فنانون يعرضون أعمالهم النحتية في الفضاء وعلماء يعارضون

معرض للفن أم مكبّ للخردة؟

فنانون يعرضون أعمالهم النحتية في الفضاء وعلماء يعارضون
TT

فنانون يعرضون أعمالهم النحتية في الفضاء وعلماء يعارضون

فنانون يعرضون أعمالهم النحتية في الفضاء وعلماء يعارضون

ليس من غير المألوف بالنسبة للفنانين الذين يريدون الخروج عن الاتجاه الغالب أن يعرضوا أعمالهم في مواقع مقفرة نائية، سواء كانت في الصحراء، أو تحت الماء، أو في مناطق يغطيها الجليد البلوري.
لكن البعض يخطو خطوة أبعد من ذلك - وأعلى - عن طريق إطلاق أعمالهم النحتية إلى الفضاء الخارجي.
وقال الفنان الأميركي تريفور باجلين، في شريط فيديو قبل إطلاق عمله النحتي إلى الفضاء في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) العام الحالي، «سوف أعطيكم سبباً لكي تنظروا إلى السماء وتفكروا فيما تنظرون إليه».
و«أوروبيتال ريفلكتور»، وهو عمل نحتي لباجلين على شكل ماسة، سوف تقوم شركة «سبيس إكس» بإطلاقه إلى مدار أرضي منخفض على متن صاروخ فالكون 9، أول قمر اصطناعي يتم إطلاقه كبادرة فنية بحتة.
وهذا العمل النحتي المصنوع من مادة البولي إيثيلين خفيفة الوزن ومغلفة بطبقة من ثاني أكسيد التيتانيوم العاكس للضوء، يجب أولاً وضعه داخل هيكل يشبه صندوقاً صغيراً معروفاً باسم «كويب سات»، وهو واحد من الكثير من الأقمار الاصطناعية الصغيرة من هذا القبيل في حمولة الصاروخ.
وأعدّ باجلين خطة بشأن فتح هيكل «كويب سات» وإطلاق العمل النحتي من الفضة البالغ طوله 30 متراً على ارتفاع نحو 580 كيلومتراً، قبل أن ينتفخ ذاتياً مثل البالون ويسقط من مداره ويحترق في الجو بعد شهرين تقريباً.
ومن المقرر أن يدور العمل الفني حول الأرض كل 90 دقيقة، عاكساً أشعة الشمس وسوف يكون مرئياً للعين المجردة؛ لأنه يتحرك ببطء عبر السماء ليلاً «ساطعاً كنجم في مجموعة نجمية تشكل جزءاً من كوكب الدب الأكبر».
ويوجد حالياً نحو 4600 قمر اصطناعي تدور حول الأرض، نحو 2000 منها في حالة تشغيلية، «بينما يدرك معظمنا أن الأقمار الاصطناعية اليومية تربط أنظمة الاتصالات والبنية التحتية الخاص بالأمور المالية والنقل والمهام العسكرية في جميع أنحاء العالم، من السهل أحياناً نسيان هذه الأنشطة غير المرئية تقريباً»، حسبما قال موقع متحف نيفادا للفنون في بيان للدعاية للحدث.
وتعاون المتحف مع باجلين في مشروعه، بالإضافة إلى منظم عملية الإطلاق شركة «سبيس فلايت اندسترز» وشركة الفضاء «جلوبال ويسترن».
وأضاف المتحف في البيان، «أوروبيتال ريفلكتور» يغير هذا من خلال تحويل الفضاء إلى مكان «يجعل المرئي غير مرئي».
وقال باجلين، المعروف بعمله المتمثل في تصوير مشاهد للبنية التحتية للمراقبة في الولايات المتحدة، بما في ذلك الأقمار الاصطناعية السرية وغيرها من الأغراض في الفضاء «الشيء الذي آمل أن يستخلصه الأشخاص من المشروع هو إحساس بأن الأشياء لا يجب أن تكون كما هي».
لكن الكثير من العلماء يدفعون بقولهم، إن «أوروبيتال ريفلكتور» نفسه لا يجب أن يكون كما كان، وفي الواقع، ما كان يجب أن يكون كذلك.
في الواقع، لم يكن «أوروبيتال ريفلكتور» هو مشروع الفن الفضائي الوحيد لعام 2018؛ ففي يناير (كانون الثاني) من هذا العام، وضعت شركة الفضاء الأميركية «روكيت لاب» «كرة ديسكو» عرضها متر أطلق عليها «نجمة الإنسانية» في مدار حول الأرض؛ مما دفع الفلكيين إلى الشكوى من أن الأجسام الساطعة قد تتداخل مع عمليات مراقبة الأجرام السماوية التي يقومون بها باستخدام المناظير (التلسكوبات).
