فوضى «السوشيال ميديا» بين غياب الاتفاقات الدولية و«عند» شركات الإنترنت

يمكن بث المواد من دولة ورفعها إلى الشبكة من دولة أخرى وقراءتها في دولة ثالثة ما يصعب عملية التحكم في مثل هذا المحتوى ذي الطبيعة العابرة للحدود
يمكن بث المواد من دولة ورفعها إلى الشبكة من دولة أخرى وقراءتها في دولة ثالثة ما يصعب عملية التحكم في مثل هذا المحتوى ذي الطبيعة العابرة للحدود
TT

فوضى «السوشيال ميديا» بين غياب الاتفاقات الدولية و«عند» شركات الإنترنت

يمكن بث المواد من دولة ورفعها إلى الشبكة من دولة أخرى وقراءتها في دولة ثالثة ما يصعب عملية التحكم في مثل هذا المحتوى ذي الطبيعة العابرة للحدود
يمكن بث المواد من دولة ورفعها إلى الشبكة من دولة أخرى وقراءتها في دولة ثالثة ما يصعب عملية التحكم في مثل هذا المحتوى ذي الطبيعة العابرة للحدود

ينشغل كثير من الدول بمسألة صعوبة التحكم في بثّ مواد ضارة على منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت عموماً، وكيفية التعامل معها. ففي بريطانيا أصدرت الحكومة مذكرة تفاهم حول المعضلة مع تزايد المخاوف من تأثيراتها السلبية. وقال وزير الصحة ماثيو هانكوك، في مؤتمر حزب المحافظين الأخير، إنه سوف يصدر توجيهاته حول الخطوط العريضة التي يجب الالتزام بها في منصات التواصل الاجتماعي، خصوصا تلك الموجهة للأطفال والمراهقين.
لكن عناصر في المعادلة تبقى مفقودة، تجعل أي جهد فردي من الدول قاصرا في تحقيق التحكم المنشود في محتويات وسائط التواصل الاجتماعي. فليس هناك اتفاق دولي حول كيفية ممارسة الدول سلطاتها في السيطرة على الإنترنت كما لا يوجد توافق على طبيعة المواد الضارة. وتختفي أيضا من المعادلة مسؤولية شركات الإنترنت حول محتويات ما يبثه قراء مواقعها، وعد الاتفاق على كيفية قيامها بشطب المحتويات الضارة وما إذا كانت عملية الشطب تشمل كل أنحاء العالم أم مواقع محلية فقط في النقاط الجغرافية التي تم فيها بث المحتويات.
وتتداخل هذه المسائل مع قضية السيادة لكل دولة، ما يجعل الوصول إلى اتفاق دولي في هذا الشأن من الأمور غير الواقعية. ويحتاج العالم حالياً إلى إرشادات وقواعد متفق عليها لعلاج هذا الوضع، تدلي فيه كل دولة بدلوها، بالإضافة إلى آراء شركات الإنترنت ومجتمع المهتمين بالإنترنت والأصوات التي تمثل مستخدمي الشبكات الاجتماعية.
وتعتبر حرية المعلومات من أهم قواعد استخدامات الإنترنت. ولكن الواضح في السنوات الأخيرة أن البعض يسيء استخدام هذه الحرية، خصوصا في جوانب تعليقات القراء ورسائل «تويتر» القصيرة ومجموعات «فيسبوك»، فتظهر أحيانا عبارات عنصرية أو ضد المرأة، بالإضافة إلى شتائم أو صور أو مقاطع فيديو غير مقبولة. وهو الأمر الذي أثار ضجة بين مستخدمي المنصات الاجتماعية والحكومات على وجه سواء.
ومما يصعب عملية التحكم في مثل هذا المحتوى الطبيعة الدولية عابرة الحدود للشبكات الإلكترونية بحيث يمكن بث هذه المواد من دولة ورفعها إلى الشبكة من دولة أخرى وقراءتها في دولة ثالثة.
وتطبق معظم الدول نظم إشراف دقيق على وسائل البث الإلكترونية التقليدية مثل الراديو والتلفزيون والصحف. ولكن حتى في بريطانيا التي تقوم فيها بهذه المهمة جهة مستقلة اسمها «أوفكوم»، فإن هذه الجهة تعترف بأنها لا تستطيع القيام بالإشراف على محتويات الإنترنت، خصوصا مقاطع الفيديو التي يتم رفعها على «يوتيوب» ومحتوى منصات التواصل الاجتماعي أو «الأخبار» التي يتم بثها على مواقع الأخبار المتعددة بما في ذلك الإعلانات السياسية. وتخضع هذه المواقع المختلفة إلى قوانين متباينة، ويعني هذا أن المحتوى نفسه يتم التعامل معه بأساليب مختلفة وفقا لطريقة الحصول عليه من على الشبكة. وترى «أوفكوم» أن مثل هذا الأسلوب لا يوفر شفافية أو حماية للمشاهدين ولكنها عاجزة عن السيطرة ولا ترى أن إخضاع كل المحتويات إلى قواعد القانون البريطاني هو بالضرورة الحل الصحيح.
