معارك الربع الساعة الأخيرة في تونس

الصراع على السلطة مستفحل... والأزمة الليبية تلقي بظلالها على الوضع

معارك الربع الساعة الأخيرة في تونس
TT

معارك الربع الساعة الأخيرة في تونس

معارك الربع الساعة الأخيرة في تونس

بينما تبشر قيادات في قصري رئاسة الجمهورية والحكومة التونسيين، وكذلك في مقرات كبرى الأحزاب السياسية، بانفراج شامل للأزمة السياسية والاقتصادية الاجتماعية الأخطر في تاريخ تونس منذ عشرات السنين، برزت مؤشرات تصعيد جديد في الصراع على السلطة.
هذه المؤشرات برزت عشية المصادقة على ميزانية 2019، والإعلان عن تعديل الحكومة، تحضيراً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة الخريف المقبل، إذ انطلقت زعامات سياسية ونقابية في التحضير لبناء شراكات استراتيجية جديدة تمتد لسنوات، تشمل «خصوم الأمس» المحسوبين على مختلف قوى اليسار واليمين من جهة، وعلى التيارين العلماني والإسلامي من جهة ثانية. فهل تخرج تونس من عنق الزجاجة بسلام مجدداً؟ وهل ينتصر دعاة التوافق والشراكة... أم أنصار القطيعة والصدام... ما يدفع البلاد في صراعات ربع الساعة الأخير، من أجل التحكّم في مؤسسات الدولة والبلاد في السنوات المقبلة؟
رغم اضطراب الأوضاع في كل دول ما بات يُعرف بـ«الربيع العربي» وغموض مستقبلها، خاصة في ليبيا، الجارة الجنوبية الغنية لتونس، لا يزال الرهان كبيراً في تونس على إنجاح ما سُمي «الاستثناء الديمقراطي التونسي»، ومن ثم، على حسم الصراعات على السلطة سياسياً، حسب الأزهر العكرمي، المحامي والوزير السابق في حكومة الحبيب الصيد، الذي أصبح مناصراً لرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد ومشروعه السياسي.

التضخم... والمديونية
لكن التحدي الحقيقي، حسب تقديرات الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، هو في «مسألة إلى أي حد يمكن أن تصمد إرادة أنصار هذا الخيار في وقت استفحلت فيه الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعواصف السياسية، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في نسب التضخم والأسعار والمديونية وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، مع تراجع الثقة في العملة الوطنية وفي فوائد الاستثمار والادخار».
وحقاً، استفحلت صعوبات الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية بسبب تداعيات الأزمة الليبية، وتراجع مداخيل المبادلات معها، وتراكم ديون المؤسسات التونسية، بما فيها الفنادق السياحية والمصحات ومؤسسات التصدير، مع الجانب الليبي.
ولئن كانت القيمة الرسمية للمبادلات التونسية الليبية تحوم حول مليار دولار سنوياً، فإن قيمتها الحقيقية كانت تناهز الـ10 مليارات دولار قبل «الربيع العربي»، ثم قبل اندلاع حرب مطار طرابلس والبوابات الحدودية في صيف 2014.
كذلك، كانت السوق الليبية تساهم في توفير وظائف مباشرة وغير مباشرة لنحو مليون تونسي، كما بينت دراسات أعدها مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الجامعة التونسية، حسب مديره العام عالم الاجتماع، المنصف وناس.

مستقبل الإسلام السياسي
من جانب آخر، في ظل ازدياد الضغوط عربياً وإقليمياً ودولياً من أجل إبعاد ممثلي الجماعات الإسلامية المتشددة عن الحكم ومراكز النفوذ، فإن من بين التحديات الجديدة - القديمة التي تواجه صناع السياسة في الدول المغاربية، وخصوصاً في تونس وليبيا والجزائر، ملف ما يسمى مستقبل زعماء الإسلام السياسي.
وراهناً، ثمة علامات استفهام حول فرص حزب أنصار «حركة النهضة» التونسي، في الحفاظ على مواقعهم، وإقناع خصومهم في الداخل والخارج بقطيعتهم مع المرجعيات الفكرية والسياسية للجماعات الإخوانية والسلفية المتشددة... أم يحصل العكس، كما يتوقع الجامعي علية العلاني.
ثم هناك من يتساءل عما إذا كان إعلان الرئيس التونسي قائد السبسي وأنصاره القطيعة مع قيادة «النهضة»، ثم انتقادات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة الفرنكفونية بحضوره، مَن وصفهم بـ«الظلاميين»، مؤشراً لمنعرج أمني سياسي جديد في تونس، يكون قادة «النهضة» وحلفاؤهم أبرز ضحاياه؟
«كل السيناريوهات واردة» في نظر الهاشمي نويرة، رئيس تحرير جريدة «الصحافة» الموالية للرئيس التونسي، والمعارضة بقوة لما تصفه بـ«التغوّل السياسي» لـ«حركة النهضة» في عهد حكومة الشاهد.

