الجزيرة العربية بعيون الرحالة

«الرحلة إلى مكة والمدينة المنورة» لأحمد أبو زيد

* صحافي وكاتب سوري
* صحافي وكاتب سوري
TT

الجزيرة العربية بعيون الرحالة

* صحافي وكاتب سوري
* صحافي وكاتب سوري

أصدرت المجلة العربية السعودية كتيباً مرفقاً مع عددها لشهر سبتمبر (أيلول) 2018، للكاتب أحمد أبو زيد، بعنوان: «الرحلة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة»، 109 صفحات، ويتناول فيه المؤلف سيرة الرحالة والمستشرقين والفنانين الذين جابوا المنطقة وصولاً إلى مكة المكرمة، بعضهم من أجل اكتشاف جغرافيتها، والآخر لأداء فريضة الحج. وتشكل تلك الرحلات وثيقة مهمة لما حفلت به من مشاهدات عن أحوال الناس وطقوسهم وعاداتهم. ومن المعروف أن منطقة شبه الجزيرة العربية من أكثر المناطق التي استقطبت هؤلاء الرحالة الأجانب. فمنذ مطلع القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، زارها الرحالة والمستشرقون أمثال: لودفيكو دي فارتيما، وجورج أغوست والن، وسانت جون فيلبي، وبركهارت، وأولريخ جلاسر سيتزن، وداوتي تشارلز، وآخرون. وقد حظيت مكة المكرمة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين (الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين) بزيارات لعدد كبير من الرحالة الشرقيين والغربيين. وثمة دوافع متعددة للرحلات أو كتابة أدبها، لكن يظل الحجّ من أعظم بواعث الرحلات، نظراً إلى أن الآلاف من الحجاج يتجهون من بلاد الشرق كل عام صوب الحرمين الشريفين، لتأدية الفريضة عبر الطرق البرية والبحرية.
ولكن ليس من المعروف على الدقة تاريخ بداية وصول الرحالة الغربيين إلى بلاد الحجاز، وهناك على كل حال احتمال أن بعض البحارة الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص البرتغاليين، قد وصلوا إلى ساحل البحار التي تحيط بالجزيرة العربية. وهناك إشارات مقتضبة في أدبيات الرحلات الغربية إلى الجزيرة العربية لأن القبطان والرحالة كابوت john Cabot، الذي يقال إنه زار مكة المكرمة بين سنتي 881 - 896هـ / 1476 - 1490م، وربما طاف سواحل البحر الأحمر الشرقية، يُنسب إليه اعتقاده أن جزيرة العرب غير معروفة، لذا أطلق عليها اسم (الأرض الجديدة Newfoundland)، وأعلن عن ضمها لممتلكات الملك هنري السابع. ويعود تاريخ الرحلات الأوروبية إلى جزيرة العرب إلى الأعوام 1476 و1490م، عندما زار الرحالة كابوت مكة، ثم جاءت رحلة الألماني ستيزن الذي ادعى الإسلام، وحج عام 1810م، ورسم أول مخطط للمدينة المنورة. وفي عام 1806م، جاء الرحالة الإسباني دومنغو بادليا الذي عرف باسم الحاج علي بك العباسي، وشاهد موكب الإمام سعود بن عبد العزيز في مكة. أما بركهارت السويسري، مؤلف كتابي «رحلة إلى بلاد العرب» و«ملاحظات عن البدو»، فقد زار الحجاز عام 1814.
إن أدب الرحلات الغربي، وآثار الرحالة، تعد امتداداً لحركة الاستشراق والمستشرقين. والاستشراق بحد ذاته هو من تراث الإمبراطوريات الغربية التي كانت - ولا تزال - تحرص على دوام اهتمامها بالجزيرة العربية.
