العراق: عبد المهدي يتسلّم منصبه بحكومة ناقصة

خلافات حول حقائب مهمة من بينها الداخلية والدفاع

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يلقي كلمة في البرلمان (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يلقي كلمة في البرلمان (رويترز)
TT

العراق: عبد المهدي يتسلّم منصبه بحكومة ناقصة

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يلقي كلمة في البرلمان (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي يلقي كلمة في البرلمان (رويترز)

أُجريت اليوم (الخميس) مراسم تسليم وتسلم بين رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ليباشر الأول مهماته للسنوات الأربع المقبلة. كما أجريت المراسم نفسها لأربع عشرة حقيبة وزارية.
وقال عبد المهدي خلال المراسم: "نتسلم اليوم مهماتنا الرسمية بعد نيل حكومتنا ثقة ممثلي الشعب. وقدمنا برنامجا وزاريا طموحا وتفصيليا بمدد واضحة ، وسنعمل على تنفيذه. وهدفنا الأسمى هو تحقيق تطلعات شعبنا الذي عانى طويلا وآن له أن يقطف ثمار صبره وتضحياته". وأضاف: "علينا جميعا التعاون والعمل يداً بيد من أجل حاضرنا ومستقبلنا لأن امامنا الكثير من التحديات والعمل الجاد في مجال تطوير الاقتصاد وتنشيط سوق العمل وتوفير الخدمات وكل متطلبات شعبنا".
من جانبه، قال العبادي: "في مثل هذه الايام من عام 2014 كنا قد تسلمنا مسؤولية رئاسة الحكومة في أيام فقدان الأمل وضياع المدن ونزوح ملايين المواطنين وسيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مساحات واسعة من العراق. وكانت بغداد تحت تهديد داعش وتحت القصف وكذلك بقية المحافظات والمدن المقدسة، وكان الخطاب الطائفي هو السائد والعراق على حافة التقسيم".
وأضاف العبادي: "نسأل الله أن نكون قد أدينا الأمانة بكل ما نستطيع رغم أن الظرف الاقتصادي كان صعبا في ظل انهيار أسعار النفط العالمية وفي ظل فساد عميق ووضع مالي خانق. مدن العراق اليوم آمنة، وملايين النازحين قد عادوا إلى مدنهم المحررة، وأصبحت لدينا قوات أمنية وجيش وطني".
وكان البرلمان قد منح الثقة لأربعة عشر وزيرا في الحكومة، فيما لا تزال هناك خلافات حول حقائب مهمة من بينها وزارتا الداخلية والدفاع.
وبعد خمسة أشهر على الانتخابات التشريعية التي انبثق منها برلمان مشتت، كان على عبد المهدي تأليف حكومة قبل بداية نوفمبر (تشرين الثاني). وفي نظام يهدف إلى تجنب أي عودة للحزب الواحد، ما زال التحدي الرئيسي لعبد المهدي البالغ من العمر 76 عاما والذي كان في الماضي وزيرا للنفط، توفير مكان في حكومته للقوى البرلمانية العديدة التي تطالب كلها تقريبا بمقاعد فيها.
وتمكن عبد المهدي الذي يعد من الشخصيات التوافقية النادرة في العراق من أداء القسم ليل الأربعاء - الخميس بعد موافقة 220 نائبا حضروا الجلسة المسائية على أسماء 14 وزيرا بينهم وزراء الخارجية والمالية والنفط.
ولم يقدم عبد المهدي سوى جزء من تشكيلة حكومته لأنه واجه معارضة عدد من أعضاء البرلمان لبعض مرشحيه، وخصوصا لحقيبتي الداخلية والدفاع الأساسيتين. بيد أنه تمكن من الحصول على الموافقة على برنامجه الحكومي في تصويت برفع الأيدي. ويفترض أن يجري التصويت على منح الثقة للحقائب الوزارية الأخرى في البرلمان الذي يضم 329 عضوا في السادس من نوفمبر.
وأمام الحكومة مهمات ضخمة لإعادة إعمار بلد دمرته معارك استمرت ثلاث سنوات، لطرد تنظيم "داعش" من مناطق في شمال البلاد وغربها. كما سيكون عليها معالجة آثار الاحتجاجات التي تصاعدت وشهدت أعمال عنف في بعض الأحيان، خصوصاً في البصرة حيث تعرض ما لا يقل عن مائة الف شخص لحالات تسمم بسبب المياه الملوّثة.
وسيكون على الحكومة مواصلة المفاوضات الجارية مع شركتي "جنرال إلكتريك" الاميركية و"سيمنز" الألمانية لتأهيل شبكة الكهرباء وإنهاء النقص الحاد في الطاقة.
واختار عبد المهدي لحقيبة الكهرباء لؤي الخطيب الباحث المعروف في مجال الطاقة، بينما سيتولى ثامر الغضبان وزارة النفط، المنصب الذي شغله رئيس الوزراء الحالي بين 2004 و2005. واختار لوزارة الخارجية محمد علي الحكيم السفير السابق للعراق في الأمم المتحدة والذي يعمل في وكالة الأمم المتحدة للتنمية.
وعهد بحقيبة المالية إلى فؤاد حسن الذي كان مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني لمنصب رئيس الجمهورية والمقرب من زعيم حزبه مسعود بارزاني مهندس الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان.
وتواجه الحكومة ايضا مهمة مواصلة الجهود لتأمين استقرار الاوضاع الأمنية في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من المتطرفين الذين لا يزالون يشنّون هجمات متكررة. وتمثل عودة الاستقرار امراً أساسياً لنحو 1.9 مليون عراقي ما زالوا يعيشون في مخيمات ولم يتمكنوا من العودة الى مناطقهم، إما خوفا من هجمات المسلحين وإما بسبب الدمار الذي اصاب منازلهم.