خطوة إلى الأمام
هذا، ولقد كان من بين أبرز نتائج فتور علاقات رئيسي الجمهورية والحكومة من جهة، ورئاسة الجمهورية وقيادة «حركة النهضة» من جهة ثانية، خلط الأوراق وتشكيل تحالفات جديدة، وفتح باب المشاورات تحضيراً لما سماه محسن مرزوق، الوزير السابق وزعيم «حزب المشروع» اليساري الوسطي: «شراكة استراتيجية» مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، والأطراف السياسية المتحالفة معه حالياً في البرلمان. والقصد هنا الكتلة المعروف بـ«الائتلاف الوطني»، بزعامة النقابي مصطفى بن أحمد، والطبيب الصحبي بن فرج، والناشطة النسائية ليلى الشتالي... الذين كانوا جميعاً من أكبر معارضي حزب «حركة النهضة» عندما كان في الحكم عامي 2012 و2013.
تشكل هذه الكتلة نواة ائتلاف برلماني سياسي حزبي جديد، يضم عشرات المنشقين عن حزب الرئيس ونواب حزبي «مشروع تونس» وكتلة «حركة النهضة» بنوابها الـ68. ولا يستبعد المحلل السياسي والإعلامي منذر بالضيافي أن تتوسع هذه النواة إلى كيان سياسي أوسع. ومن جهته، ذهب محسن مرزوق، زعيم حزب «المشروع» وعبد الكريم الهاروني، رئيس مجلس شورى «النهضة» إلى حد الحديث عن كون الأمر يتعلق بآلية تهدف إلى تحقيق شراكة واسعة مفتوحة على «كل الأطراف السياسية الوطنية».

التمديد ليوسف الشاهد
مؤقتاً، تهدف هذه الشراكة إلى دعم التمديد ليوسف الشاهد على رأس الحكومة، رغم مطالبات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، وزعماء حزب «نداء تونس»، وأمين عام اتحاد نقابات العمال، نور الدين الطبوبي، وقيادات اتحاد النقابات، بإقالته وتغيير غالبية فريقه. وكذلك تهدف إلى تشكيل اتفاق سياسي واسع يمكن أن يؤدي إلى خوض الانتخابات المقبلة ضمن ائتلاف سياسي جديد، يتفق زعماؤه الآن على طريقة تقاسم المواقع المهمة في الدولة بعدها، مثلاً عبر إسناد رئاسة الجمهورية إلى يوسف الشاهد، ورئاسة البرلمان إلى زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي، أو أحد نوابه، ورئاسة الحكومة وبقية وزارات السيادة لزعماء الأحزاب المشاركة في الائتلاف، وبينهم محسن مرزوق.
لكن ماذا لو فاجأ الرئيس الباجي قائد السبسي الجميع بإعلان الترشح في انتخابات العام المقبل، أو اختار أن يدعم مرشحاً آخر، مثل وزير الخارجية والدفاع الأسبق وزعيم حزب المبادرة كمال مرجان؟
الخيار ممكن؛ وخصوصاً أن كمال مرجان أعلن رسمياً استعداده للترشح للرئاسة إذا تحقق قدر من التوافق السياسي الوطني حوله. ولقد سبق لمرجان أن ترشح للرئاسة في 2014، ولم يسعفه الحظ رغم حصوله على دعم سياسي إقليمي ودولي. ويومذاك، تفوق عليه بفارق كبير الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، الذي صوت لفائدته أنصار النظام السابق والليبراليون واليساريون المعارضون لـ«النهضة». وحصل على المرتبة الثانية الرئيس السابق الدكتور محمد المنصف المرزوقي، الذي صوتت له غالبية محافظات الجنوب والوسط والجهات المهمّشة، وأنصار التيارات الإسلامية والقومية.

شراكة بين «النهضة» ويسار الوسط
عبد الكريم الهاروني، وزير النقل، والقيادي الثاني في «حركة النهضة»، كشف أخيراً أنه عقد سلسلة من جلسات التشاور مع قيادة حزب «المشروع» اليساري، تمهيداً لتأسيس شراكة واسعة، من بين أسسها القطع مع المعارك الآيديولوجية القديمة بين اليساريين الاشتراكيين والشيوعيين والإسلاميين. وسار في الاتجاه ذاته القيادي اليساري محسن مرزوق الذي كان قياديون في «النهضة» يتهمونه بتزعم تيار العداء لهم؛ بل وبالدفاع عن خيار «استئصال» الإسلاميين من المشهد السياسي.
وأبرزت التصريحات الجديدة الصادرة عن مرزوق والمقربين منه داخل حزبه وخارجه نزوعاً واضحاً نحو البراغماتية، والحرص على تجاوز الصراعات الآيديولوجية والعقائدية بين الزعامات السياسية، خصوصاً بين المكوّنات الثلاثة للمشهد السياسي التونسي: اليسار الاجتماعي بفروعه النقابية والحزبية، والتيار الوطني الذي يتزعمه قادة الحزب الحاكم منذ 60 سنة، وتيار الهوية بمكوّناته العروبية والإسلامية.