ومن المعروف أنه منذ السنوات الأولى من القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) نشطت حركة الارتياد الأوروبي لشبه الجزيرة العربية، وأصبحت مركزة بالدرجة الأولى على وسط وغرب شبه الجزيرة، حيث أصحبت شبه الجزيرة منطقة تحظى باهتمام دولي، وعلى الأخص في ما يتعلق بالتنافس الاستعماري الذي كان قائماً بين بريطانيا وفرنسا. ومن المرجح أن يكون رينود Reinaud، مساعد الوكيل البريطاني في البصرة، أول من حقق السبق بالوصول إلى الجزيرة العربية، عندما أوفد من قبل حكومته إلى الدرعية عام 1214هـ / 1799م، حيث يلخص الدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، في بحثه عن «أهداف الرحالة الغربيين في الجزيرة العربية»، ثلاثة أهداف، هي: الأهداف الدينية، والاستعمارية، والعلمية.
ويسرد الشيباني أيضاً رحلة الأميرال ألفونسو دي ألبوكيرك، البرتغالي الذي أبحر إلى البحر الأحمر. وهناك أيضاً رحلة غريغور داكودرا البرتغالي عام 1516، وأرتشيبالد فوردر البريطاني الذي جاء إلى شبه الجزيرة العربية، ودعا الناس بكل صراحة إلى المسيحية، وحاول أن يبيعهم نسخاً من الإنجيل. وفي عام 1221هـ / 1807م، وصل إلى جدة بادياي إبليش Padiay Iblich مبعوثاً من قبل نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا، وكانت الرحلة الأولى مع «لود فيكودي فارتيما»، الإيطالي الأصل الذي تزامنت رحلته إلى مصر وسوريا وشبه الجزيرة العربية واليمن وبعض سواحل الخليج وفارس والهند وسواحل شرق أفريقيا مع رحلة فاسكوديغاما عام 1502. وفي عام 1503، توجه إلى مكة، وأنشأ صداقات مع المماليك في تلك المناطق، وتحدث عن الأمن فيها، ووصف الجمال وقوة تحملها. وعند وصوله إلى المدينة المنورة، وصف مسجدها والكعبة بطريقة تكشف عن جهله بالإسلام ومقدسات المسلمين، وتلك كانت سمة واضحة في أغلب أعمال هؤلاء الرحالة. وكان الرحالة المعروف ويلفريد ثيجر قد تجول في الربع الخالي 1945 – 1950، وهو معروف عند البدو باسم «مبارك بن لندن»، حيث صدر له في لندن عام 1959 كتاب قيم، تحت عنوان: «الرمال العربية».
ومن هنا، كثرت البعثات الأثرية إلى الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر. ومن الرحالة الوافدين في تلك الفترة ستيزن (1810م) الذي ذهب إلى جنوب الجزيرة العربية، والسويسري يوهان فيج بوركهارت (1814م) الذي زار الحجاز متخفياً، وأدولف فون فردي (1843م) الذي وصل إلى وادي دوغان، وبلغ أطراف الربع الخالي، وجورج والين (1845م) الذي زار نجداً، وريتشارد بيرتون (1854م)، بالإضافة إلى و. ج. بالجريف (1862 – 1863م) الذي قال إنه زار بريدة والرياض والخرج والأفلاج، وغير هؤلاء كثيرون.
وفي كرم أهل البادية، أعرب الرحالة داوتي عن دهشته من كون مضيفه يسأله أين قضى الليلة السابقة، وماذا أكل، عاقداً العزم على أن يقدم له، إذا كان ذلك ممكناً، طعاماً أفضل، فكتب: «باستثناء الجزيرة العربية، أين هو المكان الذي يستطيع فيه المرء أن يعيش لمدة 18 شهراً وهو لا يملك المال، دون أن يجوع حقيقة؟». وفي عام 1884م، وصل إلى جدة الهولندي كريستيان سنوك هرخونيه الذي تسمى باسم عبد الغفار، ومن ثم دخل إلى مكة المكرمة عام 1885م. وفي 1910م، أصبح الفرنسي جيل جرفيه كورتلمون أحد الأوروبيين القلائل الذين استطاعوا تحقيق رغباتهم في دخول حرمي مكة المكرمة والمدينة المنورة، في وقت كان يصعب على غير المسلم الدخول إليهما، فضلاً عن استخدام الكاميرا لالتقاط الصور الفوتوغرافية من مكة وجدة، التي تعد اليوم وثائق تاريخية لمرحلة زمنية مهمة. وفي عام 1933م، قدمت الليدي إيفلين زينب كوبلد إلى جدة لأداء فريضة الحج، وسجلت ملاحظاتها عن الإسلام وأهله وبلده، وعادات وتقاليد المسلمين، في كتابها «خطوة خطوة في حج إلى مكة».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.