وزارة الثقافة العراقية... كرة النار التي تتقاذفها الأحزاب الدينية

تعاقب عليها وزراء بعيدون كل البعد عنها

جلسة البرلمان العراقي الأخيرة المخصصة للتصويت على الوزراء الجدد
جلسة البرلمان العراقي الأخيرة المخصصة للتصويت على الوزراء الجدد
TT

وزارة الثقافة العراقية... كرة النار التي تتقاذفها الأحزاب الدينية

جلسة البرلمان العراقي الأخيرة المخصصة للتصويت على الوزراء الجدد
جلسة البرلمان العراقي الأخيرة المخصصة للتصويت على الوزراء الجدد

يروي لي زهير الأعرجي وهو سياسي من الموصل، أنَه كان جالساً ليلة تشكيل حكومة السيد «إبراهيم الجعفري» 2005. فوزِعت الوزارات على الأحزاب والطوائف، وذهبت حصة وزارة الثقافة ــ كما حدَثني ــ إلى «القوميين العرب» وقد رشحوا شخصاً اسمه «نوري الراوي». وقد استبشر الجميع خيراً، ذلك أنَ هذه الوزارة سيكون على رأسها أحد أهم الفنانين التشكيليين، لأنَ «نوري الراوي» فنان تشكيلي من الرواد، ولكن الصدمة الكبرى هو تشابه الأسماء فظهر فيما بعد أنّ «نوري الراوي» هو عقيد متقاعد من الشرطة العراقية، لا علاقة له بالثقافة، لا من قريب ولا من بعيد.
وهنا تذكرتُ فيلم «وزير بالغلط» للفنان الكبير «أحمد زكي» حيث أتى به إلى الوزارة تشابه الأسماء، ومن الطريف بالذكر أنَ الدكتورة «خيال الجواهري» ابنة شاعر العرب الأكبر «محمد مهدي الجواهري» حدثتنا أيضاً قبل أسبوعين بالضبط، أنها زارت الوزير «الراوي» لتهنئته بمنصبه عام 2005، وعرَفوها له بأنها ابنة الجواهري الكبير، وأثناء المغادرة قال لها السيد الوزير بضرورة أنْ توصل سلامه للسيد الوالد ويقصد الجواهري (وزير ثقافة العراق في عام 2005 لا يعرف أن الجواهري توفي قبل 8 سنوات من تاريخ اللقاء).
بهذه العقلية تُدار وزارة الثقافة، وأظن أنَ القوى السياسية القابضة على الحكم في العراق تنظر نظرة دونية إلى الثقافة بوصفها مؤسسة دستورية تشرعن الصرف على الموسيقى، والغناء، والشعر، والتشكيل، والسينما، والأدب، و و و، وهم قادمون ــ معظمهم ــ من مرجعياتٍ تنظر إلى حرمة كل هذه التفاصيل، التي تلوِث دينهم وحياتهم، وهذا ما يتضح من زهد القوى الشيعية جميعا بمنصب وزارة الثقافة، لأنهم جميعا ينطلقون من الإثم الذي نرتكبه نحن، مثل اعجابنا بالتماثيل والموسيقى والرقص والشعر والرسم.
وبالنتيجة فإنَ هذه الوزارة يتكرمون بها على القوى السنية، أو الكردية التي رفضت الوزارة أكثر من مرة، وقد صرح أحدهم مرة بأنهم أعطوهم وزارة «تافهة».
لذلك تعاقب على هذه الوزارة وزراء لا علاقة لهم بالشأن الثقافي، ما عدا السيد مفيد الجزائري في أول تشكيلة لمجلس الحكم، حيث الوزارة خاوية تماما بلا أموال، ولا فعاليات، أمَا فيما بعد فقد راحت الوزارة لشخوص بعيدين كل البعد عنها، فمن نوري الراوي إلى أسعد الهاشمي رجل الدين المتهم بالإرهاب والهارب إلى هذه اللحظة، إلى الدكتور ماهر دلي الحديثي الذي واصل مشوار الوزارة بعد خراب أسعد الهاشمي، ومن ثم جاء سعدون الدليمي وهو وزير للدفاع، وقد كان يجتمع بالمديرين العامين لوزارة الثقافة بوزارة الدفاع، وفي عهده جرت أسوأ عملية سرقة لبغداد عاصمة الثقافة 2013 بحدود 