وطبقا لقواعد القانون الدولي فإن لكل دولة الحق في السيطرة على النشاطات التي تجري داخل نطاق حدودها الجغرافية. بناء على هذه القاعدة، فإن القانون البريطاني مثلا يسري فقط على محتويات الإنترنت التي توجد على قواعد معلومات داخل بريطانيا أو مصادر تقع داخل بريطانيا وتبث المعلومات على الشبكة.
ولكن مستخدمي الإنترنت في بريطانيا يمكنهم الاطلاع على محتويات تم بثها من خارج البلاد، وليس من الممكن في كثير من الأحوال معرفة المواقع الجغرافية التي يتم البث منها. وهذا يحد من قدرات الدول على التحكم في هذه المواد، وفق قواعد القانون الدولي، كما أن غياب اتفاق دولي حول كيفية التعامل مع هذا الوضع يضيف إلى صعوبة إيجاد حلول.
وفي محاولات للتعامل مع هذا الموقف لجأت بعض الدول إلى اعتبار أن إمكانية الاطلاع على المواد الضارة المنشورة على الإنترنت من داخل الحدود يعطيها الحق في اتخاذ خطوات للحد من خطورتها. وبناء على هذا المبدأ قامت محاكم في بريطانيا وفرنسا برفع قضايا على شركات إنترنت من بينها «ياهو» بسبب محتويات يمكن الاطلاع عليها من داخل حدود الدولتين، على رغم أن مصادر المعلومات تم بثها من أميركا. وأصدرت المحاكم قرارها بأن النشر على الإنترنت يعادل النشر الفعلي داخل هذه الدول بغض النظر عن الموقع الذي تم منه رفع هذه المواد إلى الشبكة الدولية.
ومع غياب الإشراف الدولي على الإنترنت تتوجه الدول إلى اتخاذ إجراءات تتخطى حدودها الجغرافية. وفي واحدة من حالات الحفاظ على سرية المعلومات الشخصية طالبت هيئة حماية المعلومات الفرنسية من «غوغل» إزالة معلومات شخصية حول مستخدميها الفرنسيين ليس فقط من قواعد المعلومات الأوروبية ولكن من كل محركات البحث حول العالم.
وما زال الطلب الفرنسي منظورا أمام المحاكم للتأكد من أنه لا يتعدى على حقوق آخرين خارج فرنسا لا يتعين عليهم الالتزام إلا بقوانين بلادهم فقط. ولو طبقت كل الدول مثل هذه القاعدة لوجد مستخدمو الإنترنت في فرنسا وأوروبا أن أحد حقوقهم في حرية المعلومات يتم التحكم فيه من خارج البلاد، وهو ما يعتبر أمرا غير مقبول.
وحتى الآن توجد مبادرات كثيرة للعمل على أسلوب إشراف على الإنترنت مثل «قمة مجتمع المعلومات» و«منتدى الإشراف على الإنترنت» و«شبكة السياسة القضائية والإنترنت»، ولكن يبقى عدم وجود اتفاق دولي من العناصر الغائبة عن المعادلة حتى الآن.


مقالات ذات صلة

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
TT

الانتخابات الرئاسية الأميركية عزّزت وضع «بلوسكاي» منافساً لـ«إكس»

العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)
العلامة التجارية لتطبيق «بلوسكاي» (أ.ف.ب.)

يبدو أن انتخابات الرئاسة الأميركية، التي أُجريت يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، عزّزت مكانة منصة «بلوسكاي» منافساً رئيساً لـ«إكس»، ما أثار تساؤلات بشأن مستقبل المنصتين، ولمَن ستكون الغلبة في سباق منصات التواصل الاجتماعي للتنافس على زيادة عدد المستخدمين. وفي حين عدّ خبراء حاورتهم «الشرق الأوسط» أن «بلوسكاي» قد تكون «بديلاً» لـ«إكس»، فإن هؤلاء توقّعوا أن هذا التغير قد يحتاج لسنوات.

