قمة الخرطوم بين البشير والسيسي تفتح صفحة جديدة وتمهد لعودة التكامل

12 وزيراً مصرياً وقعوا مع نظرائهم السودانيين 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم... وإنهاء الحظر التجاري على المنتجات المصرية

الرئيس السوداني عمر البشير مستقبلاً نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لدى وصوله إلى الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني عمر البشير مستقبلاً نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لدى وصوله إلى الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

قمة الخرطوم بين البشير والسيسي تفتح صفحة جديدة وتمهد لعودة التكامل

الرئيس السوداني عمر البشير مستقبلاً نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لدى وصوله إلى الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني عمر البشير مستقبلاً نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لدى وصوله إلى الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

بحثت القمة السودانية المصرية التي عقدت في الخرطوم، أمس، بين الرئيسين عمر البشير وضيفه المصري عبد الفتاح السيسي، آفاق التعاون بين البلدين، وكسرت الجمود في العلاقات الذي ساد الفترات الماضية، لتفتح صفحة جديدة من العلاقات، تمهد لعودة التكامل بين البلدين مرة أخرى.
وتُوجت القمة بتوقيع بيان ختامي و12 اتفاقية تعاون وتفاهم، بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات، شارك فيها 12 وزيراً مصرياً، بجانب الرئيس السيسي الذي وصل البلاد في زيارة استغرقت ساعات، وهو ما وصفه البشير بأنه انعقاد لمجلس الوزراء المصري في الخرطوم، بقوله: «أنا أعد هذا مجلس وزراء مصر في الخرطوم».
واعتبر البشير زيارة السيسي خطوة نحو تمتين «علاقات قديمة وأواصر متواصلة، وتعبير عن مشاعر أهل السودان ومصر وتطلعاتهم في التكامل والوحدة والوئام»، وتعهد بمتابعة تنفيذ الاتفاقيات التي وقعت والاتفاقيات السابقة بالاشتراك مع نظيره المصري بصورة لصيقة.
وأعلن البشير في مؤتمر صحافي مشترك مع ضيفه السيسي، إلغاء الحظر التجاري الذي فرضه على المنتجات المصرية منذ أكثر من عام، وإزالة العوائق أمام حركة السلع والمواطنين عبر حدود الدولتين. وأضاف أن القرار بأثر فوري. وتابع: «من جانبنا وقّعنا اتفاقية الحريات الأربع لتسهيل حركة المواطنين».
وأوضح الرئيس السوداني أن القاهرة والخرطوم تعملان على ربط البلدين عبر الوسائل المختلفة، وقال: «الآن الربط الكهربائي على وشك الاكتمال، ونعمل على ربط سكك حديد مصر بسكك حديد السودان، لتيسير حركة المواطنين والسلع في البلدين»، وأضاف: «مع بعضنا البعض يمكن أن نحقق كثيرا من المصالح لشعبي البلدين، وأن نلبي الرغبة العارمة لدى المسؤولين والمواطنين في ذلك».
بدوره، قال الرئيس السيسي إن الإرادة السياسية بين القيادتين، تعد قوة دفع كبيرة لتطوير علاقات البلدين، وإن الدورة الثانية من اجتماعات اللجنة الرئاسية العليا توّجت هذه الإرادة المشتركة، وأضاف: «الحقيقة الثابتة تظهر أن الأيام والسنين تُكسب علاقتنا، الأخوية والرسوخ والثبات والقدرة على التصدي لأي خلافات خارجية ومعالجة المشكلات المصطنعة»، وتابع: «إن ما تمتلكه الدولتان من موارد بشرية وثروات طبيعية، ندر أن تتوفر لأي دولتين جارتين في العالم».
وبحسب الرئيس المصري، فإن الأشهر الستة الماضية، شهدت انعقاد كثير من الاجتماعات واللجان المشتركة بين البلدين بمستويات مختلفة؛ «الاجتماع الرباعي، اجتماع لجنة التشاور السياسي، اجتماع الهيئة الفنية الدائمة لمياه النيل، ولجنة المنافذ البرية، واللجنة القنصلية» وغيرها، معتبرا تلك الاجتماعات فرصاً للعمل المشترك تصب في تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين عام 2016.
ووصف السيسي بدء ربط شبكتي الكهرباء في البلدين بأنه مشروع من شأنه «نقل علاقات التعاون بين البلدين إلى مرحلة جديدة، تتأسس على تنفيذ المشروعات الاستراتيجية، وتعزز من فرص التبادل التجاري والاستثماري».
وقطع الرئيس المصري بأن انعقاد اجتماعات اللجنة الرئاسية بالخرطوم، سيحدد مستقبل التكامل بين البلدين، وأن زمانه أتى في «توقيت تشهد فيه منطقتنا تطورات وعقودا من الصراعات والنزاعات التي أزهقت آلاف الأرواح وسببت دمارا بالغا بمقدرات شعوبنا».
وجدد السيسي تأكيد دعم بلاده الكامل وترحيبه بالجهود السودانية لتحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم، التي أسفرت عن توقيع اتفاقية سلام جنوب السودان، وتعهد بتواصل تلك الجهود لـ«تحقيق الأمن في منطقة البحر الأحمر بالتنسيق مع الدول العربية والإفريقية المتشاطئة»، وأشاد بما أسماه التطورات الإيجابية في منطقة القرن الأفريقي المتسارعة، التي اعتبرها مؤشرا لعهد جديد من الرخاء والسلام والتنمية. وبحسب الرئيس السيسي فإن اجتماعات اللجنة الرئاسية العليا القادمة ستعقد في العاصمة المصرية، في مواعيد لم يحددها الطرفان بعد.