500 مليون دولار، وخرجنا منها دون أنْ نرمم مسرح الرشيد، أو نبني مسرحاً جديداً، أو دار سينما محترمة، ولكن ــ للأمانة التاريخية ــ إنَ الوزارة وضعت حجر أساسٍ لدار الأوبرا العراقية، ولكنها نسيته فيما بعد، وها هي قطعة الأرض لدار الأوبرا ملجأ للكلاب السائبة والنفايات، ومن بعد الدليمي جاء السيد فرياد راوندوزي وكنا استبشرنا خيراً لأنه صحافي، وقريب من هذا الوسط، ولكن فترة استيزاره هي فترة التقشف المالي الرهيب، الذي لم تظهر في فترته نشاطات مهمة، ولا عمل ثقافي رصين للأسف.
وها نحن الآن على عتبة وزارة جديدة، وقد عقد اتحاد الأدباء، ونقابة الفنانين، ومنظمات ثقافية كثيرة، مؤتمراً طالبوا فيه رئيس الوزراء «عادل عبد المهدي» بأن يختار وزيراً للثقافة من الوسط الثقافي، وأنْ يكون له اسمه وحضوره الفاعل، وإذا بنا نُفاجأ بشخصٍ لا يعرفه أحد في الوسط الثقافي، ولم يُعرف عنه لا أديباً ولا فناناً ولا كاتباً ولا صحافياً ولا ولا ولا، والأدهى من ذلك أنَه ينتمي إلى فصائل من القوى الشيعية المتطرفة، التي تحرِم مصافحة المرأة، ورؤية التماثيل، وسماع الموسيقى، وهذا يعني أن هذا الوزير (الذي لم يصوت عليه البرلمان في دورته الأولى)، سيمنع، إذا نجح في دورة ثانية، ميزانية الفنون الموسيقية، ويغيِر دائرة الفنون التشكيلية، وبقية الدوائر ذات الشأن الجمالي. أقول هذا الكلام، وأنا أعرف جيدا السيد المرشح للوزارة، والذي ظهر اسمه وهو السيد «حسن الربيعي» وهو شخص محترم، ولا نضع من قدره، أو قدر الجهة التي ينتمي إليها، ولكن يا رئيس الوزراء احترم المثقفين رجاء، ولا تعاملهم بهذه الاستهانة، وقلة الاحترام، بإمكان السيد الربيعي أنْ يكون وزيراً للصناعة، أو للنقل، أو لأي وزارة أخرى، وقد ينجح بذلك، ولكن من الصعب أنْ يكون على رأس وزارة عملها الأساس هو صناعة الحياة، فيما ثقافة ذلك الرجل هي التاريخ وصراعاته المريرة.
خلاصة ما أريد أنْ أقوله إن جميع القوى الماسكة للحكم في عراق ما بعد 2003 جميعها لا تملك مشروعا ثقافياً ولو كانت تملك جزءاً ولو بسيطاً من المشاريع الثقافية لما فرطت بهذه الوزارة، كما أظن أنَ جميع تلك القوى تنظر على أنَ هذه الوزارة وزارة غير خدمية، وبالنتيجة لا يمكنهم أنْ يكسبوا جمهوراً من خلال هذه الوزارة، وهذا هو الخطأ الكبير، فوزارة الثقافة هي الوزارة الأكثر خدمة، لو مسكها شخص يفهم مفاصلها وخططها، لأن العمل القادم في العراق هو صناعة شاب غير متطرف، ويحب الحياة، ولا يمكن صناعة مثل هذا الشخص إلا بسماع الموسيقى، وبقراءة روايات الحب، وقصائد الحياة، وهذا دور وزارة الثقافة بعمل خطط تنموية للإسهام بدفن التطرف والكراهية. الأمر الآخر إن هذا الوزارة هي الأقل ميزانية ما بين الوزارات، لذلك فهي لا تُغري الكتل السياسية، لأنها خالية من المشاريع والبناء، ولا أظن طباعة كتاب أو عمل أمسية شعرية، أو استضافة مفكر ستُغري كتلة سياسية بمسك هذا المرفق المهم من حياة العراقيين.
هذه الوزارة للأسف هي كرة النار التي تتقاذفها الأحزاب الدينية في العراق، متى ستستقر في قدم لاعب محترف؟


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».