متطرفون أجانب لدى أكراد سوريا بلا محاكمات... ودولهم تتجاهلهم

TT

متطرفون أجانب لدى أكراد سوريا بلا محاكمات... ودولهم تتجاهلهم

يقبع مئات المتطرفين الأجانب ممن التحقوا بصفوف تنظيم «داعش» في سجون «وحدات حماية الشعب» الكردية في شمال شرقي سوريا، حيث يُشكلون عبئاً كبيراً على الإدارة الذاتية التي ترفض محاكمتهم وتطالب الدول المعنية بتسلم مواطنيها؛ بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من القامشلي.
ويكرر عناصر التنظيم خلال مقابلات تجريها معهم وسائل إعلام، مناشدة دولهم بأن تطالب بهم، لكن الأمر يبدو بعيد المنال مع رغبة غالبية الحكومات المعنية بعدم عودتهم إليها.
تعتقل «الوحدات» الكردية في سجونها نحو 900 عنصر أجنبي من 44 دولة، وفق ما أفاد المتحدث باسمها نوري محمود، مؤكداً أنه حتى الآن «لا نزال نلقي القبض على إرهابيي» التنظيم مع استمرار المعارك ضده في آخر جيب يسيطر عليه في شرق سوريا.
ومن بين أشهر المعتقلين لدى الأكراد، ألكسندر آمون كوتي والشافعي الشيخ، الناجيان الوحيدان من وحدة ضمت 4 مقاتلين مارست التعذيب بحق صحافيين وآخرين إضافة إلى قطع الرؤوس. وأطلقت عليهم تسمية «البيتلز» لأنهم بريطانيون.
وبعد طرد التنظيم من الرقة، تم اعتقال كثير من الفرنسيين بينهم آدريان غيهال وإميلي كونيغ وتوماس بارنوان.
وتخصص «الوحدات» الكردية مخيمات خاصة لأكثر من 500 امرأة ونحو 1200 طفل من عائلاتهم، وفق مسؤولين محليين.
ولا يمتلك غالبية هؤلاء وثائق شخصية، بحسب ما يقول مسؤول هيئة الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر، مشيراً إلى وجود «نساء لديهن 4 أطفال، وكل طفل من أب، وكل أب من دولة».
وتسلمت 4 دول فقط بضعة أفراد من عائلات «الجهاديين». ويوضح عمر أنه تم تسليم نساء مع أطفالهن إلى روسيا وإندونيسيا والسودان، إضافة إلى تسليم سيدة مع أطفالها الأربعة و«جهادي» قاتل في صفوف التنظيم إلى الولايات المتحدة.
ومع تلكؤ الدول المعنية في تسلم رعاياها ومحاكمتهم، يبقى مصير مئات المعتقلين الأجانب مجهولاً مع رفض الإدارة الكردية محاكمتهم لديها لأسباب عدة.
ويوضح عمر لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن نحاكم الدواعش المرتزقة المحليين السوريين. أما بالنسبة للأجانب، فلن نحاكمهم»، مضيفاً: «أعدادهم كبيرة جداً، وهذا عبء ثقيل لا نستطيع أن نتحمله وحدنا». ويتساءل: «ليست لدينا قوانين إعدام، فإذا حكمناهم وانتهت مدة عقوبتهم؛ فإلى أين سيذهبون؟».
في العراق المجاور، لا تطرح محاكمة المتطرفين إشكالية؛ فمنذ مطلع العام الحالي، أصدرت محاكم عراقية أحكاماً بحق أكثر من 300 «جهادي»؛ بينهم مائة أجنبي، بالإعدام أو السجن المؤبد.
وتحاول الإدارة الذاتية الكردية «بشتى الطرق ممارسة الضغط على المجتمع الدولي أو الدول التي لها رعايا من الدواعش في مناطقنا لتقوم بواجبها الأخلاقي والإنساني والقانوني، وبتسلم رعاياها»، بحسب عمر. وحتى الآن، باءت كل محاولات الأكراد بالفشل مع تهرب غالبية الدول المعنية «من المسؤولية، ورميها كرة النار بين يدينا»، وفق عمر.
ووافقت روسيا وإندونيسيا والسودان على استعادة بعض مواطنيها، لا سيما نساء وأطفال.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جو دانفورد، الشهر الحالي، إن «إعادة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم لمحاكمتهم تأجلت لاعتبارات سياسية وعدم توافق النظم القانونية».
وعبرت باريس بدورها عن تأييدها محاكمة مواطنيها «الجهاديين» المعتقلين في كل من العراق وسوريا، مشيرة إلى أنها ستتدخل في حال إنزال عقوبة الإعدام بحقهم، رغم مطالبة عائلات الموقوفين والمحامين بمحاكمتهم في فرنسا.
ويبدو أن دولتين فقط من التحالف الدولي تحظيان بمعاملة خاصة من الأكراد، هما فرنسا والولايات المتحدة.
وقال قيادي عسكري كردي فضّل عدم الكشف عن اسمه: «نتواصل ونعقد لقاءات مع الحكومة الفرنسية (...) لكن لا نريد الضغط عليها لتسلم الدواعش الفرنسيين، لا نريد إحراج الحكومة الفرنسية».
وينطبق الأمر ذاته على الأميركيين، وفق القيادي الذي تحدث عن قرار حول «عدم إخراج الدواعش الفرنسيين والأميركيين أمام الإعلام لعدم الضغط (على حكومتي البلدين)». ويضيف: «لدينا تفاهمات بهذا الخصوص» لم يحدد مضمونها.
ويتيح الأكراد لوسائل الإعلام بين الحين والآخر إجراء مقابلات مع «جهاديين» أجانب يختارونهم بأنفسهم.
ورفضت بريطانيا تسلم اثنين من مواطنيها من مجموعة «بيتلز». ورجح وزير الأمن بن والاس في يوليو (تموز) الماضي عدم محاكمتهما في بريطانيا بعد تجريدهما من جنسيتهما، في إجراء غير معتاد. ورجح أن يحاكما في الولايات المتحدة.
تتذرع بعض الدول، وفق عبد الكريم عمر، بعدم وجود علاقات دبلوماسية مع الإدارة الذاتية، مما يدفعها إلى عدم التنسيق معها. لكن ذلك لا يقنع الأكراد باعتبار أنّ «غالبية الدول موجودة على الأرض من خلال شراكتنا مع التحالف الدولي». ويتابع عمر: «لديها ممثلون على الأرض... واستخبارات أيضاً».
وتتواصل الإدارة الذاتية مع حكومات الدنمارك وهولندا وكندا بهذا الخصوص.
وبحسب عمر، جرت لقاءات عدة مع ممثلين عن كندا في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراقي، تم على أثرها «تجهيز وثائق حاملي الجنسية الكندية (...) ثم توقفت الحكومة الكندية (عن المتابعة) ولا نعرف السبب».
ورداً على سؤال، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الكندية ستيفانو مارون إن حكومة بلاده تتابع الملف قدر المستطاع، موضحاً أن «دبلوماسيين كنديين فتحوا قنوات تواصل مع السلطات الكردية المحلية لتحديد مكان وجود المواطنين الكنديين». وأكد أن «أي معلومات عن تفاهم في ما يتعلق بإعادة المواطنين الكنديين من سوريا لا أساس لها من الصحة».
ولا تبدو الخيارات المتاحة أمام الأكراد كثيرة، لكن عمر يشير إلى أن أحدها الدعوة إلى «إنشاء محكمة دولية لمحاكمة هؤلاء المجرمين»، على أن «يقضوا فترة حكمهم في دولهم وليس في مناطقنا».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.