مصر: توثيق رسمي لضحايا الإرهاب بسيناء لحفظ وتخليد دورهم

سجل حكومي يحمل كل بياناتهم

TT

مصر: توثيق رسمي لضحايا الإرهاب بسيناء لحفظ وتخليد دورهم

«ذبحوا والدي ومثلوا بجثته، وكل جريمته أنه تعاون مع الوطن ضد أعدائه... أعتبر استشهاده فخراً لي، وتمنيت ألا يسقط من ذاكرة التاريخ ليبقى شاهداً على جريمة وحشية للإرهابيين بحق رجل أعزل»، بهذه العبارة استهل علي محمد أحمد من أبناء شمال سيناء المصرية حديثه عن ملابسات مقتل والده على يد مجموعة تكفيرية متشددة، اختطفته قبل عامين وقامت ببتر رأسه وترك جثمانه على قارعة طريق، بدعوى تعاونه مع قوات الأمن والإبلاغ عن تحركات تلك المجموعة.
حديث الشاب العشريني عن والده بفخر، جاء في معرض استعداده لجمع وثائق تؤرخ لسيرته، استجابة لقرار حكومي بتخليد ذكرى شهداء الحرب على الإرهاب في سيناء بتدوين تاريخهم في سجل وثائقي يحمل كل بياناتهم.
وعانى أهالٍ من سيناء من تصفيات لعدد منهم نفذتها عناصر من جماعات تكفيرية متشددة موالية لتنظيم داعش الإرهابي، ظهرت في شمال ووسط شبه جزيرة سيناء. وتشن قوات الجيش والشرطة عملية كبيرة هناك منذ 9 فبراير (شباط) الماضي، لتطهير المنطقة من هؤلاء المتشددين، وتُعرف العملية باسم «عملية المجابهة الشاملة» (سيناء 2018).
وكان أبرز عمليات استهداف الأهالي «مذبحة المُصلين»، التي راح ضحيتها 311 شخصاً، وهم يؤدون صلاة الجمعة في مسجد قرية الروضة شمال سيناء بعد أن فتح المسلحون النيران عليهم، من بينهم 27 طفلاً، فضلاً عن عمليات استهداف مدنيين متفرقة تركزت في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش.
يتابع الشاب علي قوله لـ«الشرق الأوسط»، إنه يعتبر تدوين تاريخ والده الشهيد خطوة تخلد الدور الذي قام به وتحفظه لأجيال قادمة. واستطرد: «المئات من أبناء سيناء المدنيين دفعوا ثمن وقوفهم في وجه الإرهابيين بدمهم ونهاية حياتهم بشكل بشع ما بين قتل بالذبح، وبين التصفيات بالرصاص الحي، والتمثيل بالجثث».
وكان محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفضيل شوشة، أعلن أنه تقرر توثيق سجلات الشهداء من أبناء سيناء، وأوضح خلال ترؤسه اجتماعاً لمسؤولين حكوميين بشمال سيناء الأحد الماضي، أن لجنة مختصة ستقوم بجمع وثائق كل شهيد وملابسات استشهاده، وتوثيقها في سجل يحمل اسم الشهيد.
وأكد المحافظ أن ذلك يأتي في إطار الاهتمام بتأريخ المرحلة التي تعيشها شمال سيناء في الحرب على الإرهاب، وحتى لا يتقادم الأمر وتُنسى المعلومات عن كل شهيد، وتبقى محفوظة بشكل رسمي وآمن للأجيال.
بدوره أشاد حسن مسلم، والد الطفل محمد الذي قتل في انفجار تعرض له منزله على إثر سقوط قذيفة صاروخية مجهولة المصدر على منزلهم الكائن في نطاق جنوب مدينة الشيخ زويد بهذا القرار الحكومي، لافتاً إلى أن شهداء الحرب على الإرهاب في سيناء تتعدد حالات وفاتهم وأعمارهم وجميعهم ضحايا.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه بدوره يجمع وثائق مهمة تتعلق باستشهاد طفله البالغ من العمر 8 سنوات، قبل عام ونصف العام، وهو لا ينسى كيف أن صغيراً قطف عمره في معركة الكل يضحى فيها لأجل أن تتطهر منطقتهم من هذا الدنس، واستطرد: «جميل ألا ننسى الشهداء فهم رحلوا بشرف ونحن شهود العيان على دفعهم الثمن بحياتهم، ونحن بدورنا سنرحل ولا بد أن يبقى للقادم من الأجيال ما يجب أن يعرفوه عنهم».
وكانت مديرية التضامن الاجتماعي بشمال سيناء أعلنت في 24 يناير (كانون الثاني) الماضي، تشكيل أول جمعية أهلية تحمل اسم «جمعية أسر الشهداء والمصابين»، تتولى توفير الرعاية الشاملة والخدمات اللازمة لهم من واقع احتياجاتهم الفعلية. وبحسب بيانات الجمعية، فإن عدد أعضائها فاق الـ600 عضو، جميعهم من ذوي الشهداء والمصابين.
كما أعلنت الحكومة المصرية في أبريل (نيسان) 2016 تخصيص «صندوق إغاثة» خاص بتمويل تعويضات المصابين وذوى الشهداء المدنيين بسيناء بتمويل بدأ بمبلغ 27 مليون جنيه مصري، مقدماً من وزارة التضامن الاجتماعي ودعم إضافي من وزارة المالية وصندوق «تحيا مصر».
وقالت سناء جلبانة، رئيس لجنة الأمومة والطفولة بمحافظة شمال سيناء، ومدير مكتب الخدمات الإنسانية بمستشفى العريش العام، إنها شهدت وصول كثير من حالات الشهداء المدنيين، وحاجتهم لتوثيق أوراق خاصة بهم، وأوضحت جلبانة أنه بشكل رسمي يتم التوثيق ورقياً لكل حالة من واقع محضر قسم الشرطة وتحقيقات النيابة وقرارها، وكذا معاينات لجان التضامن الاجتماعي والمحافظة للمنازل والأضرار التي تلحق بها، وأن القرار الأخير لتوثيق هذه الحالات لكل حالة هو بمثابة جمع لكل هذه المستندات، فضلاً عن سيرة كل شهيد وحفظها، وهذا بمثابة سجل تاريخي سيفيد في حصر فعلي لكل شهيد، وتحديد دوره في الحرب على الإرهاب من واقع المستندات وشهادات ذويه.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.