«حروب فاتنة»... خيال مشاكس ساخر

جغرافيا واسعة تتحرك فيها القصص من القاهرة إلى قرية يمنية

«حروب فاتنة»... خيال مشاكس ساخر
TT

«حروب فاتنة»... خيال مشاكس ساخر

«حروب فاتنة»... خيال مشاكس ساخر

تسأل شاعراً أو قاصاً عن كتاب جديد له؛ فيجيبك «لدي قصائد/قصص لكنها لا تصلح للنشر في كتاب واحد، فقد كتبتها في أوقات متقطعة».
كل الشعراء والقصاصين تقريباً يحرصون على وحدة التجربة والانسجام بين نصوص الكتاب الواحد.
ينبع هذا الحرص من توقعات الكتَّاب لقارئ مخلص يقرأ الكتاب دفعة واحدة، ومطيع يقرأ بالتتابع الذي تعمده المؤلف.
ليس بوسعي أن أعرف نسبة القراء المخلصين أو المطيعين لهذا النهج من التفكير، ولا أزعم أنني أتصرف على نحو مختلف عندما أكون كاتباً. أحرص على الانسجام في مجموعاتي القصصية، لكنني أقرأ بطريقة مختلفة. تستمر صحبتي للديوان والمجموعة القصصية طويلاً، يكون قريباً من يدي في أماكن القراءة الأكثر راحة ـ يشاركني السرير غالباً ـ
حيث تكون القصيدة الواحدة أو القصة الواحدة لليوم الواحد؛ وعندما أنتهي من هذه القراءة يحتل كتاب الشعر أو القصص المميز مكاناً قريباً في المكتبة، بحيث يمكنني استلاله بين وقت وآخر وفتحه على قصيدة توسمت فيها أثناء القراءة الأولى قدرتها على تقديم الدعم النفسي في الأوقات الصعبة.
أقرأ القصيدة والقصة هكذا منذ أن انتبهت إلى الظلم الذي نوقعه بالشعر والقصص عندما نقرأ كتبهما في تتابع؛ فكل قصيدة وكل قصة عالم مكتمل مكتفٍ، مهما حاول المبدعون أن يؤاخوا بينه وبين نص آخر. ولا يمكن أن يكون هذا اكتشافي وحدي على أي حال؛ فكل من يسعده حظه بقراءة قصيدة أو قصة جيدة سيشعر بالشبع والحاجة للراحة والرغبة في وقت للصمت يستمتع فيه بعملية الهضم الهنيء.
ولست أدري كيف يتصرف الكاتب المصري حسن عبد الموجود عندما يكون قارئاً، لكنه في مجموعاته القصصية، وبينها الأحدث «حروب فاتنة» يتصرف ككل الكتاب، ويحرص على انسجام قصصه. في المجموعة الجديدة هناك جغرافيا واسعة تتحرك فيها القصص؛ أحياء مختلفة من القاهرة، مسقط، صحراء مصرية، وقرية يمنية، كذلك فالبطل يكون في كل قصة بعمر مختلف ومهنة مغايرة، لكن ما يربط القصص كثير. في كل القصص راوٍ يروي عن الغير أو يتحدث عن نفسه.
كل الأبطال لديهم هوسهم الخاص الذي يمنع استمتاعهم بالحياة، هوس المراقبة من الآخرين في الغالب: الأم التي تستخدم الهاتف المحمول بالكاد، لكن لديها هاجس تجسس الجارة عليها عبر اختراق الهاتف؛ لذلك تضعه دائماً في الثلاجة أو الميكرويف، عضو الحزب الشيوعي لم يغادره حس المراقبة، رغم اختفاء الحزب منذ عقود طويلة، وفاته أن يستمتع بحب تلميذته في النضال.
الشاب المغترب الذي لا يستطيع الاقتراب من حبيبته ابنة البلد، بوهم المراقبة من أعلى سلطة في البلاد.
في المجموعة كلها نلاحظ أن الاسم امتياز يخص المرأة فحسب، سنعرف أسماء مونيكا وزوينة وسيمون، بينما الرجال مجرد حالات تختفي في وظيفة أو في أوصاف الراوي. نرى كذلك العزلة، سطوة السلطة القاهرة، نرى الحب الذي تقتله السلطة أو الهواجس، لكن الرباط الأقوى هو الخيال المشاكس الساخر. في قصة «معزة جوركي» تلتقط الأم من الشارع معزة بعينين دامعتين، تبدو في أشد حالات المرض، لم يجدوا لها مكاناً سوى المكتبة، وهناك استردت عافيتها من أكل الكتب. التهمت كثيراً من أعمال دوستويفسكي وتولستوي وتشيخوف، وكل أعمال جوركي، كأنها قررت محو روسيا من مكتبة الراوي. ولم يكن هناك بد من البحث عن الراعي الذي شردت منه المعزة في أطراف حي المهندسين القاهري، وتكللت مسيرة النداء بالنجاح بعد جولة في الشوارع بصحبة الحيوان الأليف. قاومت المعزة العودة إلى صاحبها في البداية، ثم استسلمت وسارت خلفه مطلقة زخات من البعر الأسود. بعثرت وراءها كل ما تلقته من كتب الأدب!
وفي القصة التي أعطت المجموعة اسمها «حروب فاتنة» نرى جندياً يذكرنا بالجندي الطيب شفيك في ملحمة التشيكي ياروسلاف هاشيك.
الجندي ابن حي إمبابة الشعبي يرى مروحة سقف مكتب العقيد مروحة طائرة هليكوبتر، والأعداء ثعبان على الشجرة أو عنكبوت على الحائط.
قصة «العرض الأخير» تحمل من الخيوط ما يفيض على حاجة قصة قصيرة. تبدو رواية قصيرة تتجلى فيها ذروة الخيال المشاكس بالمجموعة، وحس المراقبة، لكن رد الفعل عليه ليس الخوف كما في بقية القصص؛ بل العبث والسخرية المشاكسة.
عاشقان تطل شقتهما على ساحة سجن، وقد اعتادا تقديم عروضهما البهيجة في الشباك، خلف الستارة أو من دونها، مستمتعين بتقديم هذه الخدمة للمسجونين الذين يحتشدون في الساحة للمشاهدة.
الراوي يستمتع في الوقت ذاته بمراقبة المسجونين، ويثيره شغفهم في المشاهدة إذ يخاطرون برفع أنظارهم إلى الطابق الرابع بينما تحدد لهم التعليمات الطابق الثاني حداً أقصى للتلصص، يستمتع بالصياح والصفافير التي يطلقونها استجداءً لعودة الظلين كلما غادرا موقعهما خلف الستائر.
عندما تنكشف اللعبة، يحمل مأمور السجن الميكروفون يطلب فيه من ضباطه ومجنديه الجدية في مراقبة المسجونين ومنعهم من استراق النظر إلى الجيران «أولاد الكلب» ثم يوجه نداءه إلى «السادة الجيران» الذين يجب ألا يأتوا بأفعال فاضحة يعاقب عليها القانون.
في القصة تندلع ثورة 25 يناير (كانون الثاني). صورة الميدان على الشاشة خلف بطلي الاستعراض، وأمامهما تحت النافذة امتلأت ساحة السجن بالسجناء، وكانت صيحات المأمور «اعجنوهم» وكان السجناء ثائرين على غير العادة، يستقبلون الهراوات على أجسادهم ويهجمون على الحراس، ولم يكن أمام المأمور إلا أن يهتف «خلاص اعملوا لهم اللي عايزينه» ولم يكن واضحاً هل كان الأمر لضباطه أم للراوي ورفيقته سيمون في الطابق الرابع كي يبدأوا العرض!



كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)
جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)

بعد أكثر من 5 سنوات من أعمال ترميم واسعة، كشفت كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية، باريس، عن هيئتها الجديدة للعالم، اليوم الجمعة، بعد تعرضها لحريق مدمر عام 2019.

تُظهر هذه الصورة مذبح الكنيسة الذي صممه الفنان والمصمم الفرنسي غيوم بارديه، في قلب كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

جاء ذلك خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موقع البناء ليشاهد بنفسه التصميمات الداخلية التي تم ترميمها قبل إعادة افتتاح الكاتدرائية الشهيرة في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ويتم بث زيارته التي تستمر ساعتين على الهواء مباشرة. وتظهر أعمال حجرية تم ترميمها وألوان نابضة بالحياة، وغيرها من ثمار جهود إعادة الإعمار الهائلة، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاطاً برئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة وبرئيس أساقفة باريس يزور كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

دخل ماكرون عبر الأبواب الأمامية العملاقة للكاتدرائية والمنحوتة بدقة، وحدّق في الأسقف بدهشة. وكان برفقته زوجته بريجيت ورئيس أساقفة باريس وآخرون.

وانضم ماكرون إلى مجموعة تضم 700 من الحرفيين والمهندسين المعماريين وكبار رجال الأعمال والمانحين، وأشاد بالحرفية والتفاني وراء جهود الترميم.

السيدة الأولى الفرنسية بريجيت ماكرون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، ووزيرة الثقافة والتراث الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس أساقفة باريس لوران أولريش يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

ومن المقرر أن يعود ماكرون في السابع من ديسمبر لإلقاء خطاب وحضور تدشين المذبح الجديد خلال قداس مهيب في اليوم التالي.

وتأتي زيارة ماكرون بمثابة بداية لسلسلة من الأحداث التي تبشر بإعادة افتتاح التحفة القوطية التي تعود إلى القرن الثاني عشر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت برفقة رئيس مؤسسة «إعادة بناء نوتردام دو باري» العامة فيليب جوست، يزورون كاتدرائية نوتردام دو باري في باريس، 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وترى إدارة ماكرون أن إعادة الإعمار تمثل رمزاً للوحدة الوطنية والقدرة الفرنسية.