«داعش» يوقظ التنين الصيني حول العالم

شكوك بكين تجاه الإيغور لا تتوقف مع سلسلة من الملاحقات

«داعش» يوقظ التنين الصيني حول العالم
TT

«داعش» يوقظ التنين الصيني حول العالم

«داعش» يوقظ التنين الصيني حول العالم

هل دخلت الصين بدورها في سياق الحرب التي تدور رحاها حول العالم على الإرهاب؟
وإن كان ذلك كذلك فما هي الأسباب التي جعلتها تعلن مؤخراً عن إنشاء قوة لمكافحة الإرهاب لحماية مصالحها في الخارج؟... هذا واحد من أسئلة كثيرة تتواتر هذه الأيام، فيما البعض يرى أن الصين بدورها تسخر إشكالية محاربة الإرهاب لدعم حضورها القطبي حول العالم، بالضبط كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية منذ عقدين تقريباً.
في أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وفي مقابلة له مع وكالة «شينخوا» الصينية للأخبار، كان «تشانغ شياو تشي» رئيس المخابرات في الشرطة المسلحة الصينية، وهي جهة تابعة للقوات المسلحة الصينية، يصرح بالقول: إن تشكيل قوات خاصة بات عنصرا مهما في التحديث الشامل لجيش البلاد... وأضاف: «إن نطاق مهمة القوات الخاصة يمتد من الأرض إلى البحر ومن الوطن إلى خارجه، وإن استعدادات الحرب ضد الإرهاب، يجب أن تشمل حماية المصالح الاستراتيجية الوطنية في أي مكان».
الحديث عن القوة الصينية لمكافحة الإرهاب، كانت قد سبقته عدة خطوات في الداخل الصيني، هدفها الرئيسي مواجهة الإرهاب الذي بات يضرب بقسوة منذ العام 2001 وحتى الساعة.
وفي هذا السياق نذكر بأن الصين كانت قد أصدرت عام 2015 قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب، يسمح لجيشها بالقيام بعمليات لمكافحة الإرهاب، فيما وراء البحار رغم أن مثل هذا القانون قد وجد اعتراضات دولية ودبلوماسية، خوفاً من أن يكون مجرد غطاء أو ستار يمكن للصين من خلاله أن تمد نفوذها إلى ما هو أبعد من حدودها الإقليمية.
على أن السؤال... هل من جزئية خافية على الكثيرين تستدعي قوة وقوانين صينية خاصة لمحاربة الإرهاب؟

وثيقة القرن والاستدارة نحو آسيا
علامة الاستفهام المتقدمة في حقيقة الأمر في حاجة إلى قراءات معمقة قائمة بذاتها، غير أن المسطح المتاح للكتابة يدعونا لبلورة الأمر في سطور قليلة تبدأ من عند العام 1997. أي حين بلور المحافظون الجدد رؤيتهم للقرن الحادي والعشرين، وقد حزموا وحسموا أمرهم أن يكون قرناً أميركيا بامتياز، ما يعني حتمية إزالة والقفز على أي قوى دولية أخرى تظهر في الأفق.
في ذلك التوقيت كانت روسيا لا تزال تتخبط في صراعها الداخلي، وبينما الأوليغاركيات تتنازعها وتتشارعها، وفلاديمير بوتين لم يكن قد أطل من نافذة التاريخ لا على روسيا فحسب بل على العالم برمته، فيما كان التنين الصيني يستيقظ، ما دعا العم سام لاسترجاع مقولة وتحذير نابليون بونابرت من صحوة المارد الأصفر.
بعد نحو ثلاث عشرة سنة، وفي العام 2010 تمت صياغة الاستراتيجية الأميركية الجديدة، المعروفة باسم الاستدارة نحو آسيا، وقد كانت الصين في القلب منها ولا شك.
كتبت هيلاري كلينتون في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011 عبر مجلة «الفورين بوليسي» الأميركية الشهيرة وتحت عنوان «أميركا عصر المحيط الهادي»، ما يفهم منه أن الصراع مع الصين تحديداً بات جوهرياً ومركزياً، وأن إفشال تلك التجربة لا بد أن تجري به المقادير، رغم محاولاتها البلاغية التي فشلت في مداراة المغزى والمبنى من أحاديثها.
وتضيف: إحدى أبرز المهام التي تقع على عاتق الدولة الأميركية في العقد المقبل هي استثمار مجهودات أكبر بكثير، دبلوماسيا واقتصاديا واستراتيجياً، وغير ذلك، في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
يقول بعض من العارفين بدواخل واشنطن إن مشهد صعود «القاعدة» و«داعش» على النحو الذي رآه العالم مؤخراً، إنما كان هدفه الرئيسي هدم التجربة الصينية، ووقف صحوة الدب الروسي، من خلال تصدير الإرهاب إليهما، وذلك حال تمكن من دول الشرق الأوسط، ووجد طريقه إلى الداخل الروسي والصيني، عبر الأقليات التي يمكن استقطاب بعض من مواطنيها لصالح التيارات المتطرفة، ليبدأ التفكيك والتفخيخ من الداخل».