​شبح تداعيات اقتصادية يحدق باليمن بعد الضربات الإسرائيلية

صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)
صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)
TT

​شبح تداعيات اقتصادية يحدق باليمن بعد الضربات الإسرائيلية

صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)
صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)

بينما كان يتوقع المراقبون أن تستهدف أي غارات إسرائيلية مواقع عسكرية حوثية ردا على مهاجمة تل أبيب، إلا أن الهجوم استهدف منشأة اقتصادية تتمثل في خزانات الوقود في ميناء الحديدة (غرب اليمن) وهو ما تسبب في أزمة وقود حادة ظهرت ملامحها خلال الساعات الأولى، وسط خشية من تفاقم الأزمات المعيشية التي تعيشها البلاد.

وبرر الجيش الإسرائيلي، هجماته، السبت، على ميناء الحديدة، بأنه المنفذ الذي تستقبل الجماعة من خلاله الإمدادات والمعدات العسكرية لتنفيذ هجماتها، وذلك بعد الهجوم المميت بالطائرة المسيرة في قلب العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، وهو الهجوم الذي تبنته الجماعة الحوثية ولوحت إسرائيل بالرد عليه مباشرة.

عمال يفرغون حاوية من سفينة تجارية في ميناء الحديدة الذي يعد أحد أكبر موانئ اليمن وأكثرها حيوية (رويترز)

وألحقت الضربات الإسرائيلية خسائر وأضراراً كبيرة بالميناء وخزانات الوقود فيه، ما أدى إلى أزمة وقود حادة في كثير من المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، فبحسب مصادر مطلعة؛ استهدفت الغارات 20 خزاناً للوقود من أصل أكثر من 82 خزاناً في الميناء، إضافة إلى وجود منشآت للتخزين بميناء رأس عيسى شمال الحديدة ومنطقة كيلو 18.

ويتوقع الباحث الاقتصادي نجيب العدوفي أن تؤثر هذه الضربات على الحالة المعيشية داخل البلاد التي تستورد ما يقارب 90 في المائة من احتياجاتها من الوقود والأغذية والمواد الأساسية، ويعد ميناء الحديدة أحد أهم الموانئ التي تستقبل هذه المواد، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المخاطر على النقل البحري.

ويخشى العدوفي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من أن تتسبب هذه المخاطر في عزوف شركات النقل عن إرسال سفنها إلى اليمن، أو أن تعمل إسرائيل على توسيع عملياتها ضد الجماعة الحوثية إلى تنفيذ حصار بحري، ما سيؤدي إلى مزيد من الإضرار بالمدنيين حتى في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي ستتأثر موانئها من استمرار الهجمات أو حدوث الحصار.

كارثة مرهونة بالتصعيد

تزداد المخاوف من أن تكون الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة مقدمة لعمليات واسعة وحصار بحري، خصوصاً مع إعلان الجماعة الحوثية استعدادها للرد والدخول في مواجهة مفتوحة، وهو ما يهدد اليمنيين بمزيد من المعاناة المعيشية.

ويرى الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي أن تأثير الغارات الإسرائيلية سيكون محدوداً من الناحية الاقتصادية إذا توقفت عند هذا الحد، ولم تتطور إلى مزيد من العمليات العسكرية، واستهداف مزيد من المنشآت الاقتصادية.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي بدأ الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر بقرصنتها تحت مزاعم دعم قطاع غزة المحاصر (إ.ب.أ)

ويوضح المساجدي لـ«الشرق الأوسط» أن الغارات أخرجت ربع خزانات الوقود في الحديدة وموانئها، ومنشأتين لتفريغ الحاويات لم تدخلا الخدمة بعد، ما سيؤدي إلى تأخير تفريغ ناقلات النفط، وزيادة في تكاليف انتظارها على السعر النهائي للوقود.