وقال السيسي إن ما يجمع بين الشعبين المصري والسوداني من روابط ثقافية واجتماعية وطيدة ممتدة عبر التاريخ، يشكل قاعدة انطلاق جديدة نحو تنفيذ ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات، مشيرا إلى اعتزاز مصر بعلاقاتها الاستراتيجية والتاريخية بالسودان، والحرص على مواصلة تعزيز تلك العلاقات والارتقاء بمحاورها المختلفة، ولا سيما على الصعيد التنموي، مثمناً نجاح اجتماعات لجان وآليات التعاون بين الوزارات من الجانبين، والاجتماعات التحضيرية للجنة الرئاسية، في التوصل إلى قرارات واتفاقات تخدم مصالح الدولتين وشعب وادي النيل.
من جهته، ذكر المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، أن «اجتماعات اللجنة الرئاسية المصرية السودانية المشتركة شهدت استعراض أوجه التعاون الثنائي بين البلدين، وذلك في إطار تنفيذ وثيقة الشراكة الاستراتيجية التي تم التوقيع عليها بين البلدين في 2016، حيث رحب الجانبان في هذا الصدد بالخطوات التي تم اتخاذها لتفعيل المشروعات الاستراتيجية الكبرى التي تم الاتفاق عليها بين البلدين، بما فيها مشروعات الربط الكهربائي وخطوط السكك الحديدية، وهي المشروعات التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في العلاقات بين مصر والسودان، وتشجع على تنفيذ مزيد من المشروعات الإنتاجية والخدمية المشتركة بين البلدين الشقيقين.
كما تشاور الجانبان حول سبل تعزيز التبادل التجاري والمشروعات التنموية والاستثمارية المشتركة بين البلدين، تحقيقا للمنفعة المتبادلة بين الشعبين الشقيقين وتوفير مزيد من فرص العمل.
وشهد الرئيسان التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، تشمل بروتوكولا تنفيذيا لإنشاء مزرعة نموذجية مشتركة لإنتاج المحاصيل البستانية، ومذكرة تفاهم بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بمصر ووزارة الزراعة والغابات بالسودان في مجال مكافحة دودة الحشد الخريفية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال تبادل الخبرات بين حكومتي مصر والسودان، ومذكرة تفاهم بين معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية بمصر ومركز التدريب ودعم القرار الدبلوماسي بوزارة الخارجية بالسودان، والبرنامج التنفيذي للتعاون الفني بين وزارة القوى العاملة بمصر ووزارة العمل والإصلاح الإداري والتنمية البشرية بالسودان لعامي 2019 – 2020، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجالات الهجرة وإشراك المغتربين بالتنمية بين وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج في مصر وجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج بالسودان. وكذا برنامج تنفيذي في المجال الصحي بين حكومة مصر والسودان للأعوام من 2018 إلى 2020، والبرنامج التنفيذي للتعاون في مجال الشباب والرياضة بين البلدين، والبرنامج التنفيذي لاتفاقية التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي بين البلدين للأعوام من 2018 إلى 2021. وأيضا مذكرة تفاهم بين الهيئة المصرية لتنمية الصادرات ونقطة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة السودانية، وبرنامج تنفيذي للأعوام من 2018 إلى 2020 في مجال الإذاعة والتلفزيون بين الهيئة الوطنية للإعلام بمصر والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بالسودان.
وشهدت الخرطوم اعتبارا من الثلاثاء الماضي اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة المصرية السودانية التي أوصت بتوقيع 12 اتفاقية، فيما انعقدت أول من أمس اجتماعات اللجنة الوزارية برئاسة وزيري الخارجية الدرديري محمد أحمد وسامح شكري، وأجازت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها بحضور الرئيسين.
ولم يكشف الرئيسان للصحافيين ما إن كانت اجتماعاتهما قد ناقشت قضايا حساسة تهم البلدين، مثل قضية النزاع الحدودي على مثلث حلايب، أو قضية سد النهضة الإثيوبي، أو ممتلكات المعدنيين السودانيين التي تقول مصادر سودانية إن السلطات المصرية صادرتها منذ أكثر من عام، بيد أن وزير الخارجية كان قد أعلن أن كل قضية مطروحة بين البلدين قابلة لـ«الحوار والتفاهم»، وأن هناك ملفات إقليمية ودولية تم بحثها والتنسيق بشأنها، وأبرزها «الملف الليبي».
وشهدت العلاقات السودانية ذروة توترها بسحب الخرطوم سفيرها من القاهرة في يناير (كانون الثاني) الماضي دون إعلان أسباب، ولكن الخارجية المصرية أرجعت سبب سحب السفير من القاهرة إلى النزاع على «مثلث حلايب وشلاتين» الحدودي.
بيد أن علاقات البلدين عادت إلى طبيعتها بعودة السفير إلى القاهرة في مارس (آذار) الماضي، عقب اجتماعات اللجنة الرباعية المكونة من وزيري الخارجية ورئيسي المخابرات في البلدين بالقاهرة، وتتالت بعد ذلك الزيارات المتبادلة بين رئيسي البلدين، وكانت آخرها زيارة الرئيس السيسي المفاجئة للخرطوم في يوليو (تموز) الماضي.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.