أميركا تدرس خيارات أمنية لمنع وصول قوافل المهاجرين إلى الحدود

TT

أميركا تدرس خيارات أمنية لمنع وصول قوافل المهاجرين إلى الحدود

مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية التشريعية الشهر المقبل، ازدادت وتيرة الخلافات الأميركية بشأن قوافل المهاجرين القادمين من دول أميركا اللاتينية باتجاه حدود الولايات المتحدة؛ مما جعل إدارة الرئيس دونالد ترمب تعمل على فرض قوانين تمنع وتحد من وصول تلك القوافل إلى الحدود، بما في ذلك نشر قوات عسكرية على طول الشريط الحدودي.
وانقسم الشارع الأميركي إلى شقين، أحدهما يؤيد دخول المهاجرين بطريقة غير شرعية وتقديم الإعانات والإغاثات الإنسانية لهم، في حين يعارض فريق آخر ذلك، ويدعو إلى عدم السماح لقوافل المهاجرين بدخول البلاد، ويشدد على ضمان أمن وسلامة الولايات الجنوبية التي تقع على الحدود مع دولة المكسيك والدول اللاتينية الأخرى.
وأوردت وسائل إعلام أميركية، أن إدارة الرئيس ترمب تدرس مقترحات بشأن هذه الأزمة، من بينها فرض قانون «حظر الدخول» الذي يمنع وصول هذه القوافل إلى الحدود الأميركية. ويشابه هذا القانون المقترح قانون «حظر السفر» ضد الدول الست الممنوعة من دخول مواطنيها إلى أميركا. كما يستعد البيت الأبيض لنشر ما يصل إلى 1000 جندي أميركي إضافي للمساعدة في العمليات الأمنية على الحدود الجنوبية؛ تحسباً لوصول قوافل المهاجرين.
وبموجب القانون الأميركي يحق للأجانب الهاربين من الاضطهاد تقديم طلبات اللجوء بمجرد وصولهم إلى الأراضي الأميركية، لكن الأمر التنفيذي قيد النظر سيعلّق العمل بهذا الحكم ويمنع المهاجرين من الدخول لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي، وفق ما قال أشخاص على دراية بهذا الاقتراح لصحيفة «واشنطن بوست».
ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي بعد أسبوعين، استغل السياسيون الأميركيون من كلا الفريقين، الجمهوري والديمقراطي، موضوع قوافل المهاجرين غير الشرعيين في الحملات الانتخابية، كما أن ترمب طلب من الشعب الأميركي وتجمعات الجمهوريين الانتخابية الوقوف ضد هذه القوافل، مؤكداً أن عائلات مهاجرين من أميركا الوسطى عبارة عن مجرمين خطيرين يسعى الديمقراطيون إلى توفير المساعدة لهم.
ووفقاً لمسودة القانون المقترحة التي استعرضتها صحيفة «واشنطن بوست»، فإن الإدارة الأميركية تجادل بأنه بإمكان الرئيس استخدام سلطته بموجب القسم 212 من قانون الهجرة والجنسية، لإعلان أن بعض المهاجرين غير مؤهلين للحصول على اللجوء؛ لأنه «سيكون مخالفاً للمصلحة الوطنية ويضر بمصالح الولايات المتحدة».
وقال مسؤول في البيت الأبيض، تحدث للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويته، إن الإدارة تدرس مجموعة واسعة من الخيارات القانونية والإدارية والتشريعية لمنع وصول القوافل المهاجرة إلى الحدود الأميركية، متوقعاً أن كل المقترحات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك قرار دعم القوات العسكرية من الحرس الوطني الإضافية بـ2000 عسكري على طول الشريط الحدودي، أو نحو ذلك.
في حين أكد مسؤول آخر لصحيفة «وول ستريت جورنال»، أن الإدارة تفكر في «مجموعة واسعة من الخيارات الإدارية والقانونية والتشريعية» للتصدي للهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى أن الإدارة لم تتوصل بعد إلى أي قرارات.
وما زالت قافلة المهاجرين على بعد أكثر من 900 ميل من أراضي الولايات المتحدة وتضاءل عدد من فيها إلى نحو 3000 شخص، وفق آخر التقديرات من السلطات المكسيكية. لكن مشاهد الشبان الذين خرقوا البوابات على طول الحدود بين غواتيمالا والمكسيك في وقت سابق من هذا الأسبوع أثارت قلق البيت الأبيض، ولا يزال ترمب يصور مجموعة المهاجرين في أميركا الوسطى على أنها خطر إجرامي وتهديد أمني.
وفي وقت لاحق، قال الرئيس ترمب على «تويتر»، «بالنسبة لأولئك القادمين في قوافل المهاجرين، نحن لا نسمح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. عد إلى بلدك وإذا كنت تريد القدوم، فتقدم بطلب للحصول على الجنسية مثلما يفعل ملايين آخرون».
وأصدر زعيما الأقلية الديمقراطية في مجلسي الشيوخ والنواب السيناتور تشاك شومر والنائبة نانسي بيلوسي، بياناً مشتركاً هذا الأسبوع اعتبرا فيه أن الرئيس ترمب «يائس» من تغيير موضوع الرعاية الصحية للهجرة؛ لأن الناخبين يعارضون سياسات الحزب الجمهوري بشأن الرعاية الصحية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