من جهتها، أفادت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية بأن منصة «بلوسكاي» شهدت زيادة مليون مستخدم جديد خلال الأسبوع الذي أعقب الانتخابات الأميركية، وعلّقت قائلة «في الوقت الراهن يبحث بعض مستخدمي (إكس) عن منصة بديلة للتفاعل مع الآخرين ونشر أفكارهم». أما صحيفة «الغارديان» البريطانية، فأوردت في تقرير نشرته منتصف الشهر الحالي، أن كثيراً من المستخدمين «يسعون الآن للهروب من (إكس)، وسط تحذيرات من زيادة خطاب الكراهية والمعلومات المضلّلة على المنصة». وحقاً، وفق «بلوسكاي» ارتفع عدد مشتركيها «من 10 ملايين في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى 16 مليون مستخدم حالياً».

رائف الغوري، المدرّب والباحث المتخصّص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، أرجع ازدياد الإقبال على منصة «بلوسكاي» إلى «فقدان منصة (إكس) مكانتها تدريجياً». وأردف أن جاك دورسي نقل الخبرات والتجارب الناضجة لـ«تويتر» سابقاً و«إكس» عند تأسيس «بلوسكاي»، ما منح المنصة «عناصر قوة تظهر في مزايا اللامركزية، والخوارزميات التي يستطيع المستخدم أن يعدلها وفق ما يناسبه». وتابع: «انتخابات الرئاسة الأميركية كانت من أهم التواريخ بالنسبة لبلوسكاي في ظل ازدياد الإقبال عليها».ولذا لا يستبعد الغوري أن تصبح «بلوسكاي» بديلاً لـ«إكس»، لكنه يرى أن «هذا الأمر سيحتاج إلى وقت ربما يصل إلى سنوات عدة، لا سيما أن بلوسكاي حديثة العهد مقارنة بـ(إكس) التي أُسِّست في مارس (آذار) 2006، ثم إن هناك بعض المزايا التي تتمتع بها (إكس)، على رأسها، تمتعها بوجود عدد كبير من صنّاع القرار الاقتصادي والسياسي والفنانين والمشاهير حول العالم الذين لديهم رصيد واسع من المتابعين، وهذا عامل يزيد من صعوبة التخلي عنها».

ويشار إلى أن «بلوسكاي» تتمتع بسمات «إكس» نفسها، ويعود تاريخها إلى عام 2019 عندما أعلن جاك دورسي - وكان حينئذٍ لا يزال يشغل منصب المدير التنفيذي لـ«تويتر» («إكس» حالياً) - عن تمويل الشركة تطوير منصة تواصل اجتماعي مفتوحة ولا مركزية تحمل اسم «بلوسكاي». وفي فبراير (شباط) 2022 تحوّلت إلى شركة مستقلة، لتطلق نسختها التجريبية مع نهاية العام.

من جانبه، قال محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «منصة (بلوسكاي) في طريقها بالفعل للاستفادة من التغيّرات الجذرية التي تشهدها منصات كبيرة مثل (إكس)». وأوضح أن «النموذج اللامركزي الذي تعتمده (بلوسكاي) يمنحها ميزةً تنافسيةً ملحوظةً، لا سيما مع ازدياد الوعي حول الخصوصية والتحكم في البيانات، أضف إلى ذلك أن المستخدمين اليوم يبحثون عن منصات توفر لهم الأمان، لا سيما بعد التحوّلات الكبيرة التي شهدتها (إكس) تحت قيادة ماسك... ومن هذا المنطلق يبدو أن لدى (بلوسكاي) فرصة حقيقية للنمو، إذا استمرت في تعزيز مبادئها المتعلقة بالشفافية وحرية التعبير».

الصاوي أشار أيضاً إلى أن عمل ماسك مع ترمب قد يكون له تأثير مزدوج على منصة (إكس)، بشأن الرقابة على المحتوى، وقال: «إن العلاقة الحالية بينهما قد تدفع نحو تغييرات دراماتيكية في إدارة (إكس) وتوجهاتها المستقبلية، ما يزيد ويبرّر الحاجة إلى منصات بديلة أكثر استقلالية مثل (بلوسكاي)».