جدل حاد في تونس إثر ملاحقة عدد من وزراء الداخلية السابقين

بعد إعادة فتح ملفاتهم القضائية ضمن مسار العدالة الانتقالية

TT

جدل حاد في تونس إثر ملاحقة عدد من وزراء الداخلية السابقين

يلاحق القضاء التونسي عدداً من وزراء الداخلية السابقين والحاليين بتهم متعددة، مثل رفيق الحاج قاسم وأحمد فريعة وزيري الداخلية في عهد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ومحمد ناجم الغرسلي المتهم في قضية التآمر على أمن الدولة، ضمن ملف رجل الأعمال شفيق الجراية، بالإضافة إلى وزراء سيقدمون شهادتهم أمام القضاء الفرنسي، مثل لطفي براهم وزير الداخلية السابق المتهم بالتدبير لانقلاب عسكري في تونس. وأعادت محاكمة رموز النظام السابق، وخاصة أحمد فريعة، آخر وزير للداخلية في نظام بن علي، طرح ملفات الوزراء السابقين، كما أثارت جدلا سياسيا واسعا في تونس، على اعتبار أن معظم هؤلاء المسؤولين كانوا عرضة لمحاكمات سابقة، وأعيد فتح ملفاتهم القضائية من جديد ضمن مسار العدالة الانتقالية، الذي أقرته هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية).
وأصدر كل من حزب «حركة مشروع تونس» و«آفاق تونس»، والكتلة البرلمانية لحزب النداء، بيانات حملت مسؤولية فشل مسار العدالة الانتقالية إلى رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، وانتقد رؤساء هذه الأحزاب ما اعتبروه إعادة لمحاكمة وزراء ومسؤولين سابقين في قضايا سبق أن بت فيها القضاء بصفة نهائية، وقالوا إن هذه المحاكمات الجديدة «تكرس مناخ شك في استقلالية السلطة القضائية، وخضوعها لضغوطات هيئة الحقيقة والكرامة».
وفي هذا الشأن أكد محمد بن سالم، نائب رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، في تصريح إعلامي، أن الهيئة «أحالت بعد ختم الأبحاث مجموعة من الملفات على الدوائر القضائية المتخصصة، وليس لها أي سلطة لتحديد موعد إثارة هذه الملفات أمام القضاء»، موضحا أن الهيئة تستمع في إطار دراستها لملفات انتهاكات حقوق الإنسان، إلى الضحايا، و«تطالب بإنصافهم وتستجوب المذنبين، قبل أن تحيل الملفات على الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، وهي ليس لها أي أجندة سياسية، أو رغبة في التشفي من الأشخاص»، على حد تعبيره. وأحدثت تونس 13 دائرة قضائية متخصصة في العدالة الانتقالية، وتلقت هيئة الحقيقة والكرامة أكثر من 62 ألف ملف لانتهاكات حقوق الإنسان، وعقدت نحو 50 ألف جلسة استماع للضحايا.
وكانت الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية في العاصمة، قد قررت منع سفر رفيق الحاج قاسم، وأحمد فريعة، وزيري الداخلية السابقين في عهد بن علي، بسبب ارتباطهما بأحداث 13 يناير (كانون الثاني) 2011، التي أدت إلى مقتل شاب تونسي وإصابة 3 آخرين بجراح. وقررت تأخير جلسة محاكمة المتهمين إلى 20 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ويشمل ملف هذه القضية كذلك عادل الطويري المدير العام السابق للأمن الوطني، ولطفي الزواوي المدير العام للأمن العمومي، وجلال بودريقة مدير وحدات التدخل، وعبد الباسط بن مبروك آمر الكتيبة 14 التابعة لوحدات التدخل. كما أصدرت المحكمة في هذه القضية حكماً باستدعاء الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وفي السياق ذاته، استدعى القضاء الفرنسي لطفي براهم، وزير الداخلية المقال من حكومة يوسف الشاهد، للإدلاء بشهادته في قضية الانقلاب العسكري المزعوم الذي تحدث عنه الصحافي الفرنسي نيكولا بو، إثر تقدم براهم بشكوى إلى القضاء الفرنسي ضد الصحافي المذكور، والمطالبة بتعويض مالي ومعنوي، وكذلك إلى القضاء التونسي.
على صعيد متصل، أصدر القضاء التونسي مذكرة استدعاء في حق ماجدولين الشارني، وزيرة الشباب والرياضة، إثر اتهامها من قبل محامية تونسية باختلاق وقائع غير صحيحة، وتخلف الوزيرة عن حضور جلستين قضائيتين.
وأكدت الشارني أنها ستمتثل إلى القرار القضائي، بعد البتّ في عدد من الإجراءات الشكلية التي رافقت ملف القضية، على حد تعبيرها. وكانت الوزيرة، وهي شقيقة سقراط الشارني ضابط الحرس الذي قتل في مواجهات إرهابية، قد اتهمت محامية عائلات شهداء الثورة وجرحاها بالحصول على قدر مالي يقدر بـ5 آلاف دينار تونسي (نحو 1800 دولار) للمرافعة عن كل ملف، وهو ما نفته المحامية وتوجهت ضدها إلى القضاء التونسي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.