اعتراضات وتخوّفات
لكن هذا التطور النوعي لم يخل من مفاجآت، وأفرز صراعات جديدة داخل أبرز الأقطاب السياسية.
- أولاً، داخل القطب الذي يرمز إليه حزب «نداء تونس» بزعامة حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية، ورضا بالحاج، الوزير السابق، وسليم الرياحي، رئيس حزب الوطني الحر سابقاً. وتكشف تصريحات هؤلاء الزعماء والقياديين عن أنهم ينظرون بعين الريبة إلى تحالف حزب «المشروع» اليساري الوسطي، مع «حركة النهضة» ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، وأنصاره داخل البرلمان وخارجه. ومن بين المفارقات أن بعض قادة هذا القطب السياسي الذي يعتبر من أكبر داعمي الرئيس قائد السبسي، لا يخفون رغبة في أن يقدم خصمهم الشاهد وأنصار حزب «المشروع» في تحالف استراتيجي مع «حركة النهضة»، لتسهل عملية محاربتهم إعلامياً، واتهامهم بخيانة ما يسمونه المشروع المجتمعي وقيم الحداثة والمعاصرة. وفي هذا الصدد بادر رضا بالحاج، المنسق العام لحزب «نداء تونس»، إلى انتقاد تحالف يوسف الشاهد ومحسن مرزوق ورفاقه، مع من يسمونهم المتشددين ونشطاء الإسلام السياسي.
- أما القطب الثاني المعارض لكل صيغ الشراكة مع «حركة النهضة» فيضم أحزاب المعارضة التي تقف على يسار الائتلاف الحاكم الحالي بقيادة «النداء» و«النهضة»، مثل «الجبهة الشعبية» بزعامة حمة الهمامي، التي تضم 15 حزباً من حركات ماركسية وقومية، وحزب الائتلاف الديمقراطي الفائز بالمرتبة الثالثة في الانتخابات البلدية في مايو (أيار) الماضي، بزعامة المحامي الحقوقي محمد عبو، والبرلماني غازي الشواشي، والبرلمانية المثيرة للجدل سامية عبو. وقد انطلق سياسيون من هذا القطب في انتقاد تقارب حزب «مشروع تونس» مع «حركة النهضة» من جهة، ومع حكومة الشاهد من جهة ثانية.
- إلى يمين هذه الأطراف، يوجد قطب ثالث أكثر حدّة في العداء لحزب «حركة النهضة» وشركائه الافتراضيين، وللمسار السياسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد وأنصاره من جهة، وللزعيم اليساري السابق محسن مرزوق ورفاقه من جهة ثانية. المحامية عبير موسى هي زعيمة هذا التيار الذي يعدّ امتداداً للحزب الحاكم في عهدي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. ولقد ذهبت موسى – صراحة – إلى حد المطالبة بحظر «حركة النهضة» ومحاكمة رئيس الحكومة وعدد من مساعديه. لكن المسكوت عنه هو أن هذا الحزب يحظى بدعم قطاع من رجال الأعمال والسياسة البارزين في البلاد، وبينهم مئات من رموز الدولة قبل ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، ممن لا يزالون محل ملاحقة قضائية ومنع من السفر.

