتأثير المعمق. إنه مجرد استخدامات دارجة يلجأ إليها مخرجون يعتقدون أنه بضم من مثل هذه الإشارات يطرحون رسالات سياسية.
تتبلور عند المخرج غوادانينو استحالة تمنع قصة مثل قصة الفيلم من التحول إلى حالة فكرية يحاول هذا الفيلم الوصول إليها. استحالة أخرى تكمن في استخراج معادلة صحيحة للجمع بين ما هو مرعب ومشوّق وبين كل ذلك الحديث حول الهولوكوست والتاريخ والمدينة المنشطرة والأنفس المولعة بغرام الحركة. الدرس هو أن فيلم رعب يحتاج إلى فن حقيقي يوفره مخرج يمتلك القدرة على العمق والتخويف معاً. إلى معالجة مختلفة توفر معايير فنية عالية كما حال «لمعان» لكوبريك أو «سايكو» لهيتشكوك مثلاً.
مثل «هالووين» الحالي (وباقي السلسلة بالفعل) فإن المرأة هي في خطر الموت. الفارق أن الجاني هذه المرّة هي امرأة أخرى وليس رجلاً بعقدة نفسية يتحرك بواعز شيطاني. لكن في النهاية يصيغ «سسبيريا» الجديد مفاداً خفياً إلى حد، وهو الخوف من الإناث عموماً. وهو خوف كاره، خصوصاً وأن الخير لا ينتصر في هذه اللعبة ويلجأ إلى الشر كشرط وحيد للنجاة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».