الرئيس البرازيلي المنتخب اعتبر فوزه «تكليفاً إلهياً لا بد من إنجازه»

لمح إلى احتمال العودة إلى الديكتاتورية وطلب من القوات المسلحة حفظ الأمن

اليميني المتطرّف جايير بولسونارو المنتصر قال إن «الخطر الأكبر الذي ارتكبته الدكتاتورية كان أنها عذّبت ولم تقتل» (رويترز)
اليميني المتطرّف جايير بولسونارو المنتصر قال إن «الخطر الأكبر الذي ارتكبته الدكتاتورية كان أنها عذّبت ولم تقتل» (رويترز)
TT

الرئيس البرازيلي المنتخب اعتبر فوزه «تكليفاً إلهياً لا بد من إنجازه»

اليميني المتطرّف جايير بولسونارو المنتصر قال إن «الخطر الأكبر الذي ارتكبته الدكتاتورية كان أنها عذّبت ولم تقتل» (رويترز)
اليميني المتطرّف جايير بولسونارو المنتصر قال إن «الخطر الأكبر الذي ارتكبته الدكتاتورية كان أنها عذّبت ولم تقتل» (رويترز)

لم يتردّد اليميني المتطرّف جايير بولسونارو منذ اللحظة الأولى التي تأكّد فيها انتخابه رئيساً للجمهورية في الإعلان أن حقبة جديدة قد بدأت في البرازيل. وما إن صدرت النتائج الأولى لفوزه بنسبة 55 في المائة من الأصوات على منافسه مرشّح حزب العمّال فرناندو حدّاد، توجّه إلى مواطنيه عبر «فيسبوك»، مؤدّياً الصلاة مع أسرته إلى جانب كاهن إنجيلي، ثم أدلى بتصريحات إلى التلفزيون، من غير أن يأتي على ذكر خصمه. وقال إن حكومته ستكون دستورية وديمقراطية، لكنه عاهد مناصريه «الكفّ عن مغازلة الاشتراكيين والشيوعيين والشعوبيين واليسار المتطرّف»، وأكّد أن فوزه «تكليف من الله لا بد من إنجازه».
انتخابه بعد أكثر من ثلاثين عاماً على آخر نظام ديكتاتوري، كشف الشروخ التي يعانيها هذا البلد العملاق في أميركا اللاتينية. ومع فوزه تكون قد انتهت أعنف حملة انتخابية في تاريخ البرازيل، التي تمّيزت بدرجة عالية من التوتّر وترويج المعلومات المضلِّلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقف العنصرية والتهديدات التي صدرت عن الرئيس المنتخب الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل أكبر الدول في أميركا اللاتينية، ويرسِّخ صعود القوى اليمينية المتطرفة في الغرب.
وسيتولى بولسونارو الرئاسة لأربع سنوات خلفاً للمحافظ ميشال تامر الذي تنتهي ولايته بتدنٍ تاريخي لشعبيته. ويفترض أن يتوجه بولسونارو اليوم الثلاثاء إلى برازيليا ليتحادث مع تامر، وكذلك مع رئيس المحكمة العليا دياس توفولي ورئيس أركان الجيش الجنرال إدواردو فياس بواس.
بولسونارو الذي لم يقدم سوى قانونين خلال 27 عاماً أمضاها في البرلمان، وعرف بخطبه النارية، سيتولى رئاسة بلد يضم 208 ملايين نسمة من دون أن يملك أي تجربة في السلطة، على غرار وزراء حكومته المقبلة.
وقال لياندرو غابياتي مدير المكتب الاستشاري «دومينيوم» في برازيليا، «ما زالت هناك مخاطر. من الواضح من سوابقه وتصريحاته المثيرة للجدل أنه أثار الاهتمام».
وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية: «لكن يجب ألا يغيب عن بالنا أن البرازيل واحدة من أمتن الديمقراطيات في أميركا اللاتينية». لكن البرازيل في عهد بولسونارو ستكون تحت مراقبة الأسرة الدولية.
والقيادة التي ستتولى حكم ثامن اقتصاد في العالم مجهولة أيضاً بوجود رئيس يعترف بعجزه الكامل في المجال. وقال غابياتي إنه بمساعدة باولو غيديس «سيعيد تنشيط الاقتصاد في أسرع وقت ممكن لأنه لن تكون لديه مهلة أكثر من ستة أشهر أو سنة». وأكد غيديس الذي سيعين وزيراً للمالية في حكومة بولسونارو المقبلة أن «البرازيل شهدت ثلاثين عاماً من الإنفاق العام غير المنضبط، بناءً على نموذج أفسد السياسة وأدى إلى زيادة الضرائب والدين مثل كرة ثلج». وأضاف أن «النموذج الاشتراكي الديمقراطي سيئ جداً ونحن رهائن نمو ضعيف». ورأى غاسبار استرادا الخبير في الشؤون السياسية لأميركا اللاتينية أيضاً، أن بولسونارو «سيكون تحت ضغوط قوية جداً ليقدم نتائج بسرعة كبيرة، لأنه استند إلى برنامج بالغ التطرف». وأضاف: «على الصعيد الاقتصادي وعمليات الخصخصة، ستكون هناك ضغوط من الناخبين وكذلك أسواق المال» التي تنتظر الكثير وبسرعة.