وكما قال جوناثان ماكدويل، عالم الفيزياء الفلكية في مركز سميثسونيان للفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس الأميركية لموقع جيزمودا الإلكتروني للتكنولوجيا في وقت سابق هذا العام، إن إرسال أجسام متلألئة عديمة القيمة إلى المدار «يشبه قيام شخص ما بوضع لوحة إعلانات بمصابيح نيون خارج نافذة غرفة نومك مباشرة».
كان موقع «جيزمودو» متعاطفاً مع ماكدويل، قائلاً إنه كان هناك ما يكفي من الأشياء البالية (الخردة) التي تدور حول الأرض بالفعل، وأغلبها مخلفات من المركبات الفضائية التي توقفت عن العمل. وكتب «يا فنانون، توقفوا عن وضع نفايات لامعة في الفضاء».
وقال مارك ماكفرين، وهو عالم في وكالة الفضاء الأوروبية في تغريدة مؤخراً «هذا المشروع لا يجلب شيئاً ليس لدينا بالفعل». وأضاف: «لدينا بالفعل الكثير من الأضواء المتحركة في السماء لينشغل بها الناس، وجذبهم إلى عظمة الليل».
وانتقد كالب شارف، مدير مركز علم الأحياء الفلكية في كولومبيا في مدينة نيويورك، بشدة مشروع باجلين أيضاً. وقال لصحيفة «ذي أتلانتيك» الأميركية «أعتقد أن معظم الأشخاص سوف يبدون احتراماً أكثر قليلاً للعالم الطبيعي من إطلاق هيكل اصطناعي آخر».
وأضاف: «بالنسبة لأولئك الأشخاص منا الذين يقضون حياتهم يفكرون في الكون ويتواصلون معه، يبدو أن هذا يغفل النقطة المهمة بأن السماء الليلية غير المحجوبة هي وحش معرَض للخطر تتم رؤيته بشكل واضح وحقيقي».
ودفاعاً عن النفس، تساءل باجلين بصوت عالٍ عن السبب وراء أن «أوروبيتال ريفلكتور» يمثل على وجه التحديد مشكلة أكبر «من المئات من الأقمار الاصطناعية والصواريخ الأخرى التي يتم إطلاقها كل عام».
وتساءل في مقابلة مع موقع «سوق الفن» على الإنترنت (آرت نت)، «لماذا نشعر بالإهانة من وجود النحت في الفضاء، لكننا لا نشعر بالإهانة من صاروخ نووي يستهدف أجهزة أو أجهزة مراقبة أعداد كبيرة من الأشخاص، أو أقمار اصطناعية تعمل بمحركات نووية من المحتمل أن تسقط على الأرض وتنشر نفايات مشعة في كل مكان؟».
وأوضحت وكالة الأنباء الألمانية، أن منصة التمويل الجماعي الأميركية «كيك ستارتر»، التي جمعت أكثر من 76 ألف دولار من إجمالي تكلفة المشروع البالغة 3.‏1 مليون في عام 2017 «تم التخطيط للعمل النحتي كبادرة فضاء مؤقتة «حتى لا يترك أي أثر». وهناك عدد من الرعاة الأكثر ثراء كذلك.
وإذا كان الفن على الأرض لا يخدم أي غرض آخر غير وجوده، فلماذا يجب أن يكون لقمر اصطناعي وظيفة، بحسب باجلين، الذي تتضمن تطلعاته وأفكاره الملهمة رؤية الرسام الروسي الرائد كازمير ماليفيتش عن عالم تدور حوله أعمال فنية يطلق عليها «سبوتنيكيس» التي تعني حرفياً «مسافرون زملاء».
والجواب هو، لا. على الأقل يبدو أن هذا هو موقف لجنة الاتصالات الاتحادية الأميركية، التي تنظم جميع عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية التي تقوم بها الشركات الأميركية. ووافقت لجنة الاتصالات الاتحادية على إطلاق برنامج «نجمة الإنسانية» في شهر يناير 2018، أي قبل شهر من التوقيع على إطلاق السيارة «تيسلا رودستر» الحمراء وقائدها الدمية ستارمان، والمملوكة للرئيس التنفيذي لشركة «سبيس إكس»، إيلون موسك، بصاروخ فالكون هيفي إلى الفضاء.
وحتى على الرغم من أن المركبة «أوروبيتال ريفلكتور» مصممة لتمكث فترة قصيرة في الفضاء، فإنها لن تكون وحيدة هناك.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)