بروج البلجيكية تأخذ مكان كاليه الفرنسية بوابة للمهاجرين المتجهين إلى بريطانيا

TT

بروج البلجيكية تأخذ مكان كاليه الفرنسية بوابة للمهاجرين المتجهين إلى بريطانيا

وقف فيرناند مارشال القس البالغ من العمر 70 عاماً في منطقة تسيبورج بمدينة بروج الساحلية البلجيكية، يتنهد وهو يقول: «يوجد في كل يوم أشخاص يهينونني». مرة ثانية أزال مارشال لوحات تحمل تعليقات معادية له، من واجهة فناء منزله. على مدى ثلاث سنوات من الآن، يقوم مارشال بمساعدة المهاجرين واللاجئين الذين يحلمون بحياة جديدة، والذين يأملون في الوصول إلى بريطانيا، حسب تحقيق لوكالة الأنباء الألمانية من المدينة. ويقول رينات لانديت عمدة مدينة بروج من الحزب الاجتماعي الديمقراطي عن المهاجرين «هذه هي المشكلة الوحيدة التي نواجهها في مدينتنا المترفة».
قبل كل شيء، فإن هاجسه هو منع تحول الأوضاع في بروج إلى وضع مشابه لما كان عليه الحال في مدينة كاليه الفرنسية منذ سنوات، التي أصبح يطلق عليها اسم «الأدغال»، حيث تمركز فيها نحو 8000 مهاجر يعيشون في مخيم مؤقت على ساحل القنال الإنجليزي انتظاراً للوصول إلى بريطانيا.
وقد فرضت السلطات الفرنسية إجراءات أمنية صارمة حول هذه المنطقة، قبل أن تقوم بإخلائها بالقوة في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، ومنذ ذلك الوقت تتحرك الشرطة لإجهاض أي محاولة لإقامة مخيم مؤقت جديد لمثل هؤلاء المهاجرين.
وفي وقت سابق من العام الحالي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «لن نسمح بقيام أدغال جديدة في كاليه بأي شكل». وفي أوائل سبتمبر (أيلول) الماضي، أزالت الشرطة مخيماً في منطقة دانكرك، في الوقت الذي شكت فيه منظمات الإغاثة الإنسانية من تصرفات الشرطة.
المهاجرون يمثلون مشكلة بالنسبة لكل من ماكرون في فرنسا والعمدة لانديت في مدينة بروج. أما بالنسبة لمارشال هناك مهمة: فعلى مدى 3 سنوات يوفر للناس احتياجاتهم الضرورية من ملبس ومأكل وأدوات النظافة المكدسة في قبوٍ بمنزله الكائن بجوار كنيسته المبنية بالطوب الأحمر، كما توجد حاوية بضائع فارغة في الفناء، حيث يمكن للاجئين الاستحمام فيها.
ورداً على سؤال عن سبب مساعدته للمهاجرين، قال مارشال لـ«الوكالة الألمانية»، «أنا قس، أنا مسيحي، المهاجرون أشخاص يحتاجون للمساعدة». وأكد أنه يساعد أيضاً المحتاجين في المناطق المجاورة من تسيبروج. ويضيف أن وجود الميناء في المنطقة يجذب إليها المهاجرين.
في المقابل، يقول منتقدو مارشال إنه شخص مسؤول. ويقول العمدة لانديت إنه حتى المهربين يحاولون التواصل مع المهاجرين في كنيسة مارشال، فالقس لا يساعد فقط المحتاجين، وإنما قد يساعد المجرمين أيضاً. ويقول مارشال إنه يتلقى رسائل عدائية عبر بريده الإلكتروني أو صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أو على هاتفه المحمول أو حتى في حديقة منزله. وفي صباح أحد الأيام أزال لافتة مكتوب عليها «مرحاض مجاني» ثبتها أحد الأشخاص على منزله. وتحدثت تقارير إعلامية محلية عن تلقيه تهديدات بالقتل.
