موجة الطرود المشبوهة في الولايات المتحدة تشمل دينيرو وبايدن

الشرطة خارج مطعم يملكه الممثل روبرت دي نيرو في نيويورك (أ. ف. ب)
الشرطة خارج مطعم يملكه الممثل روبرت دي نيرو في نيويورك (أ. ف. ب)
TT

موجة الطرود المشبوهة في الولايات المتحدة تشمل دينيرو وبايدن

الشرطة خارج مطعم يملكه الممثل روبرت دي نيرو في نيويورك (أ. ف. ب)
الشرطة خارج مطعم يملكه الممثل روبرت دي نيرو في نيويورك (أ. ف. ب)

لم تنته "عاصفة الطرود المشبوهة" في الولايات المتحدة، وشملت اليوم (الخميس) نائب الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن والممثل الهوليودي روبرت دي نيرو، لينضما إلى الرئيس السابق باراك أوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وشبكة "سي ان ان" وسواهم.
وبدأت موجة إرسال الطرود المشبوهة الاثنين بالعثور على عبوة يدوية الصنع في صندوق بريد منزل الملياردير الديمقراطي جورج سوروس (88 عاما) المناهض للجماعات اليمينية في أوروبا والولايات المتحدة.
وكشف مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" أنّ سبعة طرود أرسلت في المجموع إلى منازل ومكاتب في نيويورك وواشنطن وفلوريدا، وبين المستهدفين شخصيتان ديمقراطيتان من السود هما ايريك هولدر وزير العدل في عهد أوباما والنائبة الكاليفورنية المخضرمة ماكسين ووترز.
واليوم، فحصت الشرطة الأميركية طردا مشبوها أرسل الى عنوان عائد لروبرت دي نيرو في ولاية نيويورك في "تريبيكا للإنتاج"، وهي شركة إنتاج أفلام وتلفزيون أسسها دي نيرو مع آخرين.
وقالت الشرطة إن الطرد أرسل للتحليل في مركزها في برونكس من دون أن تفصح عما إذا كان يحتوي على متفجرات. وكانت الـ "إف بي ىي" أعلنت أمس (الأربعاء) أن كل الطرود متشابهة وأرسلت من عنوان واحد من فلوريدا عائد إلى نائبة ديمقراطية عثر قربه على طرد مشبوه كذلك.
ودي نيرو البالغ من العمر 75 عاما معارض لاذع للرئيس دونالد ترمب. وفي 11 يونيو (حزيران) الفائت، وقف الحضور في حفلة توزيع جوائز توني المسرحية مصفقين للممثل حين وجه انتقادات لاذعة لترمب.
وقالت مصادر أمنية إن الطرد الذي أرسل إلى روبرت دي نيرو ربما بقي في غرفة البريد في المبنى المعني لمدة يوم أو أكثر قبل اكتشافه. وأضافت أن شخصا يعمل في "مركز تريبيكا السينمائي" كان خارج العمل عندما شاهد صورة على الإنترنت للطرد الذي أرسل إلى "سي إن إن" فتذكر رؤية رزمة مماثلة في غرفة البريد في مركز السينما في وقت سابق، وأبلغ الشرطة.
وضُبط الطرد المرسل إلى كلينتون المقيمة في ضاحية نيويورك والتي هزمت في الانتخابات الرئاسية أمام ترمب عام 2016 مساء الثلاثاء. أما الطرد الذي أرسل إلى باراك أوباما في واشنطن فضُبط صباح أمس.
بُعيد ذلك، أخلت "سي إن إن" مكاتبها في نيويورك بعد العثور على طرد مشبوه مرسل إلى جون برينان المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي آي ايه" والذي يدلي بتعليقات على "سي إن إن" ينتقد فيها ترمب الذي قرر معاقبته في أغسطس (آب) وسحب منه تصريحه الأمني.
وتأتي هذه التطورات قبل أقل من أسبوعين على انتخابات منتصف الولاية، وكان أول رد فعل لترمب الدعوة إلى الوحدة مؤكداً أن "الحكومة الفدرالية تجري تحقيقا متقدما وسنجد المسؤولين ونقدمهم إلى القضاء. آمل أن يتم ذلك بسرعة". وانتقد الإعلام متهما إياه بنشر أخبار كاذبة تشيع أجواء انقسام.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