لقد استطاع هذا السياسي، الذي كان مغموراً لأشهر خلت، بأسلوبه العنيف والمباشر الذي يسمّي الأشياء بأسمائها من غير مواربة، أن يستغلّ النقمة العارمة في أوساط واسعة من الرأي العام البرازيلي خيّبتها الطبقة السياسية التقليدية، وأثار غضبها الفساد الذي استشرى في صفوف كل الأحزاب السياسية.
ونجح بولسونارو في إقناع مواطنيه بأنه المنقذ والقادر على إخراج البرازيل من وحول الفساد السياسي وإنهاضها من الركود الاقتصادي. لكن فوز بولسونارو المعلن منذ أسابيع، يأتي مصحوباً بقلق كبير من تصريحاته المتكررة التي يمتدح فيها الديكتاتورية العسكرية التي حكمت البرازيل حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، والتهديدات التي أطلقها ضد خصومه السياسيين متوعّداً بإرسالهم إلى السجن أو المنفى.
أما مرشّح حرب العمّال فرناندو حدّاد، الذي استطاع تضييق الفجوة مع بولسونارو في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، لكنه عجز عن استقطاب التأييد الكافي لشعار المفاضلة الذي طرحه بين الفاشية والديمقراطية، فقد أعلن «أن كثيرين يشعرون بالخوف والقلق، لكننا سنبقى جبهة واحدة تقف بكل جرأة ضد التجاوزات».
وقد توقّف كثيرون عند التصريحات التي أدلى بها رئيس المحكمة العليا ديّاس توفّولي بعد الإدلاء بصوته، التي تعطي فكرة عن المنزلق الخطير التي وصلت إليه البرازيل بعد هذه الحملة الانتخابية إذ قال: «لا بد من ضمان التعددية السياسية واحترام المعارضة التي ستتشكّل بعد هذه الانتخابات. وعلى الرئيس المنتَخب أن يحترم المؤسسات والنظام الديمقراطي والسلطة القضائية». لكن غالبية البرازيليين التائقين لتغيير عميق في المشهد السياسي يعتبرون بولسونارو هديّة نزلت عليهم من السماء بعد أن رفع شعاره الشهير الذي يلخّص معتقده اليميني المتطرف والقومي الشعوبي «البرازيل فوق كل شيء، والله فوق الجميع». أما أنصار حدّاد الذي نال 45 في المائة من الأصوات، فإنهم يخشون العودة إلى حقبة الديكتاتورية العسكرية السوداء التي حكمت البلاد من عام 1964 إلى عام 1985، والتي لمح الرئيس المنتخب إلى احتمال العودة إليها عندما قال «إن للحكومة أن تنقلب على ذاتها... وأن تكلّف القوات المسلحة الحفاظ على الأمن عند الاقتضاء». التحدّي الأكبر الذي يواجه بولسونارو من الآن حتى تسلّمه مهام الرئاسة مطلع العام المقبل، هو توزيع القوى السياسية في البرلمان الذي يضمّ 30 حزباً يتقدمّها حزب العمال الذي حصل على 57 مقعداً، يليه الحزب الاجتماعي الليبرالي الذي يتزّعمه بولسونارو وله 52 مقعداً. ومن المتوقّع أن يتمكن الرئيس المنتخب من توسيع قاعدته البرلمانية عن طريق التحالفات، خصوصاً أن أسواق المال والقوى الاقتصادية قد هلّلت لفوزه بعد الوعود التي أطلقها بتخصيص المؤسسات العامة، وبعد إعلانه عن قراره تسليم السياسة الاقتصادية لمستشاره باولو غيديس، أحد رموز «مدرسة شيكاغو» مهد الجناح المتشدّد في الليبرالية الاقتصادية الحديثة.
ذهبت البرازيل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وهي غارقة في أزمة سياسية واقتصادية ومؤسسية لا سابقة لها. منذ عشر سنوات كان الاقتصاد البرازيلي ينمو بمعدّل 7 في المائة سنويّاً، فيما يراوح اليوم حول 2 في المائة مع نسبة بطالة تزيد عن 12 في المائة. وسيذكر البرازيليون من هذه الانتخابات أن القضاء منع لولا دا سيلفا المعتقل بتهمة الفساد من محاولة العودة إلى الرئاسة للمرة الثالثة، وأن بولسونارو قد تعرّض لمحاولة اغتيال على يد مختلّ عقلياً قال إنه «ينفّذ مشيئة الربّ». كما سيذكرون التصريحات المدّوية للرئيس المنتخب عندما كان يقول: «سنقضي نهائياً على اللصوص الحمر... لا طريق أمامهم سوى السجن أو المنفى»، أو «الخطر الأكبر الذي ارتكبته الديكتاتورية كان أنها عذّبت ولم تقتل». وإذا كان سجل التصريحات التي أدلى بها بولسونارو غير كافٍ لزرع الخوف والقلق من مستقبل البرازيل، فإن ما ورد منذ أيام على لسان نائبه الجنرال هاملتون موراو عندما قال «البرازيل بحاجة إلى دستور جديد ليس من الضروري أن يضعه ممثلو الشعب في البرلمان» يدفع إلى التشاؤم، في أحسن الأحوال.