ما يثير حيرة الكثيرين هو لماذا يتركز اهتمام المهاجرين على إنجلترا. يقول مهدي سيسو من «المبادرة الشعبية» إن السبب الرئيسي وراء رغبة الكثيرين في الهجرة إلى إنجلترا، هو وجود أقارب أو أصدقاء لهم هناك. كما أن هناك اعتقاداً قوياً رغم أنه غير حقيقي بسهولة الحصول على عمل في إنجلترا. ويضيف سيسو أن الطريقة الوحيدة لمواجهة هذا الأمر هي المعلومات. وفي الوقت نفسه، يوجد ثلاثة من كل عشرة مهاجرين في بلجيكا قدموا طلبات للحصول على حق اللجوء بدلاً من الاتجاه إلى كاليه في فرنسا أو تسيبروج، على أمل عبور القنال الإنجليزي والوصول إلى الأراضي البريطانية داخل شاحنة أو حاوية.
ويتوقع العمدة لانديت أن يصل إجمالي الذين تم القبض عليهم من المهاجرين غير الشرعيين في المدينة خلال العام الحالي إلى 12 ألف شخص مقابل نحو 8000 شخص في كل عام من العامين الماضيين. ويتم احتجاز الذين يتم القبض عليهم لمدة 48 ساعة، وإذا لم يقدموا طلباً للحصول على حق اللجوء، فالمفترض أن يغادروا البلاد، لكن القليل جداً منهم هو من يلتزم بهذه القاعدة، ولذلك يتم القبض عليهم مجدداً بعد إخلاء سبيلهم.
والآن تكثف مدينة بروج وكل بلجيكا ضغوطها للتعامل مع ملف اللاجئين والمهاجرين. وقد أصدر رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل إلى وزير الدولة لشؤون اللجوء والهجرة اليميني المتطرف ثيو فرانكين أمراً لتقديم مقترحات «فعالة» للتعامل مع هذا الملف. وفي منطقة تسيبروج، تقوم الشرطة بدوريات ليلاً ونهاراً لملاحقة المهاجرين غير الشرعيين على أمل أن يكون ذلك رادعاً لهم، على حد قول العمدة لانديت. والحقيقة أن الكثيرين من المهاجرين في العاصمة البلجيكية موجودون بشكل ظاهر، حيث يعتبرها الكثيرون نقطة عبور في طريقهم إلى إنجلترا. وفي منطقة أرك ماكسمليان يعيش اللاجئون في أوضاع مزرية. فحتى الآن لا يوجد لهم مخيم، والكثيرون منهم يعيشون في العراء ويفترشون الورق المقوى.
ورداً على سؤال عن وجهته النهائية، قال مهاجر شاب من تشاد إنها إنجلترا «الجميع يريدون الذهاب إلى إنجلترا» قالها ضاحكاً. وهناك لاجئ آخر عمره 28 سنة من السودان يحاول الوصول إلى إنجلترا منذ وصوله إلى أوروبا عام 2015 عبر ليبيا ثم إيطاليا. وقد أمضى 8 أشهر في ألمانيا ثم 18 شهراً في فرنسا، والآن يعيش في بروكسل منذ شهرين. وإنجلترا بالنسبة له هي الفرصة الأخيرة. والحقيقة أن الجزر البريطانية لم تعد الفردوس الذي ينتظره المهاجرون، فقد أصبح العثور على وظيفة فيها أمراً بالغ الصعوبة، وكذلك الحصول على الرعاية الصحية أو حتى على مسكن.
ورئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي هي المسؤولة عن هذا الوضع، عندما كانت وزيرة للداخلية في الفترة من 2010 إلى 2016 حيث فرضت «بيئة عدائية» للمهاجرين غير الشرعيين. وقد أصبح أصحاب العقارات والأطباء وأصحاب العمل يخضعون للتحقيق للتأكد من أن المستأجرين لديهم أو المرضى الذين يترددون على العيادات أو العمال يقيمون بشكل شرعي في بريطانيا.
ورغم كل ذلك ما زالت بريطانيا الوجهة الجذابة للكثيرين من المهاجرين بسبب اللغة الإنجليزية وانخفاض معدل البطالة.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.