الإيغور وعلاقتهم مع الصين
الإيغور بداية هي قومية من آسيا الوسطى، ناطقة باللغة التركية وتعتنق الإسلام، ويعيش أغلبها في إقليم شينجيانغ الذي كان يسمى تركستان الشرقية قبل ضمه من قبل الصين، وقدر عدد الإيغور بنحو عشرة ملايين نسمة، 99 في المائة منهم يعيشون داخل الإقليم، فيما يتوزع الباقون حول العالم. ولكي نفهم العلاقة المتوترة بين الصين والإيغور لا بد من العودة إلى التاريخ البعيد نسبياً، فقد تمثلت العلاقة في كر وفر، منذ وقت طويل، حيث تمكن الإيغور من إقامة دولة تركستان الشرقية التي ظلت صامدة على مدى نحو عشرة قرون قبل أن تنهار أمام الغزو الصيني عام 1709. ثم عام 1876 قبل أن تلحق نهائياً في 1950 بالصين الشيوعية.
ازدادت شكوك الصين تجاه الإيغور بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وبدأت سلسلة من المطاردات بعدما نما لعلم الاستخبارات الصينية أن أصولية بعينها تنمو في الداخل، وإنها على علاقة بعمليات تفجير جرت في الإقليم. على أن الطامة الكبرى، كانت تلك التي تمثلت في إعلان الإيغور استقلالهم عام 2004. ومن ثم دارت الصراعات العنيفة والمسلحة مع شباب هذه العرقية التركية. وجدت التنظيمات الأصولية فرصة ذهبية في هذا الجو المشحون بالعنف، فرصة مكنتها من استجلاب عدة آلاف من الشباب المقاتل إلى «داعش» تحديداً، وهناك من يؤكد أن تركيا لعبت دوراً كبيراً وخطيراً في تسهيل مرورهم إلى الداخل السوري.

دواعش الإيغور في سوريا
يقول البعض يبلغ عدد عناصر «داعش» من شباب الإيغور في داخل التنظيم نحو ثلاثة آلاف، فيما جماعة أخرى ترى أنهم أكثر من خمسة آلاف مقاتل تدفقوا تدريجياً على مدى خمس سنوات من مخيمات التدريب التركية نحو سوريا، معظمهم يقاتل اليوم مع «داعش»، وقد أنشأوا جيشاً جهاديا صينياً بدأ بنسخته الداعشية، يهدد بنقل البؤرة إلى قلب آسيا الوسطى.
في تقرير صادر عن مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية نقرأ عن أبعاد الإشكالية التي تواجهها الصين حالياً، ذلك أن الصينيين قد بذلوا جهوداً كبيرة لكبح الخروج غير الشرعي للإيغور من حدود الدولة. لكن رغم إغلاق الطريق الأقصر الذي يمر عبر باكستان، فإن عشرات الآلاف منهم هربوا من الحدود الجنوبية وسلكوا طريقاً طويلاً وملتوياً للوصول إلى تركيا... لكن كيف يتم تمويل تلك العمليات اللوجيستية؟
الجواب هو أن العائلات الإيغورية تقوم ببيع ممتلكاتها في وطنها الأم، في حين أن الحكومة التركية، وبسبب أصول الإيغور التركية، تساعد من يريد منهم دخول أراضيها، الأمر الذي تسبب ولا يزال في حدوث توتر كبير بين أنقرة وبكين.
في هذه الاضطرابات بين الجانبين ظهرت على السطح رسائل مسجلة ومصورة منسوبة إلى ما يطلق عليه «الحزب التركستاني»، وهو منظمة إيغورية منفصلة، تعمل بشكل أساسي خارج حدود الصين، وتحمل الرسائل دعوات لمقاتلين يتبعونها في سوريا يروجون للانضمام إلى الجهاد، وقد كان لها أثر إيجابي – إن جاز التعبير - في كسب المزيد من وقود المحرقة الإرهابية الداعشية، من شباب الإيغور... كيف ينظر «داعش» إلى الصين؟