لكنه يعود ويستدرك أن التأثيرات ستظهر في نقص الواردات إلى الميناء، وفي حال استمر التصعيد وتم استهداف منشآت جديدة للميناء وازدادت مخاطر الملاحة في موانئ الحديدة، ستتفاقم الكارثة الإنسانية مع صعوبة الاستيراد لتموين السوق المحلية بحاجتها من السلع الغذائية والوقود إضافة إلى ارتفاع أسعارها.

من جهته، يبدي الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب يوسف المقطري مخاوفه من عدم قدرة ميناء عدن على تغطية الحاجة إلى إمدادات سلاسل الغذاء نتيجة لما يمر به الميناء من حالة تدهور في خدماته، وتراجع كفاءة منشآته، وعدم التوافق على إدارته وإدارة موارده من قبل القوى التي تتشارك قوام الحكومة الشرعية.

ويبين المقطري لـ«الشرق الأوسط» أن التأثيرات المتوقعة للهجمات ما زالت قيد الاحتمالات بحسب حجم التصعيد والنيات الإسرائيلية ورد الفعل الحوثي، محذراً من كارثة إنسانية في حال استمرار التصعيد، واستهداف منشآت حيوية أخرى وإعلان حصار بحري.

سفينة راسية قبالة ميناء عدن الذي يخشى خبراء الاقتصاد عدم قدرته استيعاب الحاجة إلى الإمدادات في حال توقف ميناء الحديدة عن العمل (رويترز)

وينوه إلى أن تكلفة التأمين البحري والنقل سترتفع مجدداً بعد هذه الغارات، بعد أن كانت قد ارتفعت خلال الأشهر الماضية بسبب توترات البحر الأحمر، كما سترتفع تكلفة النقل البري بين المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية والواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية.

تحديث الموارد الحوثية

شهدت المدن الخاضعة للجماعة الحوثية مخاوف شديدة من حدوث أزمات في الوقود والمواد الأساسية، ورغم إعلان الجماعة عدم تأثير الضربات على مخزونها من الوقود، فإن المخاوف من حدوث أزمات حادة لم تتراجع.

وتراجع الزحام حول محطات الوقود إلى حد ما، في حين لجأت أعداد كبيرة من السكان إلى شراء المواد الغذائية بكميات تفوق احتياجاتها، وذكرت مصادر مطلعة في عدد من المدن أن عدداً من الموظفين والعمال اضطروا إلى الاستدانة بضمان رواتبهم لشراء المواد الضرورية.

الحرائق في ميناء الحديدة إثر غارات إسرائيلية استمرت طوال الليل (رويترز)

وينوه أكاديمي وباحث اقتصادي في جامعة صنعاء، إلى أن الضربات الإسرائيلية ستؤدي بالضرورة إلى تصعيد الجماعة الحوثية من ممارساتها للحصول على مزيد من الموارد، وستذهب إلى فرض مزيد من الجبايات والإتاوات تحت أسماء مختلفة.

ويشير الأكاديمي، الذي طلب من «الشرق الأوسط» حجب بياناته حفاظاً على سلامته نظراً لإقامته تحت سيطرة الجماعة الحوثية، إلى أن تحول نقل إمدادات الغذاء والمواد الأساسية إلى الموانئ الواقعة تحت إدارة الحكومة الشرعية سيدفع الجماعة الحوثية إلى محاولة تعطيل هذه الموانئ للمساومة على مواردها، وإجبار الحكومة على تسليمها إليها.

وبحسب الأكاديمي، ستلجأ الجماعة إلى الحصول على موارد من المنافذ البرية التي تسيطر عليها ما سيؤدي إلى رفع الأسعار بشكل كبير، متوقعاً أن تؤثر الجبايات المفروضة في تلك المنافذ على أسعار السلع بشكل أكبر من تأثير ارتفاع تكاليف النقل البحري.

ويرى المتابعون أن الغارات الإسرائيلية كانت أشد قسوة وتأثيراً على مقدرات الجماعة الحوثية من الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة تحت راية «تحالف الازدهار» الذي نشأ أواخر العام الماضي لمواجهة هجمات الجماعة على السفن الملاحية في البحر الأحمر.

وتعدّ الغارات الإسرائيلية حدثاً نوعياً في مسار الصراع في اليمن من جهة، والصراع في الشرق الأوسط من جهة أخرى، بعد أشهر من ادعاءات الجماعة الحوثية بمناصرة أهالي قطاع غزة المحاصر، وتصعيد المواجهة بين إسرائيل وأذرع إيران العسكرية في المنطقة خلال الأشهر الماضية، وهي المواجهة التي لم تخفف من معاناة أهالي القطاع.