كندا: نساء من السكان الأصليين يسعين لتفتيش موقع اختبارات سابق لـ«سي آي إيه»

عالم الأنثروبولوجيا فيليب بلوين والناشطتان من أقلية الموهوك كاهنتينثا وكويتييو أمام مسبح هنري ويليام مورغان في معهد ألين التذكاري في 17 يوليو 2024 في مونتريال - كندا (أ.ف.ب)
عالم الأنثروبولوجيا فيليب بلوين والناشطتان من أقلية الموهوك كاهنتينثا وكويتييو أمام مسبح هنري ويليام مورغان في معهد ألين التذكاري في 17 يوليو 2024 في مونتريال - كندا (أ.ف.ب)
TT

كندا: نساء من السكان الأصليين يسعين لتفتيش موقع اختبارات سابق لـ«سي آي إيه»

عالم الأنثروبولوجيا فيليب بلوين والناشطتان من أقلية الموهوك كاهنتينثا وكويتييو أمام مسبح هنري ويليام مورغان في معهد ألين التذكاري في 17 يوليو 2024 في مونتريال - كندا (أ.ف.ب)
عالم الأنثروبولوجيا فيليب بلوين والناشطتان من أقلية الموهوك كاهنتينثا وكويتييو أمام مسبح هنري ويليام مورغان في معهد ألين التذكاري في 17 يوليو 2024 في مونتريال - كندا (أ.ف.ب)

تأمل مجموعة من النساء من السكان الأصليين في وقف أعمال البناء في موقع مستشفى سابق في مونتريال بكندا، يعتقدن أنه قد يكشف حقيقة ما جرى لأبنائهن المفقودين عقب تجارب لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قبل نصف قرن.