التعديل الوزاري
ويزداد المشهد السياسي غموضاً بالنسبة لكثيرين بعد الإعلان رسمياً عن احتمال إقدام رئيس الحكومة يوسف الشاهد على إدخال تعديل كبير على حكومته، وعرض التشكيلة الجديدة على البرلمان، فيضرب بذا عدة عصافير بحجر واحد.
فإذا صادق نحو نصف أعضاء البرلمان عليها، وعلى قانون المالية لعام 2019، فسيكون الشاهد وحلفاؤه قد قطعوا الشوط الحاسم في اتجاه كسب معركة ربع الساعة الأخير مع القطب المعارض لهم، بزعامة رئيس الدولة الباجي قائد السبسي وحزب «النداء» وأنصاره. أيضاً، ستمنح هذه المصادقة يوسف الشاهد وشركاءه فرصة الفوز بالشرعية البرلمانية مجدداً، إلى جانب حصولهم على حرية أكبر في المناورة السياسية، والاختيار بين فرضية البقاء في الحكم حتى استكمال انتخابات العام المقبل، أو الانسحاب منه من موقع قوي، والإعلان عن تأسيس حزب جديد أو ائتلاف سياسي لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ربع الساعة الأخير
لا يستبعد المراقبون أن يتحرّر الشاهد وأنصاره، بعد كسب ورقة تزكية البرلمان لموازنة 2019 وللحكومة الجديدة، من الضغوط السياسية التي يمارسها عليه حالياً قادة حزب «نداء تونس» الذي سبق أن أوصلهم إلى الحكم.
كذلك يمكنهم أن يعلنوا فك الارتباط السياسي مع «حركة النهضة» ونوابها؛ بل يمكن أن يدفعوا باتجاه تهميش دور البرلمان في العام المقبل، وتحويله إلى مجرد غرفة مكلفة بالمصادقة على بعض مشروعات القوانين المستعجلة، على غرار ما حصل في السنة الانتخابية 2014 في عهد «حكومة التكنوقراط» برئاسة المهندس المهدي جمعة. وللعلم، سبق لقياديين من «النهضة»، مثل سيد الفرجاني، أن حذّروا في وسائل الإعلام وفي رسالة مفتوحة وجهوها إلى رئيس الحركة، من «سيناريو» تمرّد الشاهد سياسياً عليهم في مطلع العام الجديد، بعد أن يكون قد استغنى عن خدمات كتلتهم البرلمانية، في ربع الساعة الأخير.
لكن عوامل داخلية وخارجية كثيرة تؤثر بقوة في المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في تونس، ويمكن أن تدفع البلد في كل لحظة خطوات إلى الوراء.
«يتصدر الملف الليبي بمستجداته العسكرية والسياسية والأمنية هذه العوامل»؛ حسب الإعلامي والمحلل السياسي المختص في الشؤون الليبية، علي اللافي. في حين يعتقد رئيس مؤسسة «دراسات دولية» التونسية، السفير عز الدين قرقني، أن «تطورات الأوضاع في كل من ليبيا والجزائر سوف تكون لديها انعكاسات كبيرة جداً على تونس، التي يزورها سنويا 4 ملايين سائح جزائري وليبي، وتربطها حدود برية مشتركة، جبلية حيناً وصحراوية حيناً آخر، يصعب تأمينها، تفوق الألف كيلومتر».
بل لقد ذهب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ووزير الخارجية خميس الجهيناوي بعيداً، عندما صرّحا أخيراً على هامش «القمة الفرنكفونية» في أرمينيا، بأن «تونس وليبيا شعب واحد في دولتين»، ثم استطردا واعتبرا أن ليبيا ليس فيها دولة موحّدة ومخاطب واحد لجيرانها، وخاصة بالنسبة لتونس، التي تربطها بها 450 كيلومتراً من الحدود الصحراوية المشتركة.

مفاجآت أخرى مرتقبة في المشهد السياسي
- على الصعيد الداخلي، لا يستبعد المراقبون أن تشهد المرحلة القامة مفاجآت بالجملة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولئن تتمسك أبرز الأطراف حتى الآن بالتوافق والشراكة السياسية، فإن الطرف السياسي الأقوى في البلاد كان ولا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل.
لقد ألغى اتحاد الشغل قبل أيام إضراباً عاما كان سيشنه في المؤسسات العمومية المفلسة، التي طالب الصندوق الدولي بالتفويت فيها أو إصلاحها؛ لأنها تكلف الدولة سنوياً أكثر من عشر موازنتها. وحقاً، جنب قرار إلغاء الإضراب العام البلاد خسائر مالية وسياسية ومشكلات أمنية؛ لكن ثمنه كان موافقة رئاسة الحكومة على زيادات عامة في الأجور، ستكون قيمتها نحو 5 في المائة من الموازنة الإجمالية لعام 2019. ومن المقرر أن توافق الحكومة على زيادات مماثلة في قطاع الوظيفة العمومية؛ لكن انفجار سلسلة جديدة من الإضرابات وأعمال العنف وارد جداً في ظل تدهور القدرة الشرائية ونسب الفقر والبطالة، وفقدان الدينار التونسي نحو نصف قيمته منذ 2011.
وختاماً، يزيد الأمر تعقيداً تعقد الأجندات السياسية والانتخابية، وإصرار بعض القيادات النقابية والسياسية، مثل سمير الشفي، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، وقيادات نقابات التعليم، على تغيير رئيس الحكومة وبعض وزراء «النهضة» و«النداء» واليسار الاجتماعي، وهو ما يمكن أن يزيد من تعقيدات معارك الربع ساعة الأخير من أجل السلطة، في مناخ إقليمي ودولي غير عادي.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».