داعش وسفك الدماء
لا ينتظر أحدهم أن يكون الجواب على علامة الاستفهام حول نظرة «داعش» إلى الصين، خارج السياقات التقليدية، ففي رسالة مسجلة تحمل عنوان «أولئك هم الصادقون»، نشره فرع تنظيم داعش في غرب العراق، وجه مقاتلون داعشيون من الإيغور تهديداً غير مسبوق إلى الصين، ويظهر التسجيل مسلحاً من أقلية الإيغور يشهر سكيناً ويذبح رجلاً (في حضور طفل) مدعياً أنه «مخبر»، ثم يقول: «أيها الصينيون الذين لا يفهمون بالكلام نحن جنود الخلافة وسنأتيكم لنوضح لكم بلغة السلاح، ونسفك الدماء لتجري كالأنهار ثأراً للمسلمين».
لقد شعرت الصين أن الشرق الأوسط الذي أضحى حاضنة خصبة للإرهاب، سوف ينحو في القريب جداً ليصبح كارثة بالنسبة للصين، وليس الأمر هنا من قبيل المصادفة، فلا شيء يجري عشوائياً في عالم اليوم. أما البريطانيون بنوع خاص فقد تنبهوا لما يقوم به الإيغور في الشرق الأوسط، ولهذا نشرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية، مقطع فيديو مدته 30 دقيقة، يعرض أيضاً حياة الإرهابيين الصينيين في المنطقة، بما في ذلك أطفال يمارسون فنون القتال والدفاع عن النفس واستخدام البنادق. وكان من الواضح أن الصين قد أدركت عمق المأزق، ولهذا يبدو أنها تحذو حذو روسيا على صعيد العمليات العسكرية الخارجية، وهنا يفهم المرء دلالة الحديث عن قوة صينية لمحاربة الإرهاب في الخارج.

حرب صينية ضد الإرهاب
الغوص عميقاً في القرار الصيني الأخير يوضح لنا أبعاداً لم يتنبه لها الكثيرين في المنطقة، ذلك أن قوة صينية في الخارج يظل التساؤل من حولها هل القصد هو متابعة الإيغور في سوريا فقط أم هناك ما هو أبعد من ذلك؟
الثابت للمراقبين أنه ومنذ العام 2015. بدأت وفود صينية مدنية وعسكرية تتدفق على دمشق بهدف توسيع تقديم الدعم لنظام دمشق، وكانت وزارة الدفاع الصينية قد أعلنت أنها ستساعد في تأهيل القدرات البشرية في سوريا، إضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية.
في 11 أغسطس (آب) الماضي صرح السفير الصيني في دمشق السيد «تشي تشيانجين» لصحيفة الوطن الموالية للنظام السوري قائلا: «نعرف أن مكافحة الإرهاب ومعركة سوريا ضد الإرهابيين ليست فقط لمصلحة الشعب السوري فقط بل لمصلحة الشعب الصيني وشعوب العالم – على حد قوله -، وقد جرى تعاون جيد بين جيشينا في مكافحة الإرهابيين من كل دول العالم، ومن ضمنهم الإرهابيون القادمون من الصين، وسوف يستمر هذا التعاون بين الجيشين والجهات المعنية».
ويبدو أن وجود عدة آلاف من الإيغور في محافظة إدلب أمر جعل الصين تسارع باتخاذ خطوات عسكرية سريعة في الخارج سيما وأن مقاتلي «الإيغور» يتصفون بدهاء سياسي مكنهم من احتلال الصفوف الأمامية خلال المعارك للدفاع عن المدن الاستراتيجية في محافظة إدلب، مثل جسر الشغور والمناطق المحيطة بها، ووصفوا بأنهم السلاح السري للمعارضة السورية، بعدما لقنوا النظام درساً قاسيا في القتال، وهم الآن يمتلكون الكثير من الأسلحة المتطورة، مثل الصواريخ المضادة للدبابات التي استولوا عليها في مناطق بعينها مثل الجب الأحمر أعلى تلال جبل الأكراد.
ويمكن القطع إذن بأن معركة الصين داخل سوريا قد بدأت بالفعل، وأن الحاجة للقوة الصينية الجديدة موجهة إلى موقع وموضع آخر، إذ تشير تقارير استخباراتية إلى أن «التهديد الأساسي بالنسبة للصين ليس عودة متطرفي الإيغور إلى أراضيها، بل تحديداً نشاط هؤلاء ضد أهداف صينية خارج الصين، وحول العالم».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».