وتسعى تلك النسوة منذ عامين لتأخير مشروع البناء الذي تقوم به جامعة ماكغيل وحكومة كيبيك، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتعتمد الناشطات على محفوظات وشهادات تشير إلى أن الموقع يحتوي على قبور مجهولة لأطفال كانوا في مستشفى رويال فيكتوريا ومعهد آلان ميموريال، مستشفى الأمراض النفسية المجاور له.

في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وخلف جدران المعهد القديم الباهتة، قامت الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) بتمويل برنامج أطلق عليه الاسم الرمزي «إم كي ألترا».

خلال الحرب الباردة كان البرنامج يهدف إلى تطوير الإجراءات والعقاقير لغسل أدمغة الناس بطريقة فعالة.

أُجريت التجارب في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة على أشخاص، من بينهم أطفال من السكان الأصليين في مونتريال، أُخضعوا لصدمات كهرباء وعقاقير هلوسة وحرمان من الأحاسيس.

ورأت كاهنتينثا الناشطة البالغة 85 عاماً من سكان موهوك بكاناواكي جنوب غربي مونتريال، وهي شخصية رائدة في حركة حقوق السكان الأصليين سافرت إلى بريطانيا والولايات المتحدة للتنديد بالاستعمار، أن هذه الحرب «أهم شيء في حياتها».

وقالت: «نريد أن نعرف لماذا فعلوا ذلك ومن سيتحمل المسؤولية».

أعمال أثرية

في خريف 2022، حصلت الناشطات على أمر قضائي بتعليق أعمال بناء حرم جامعي جديد ومركز أبحاث في الموقع، مشروع تبلغ كلفته 870 مليون دولار كندي (643 مليون دولار أميركي).

وقالت الناشطة كويتييو (52 عاماً) إن نساء المجموعة يصررن على أن يرافعن في القضية بأنفسهن من دون محامين؛ «لأن بحسب طرقنا، لا أحد يتحدث نيابة عنا».

في الصيف الماضي، أُحضرت كلاب مدربة ومجسّات للبحث في المباني المتداعية في العقار الشاسع. وتمكنت الفرق من تحديد ثلاثة مواقع جديرة بإجراء عمليات حفر فيها.

لكن بحسب ماكغيل ومؤسسة كيبيك للبنى التحتية التابعة للحكومة، «لم يتم العثور على بقايا بشرية».

وتتهم الأمهات من شعب الموهوك الجامعة ووكالة البنى التحتية الحكومية بانتهاك اتفاقية من خلال اختيار علماء آثار قاموا بعملية البحث قبل إنهاء مهمتهم في وقت مبكر جداً.

وقال فيليب بلوان، وهو عالم أنثروبولوجيا يتعاون مع الأمهات: «أعطوا أنفسهم سلطة قيادة التحقيق في جرائم يحتمل أن يكون قد ارتكبها موظفوهم في الماضي».

ورغم رفض الاستئناف الذي قدمته الأمهات، في وقت سابق هذا الشهر، تعهدن بمواصلة الكفاح.

وقالت كويتييو: «على الناس أن يعرفوا التاريخ؛ كي لا يعيد نفسه».

تنبهت كندا في السنوات القليلة الماضية لفظائع سابقة.

فقد أُرسل أجيال من أطفال السكان الأصليين إلى مدارس داخلية حيث جُرّدوا من لغتهم وثقافتهم وهويتهم، في إطار ما عدّه تقرير الحقيقة والمصالحة في 2015 «إبادة ثقافية».

بين 1831 و1996 أُخذ 150.000 من أطفال السكان الأصليين من منازلهم ووُضعوا في 139 من تلك المدارس. وأُعيد بضعة آلاف منهم إلى مجتمعاتهم.