الحساسيات الغذائية هي لغز لا يزال العلم في بدايات محاولاته لحلّه. وهناك اليوم ثماني فئات غذائية اليوم تضمّ الأسماك، المحار، البيض، حليب، والفستق في عداد مسببات أساسية للحساسية.
ويقرّ الأطباء أيضاً بوجود ردود أفعال طفيفة أخرى كالحكّة في الفم وتورّم الشفاه تسببها مجموعة أخرى من الأطعمة غير الضارّة كالكيوي، والبندق، الجزر، الموز، والشمام، في حين صرّح بعض الأشخاص بالمعاناة من ردود أفعال تجاه أغذية لم تكن يوماً على لائحة مسببات الحساسية كاللحوم أو بذور الخردل.
عصر الحساسية
ولكنّ كيف نفرق بين ردود الأفعال الغذائية التي يمكن القول فعلا انها حساسية فعلية، والأخرى التي ليست أكثر من مجرّد ردود افعال مفرطة؟ وتختفي بعض أنواع الحساسية الغذائية مع الوقت، في حين تلازمنا أخرى، وخاصة الحساسية تجاه الفول السوداني، حتى آخر يوم من حياتنا.
لزمن طويل، وخاصة في الفترة الأولى من حياته المهنية في الثمانينيات،عدّ هاغ سامبسون نفسه أحد المشككين بموضوع الحساسية الناتجة عن الطعام.
ويعتبر سامبسون، المتخصص في الحساسيات الغذائية لدى الأطفال وأمراض المناعة في معهد «جيف فود أليرجي» في نيويورك، واحداً من أبرز الباحثين في مجاله. ويقول: «كثيرون ومن بينهم أنا، لم يصدّقوا وجود ما يسمّى بالحساسيات الغذائية»، ويعود هذا التشكيك إلى عدم شيوع هذه الحساسيات في الماضي. ويضيف سامبسون: «يمكن للجميع أن يجروا فحوصات جلدية وإبلاغ الناس بـ› أنّهم يعانون من حساسية تجاه هذا النوع من الأطعمة› ولكنّ من الصعب جداً العثور على أشخاص يعانون من ردود أفعال حقيقية».
يشرح سامبسون أنّهم في ذلك الوقت لم يصادفوا الكثير من حالات التحسس الغذائي تجاه الفول السوداني . ويؤكّد قائلاً: «أنا أعرف هذا الأمر لأنني أجريت فحوصات للكثيرين لتشخيصها ولكنّها لم تكن موجودة».
بعدها، في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات، بدأت عيادات الأطباء تعجّ بالأهل وأولادهم، على حدّ تعبير سامبسون وغيره في هذا المجال. فقد كانت أطعمة كالجوز والحبوب والحليب والبيض وغيرها تتسبّب بـ»ردود أفعال حساسية حقيقية» لم يراها الأطباء قبلاً. كما برزت حالات كثيرة يعاني الأطفال فيها من «صدمة الحساسية»، التي تسبب انتشار الطفوح الجلدية، وانسداد الحلق، وانخفاض ضغط الدم، وتدخل الجسد في حال الصدمة.
تصيب الحساسيت الغذائية 4 في المائة من الأميركيين، بحسب نتائج نشرتها العام الماضي دورية «أليرجي أند كلينيكال إيميونولوجي» . ينتمي معظم الذين يعانون من الحساسية إلى فئة ما دون الـ25 عاماً، والكثيرون منهم صغيرون جداً في السن. وتشير التقديرات إلى أنّ كلّ صفّ دراسي في الولايات المتحدة يضمّ اليوم تلميذين يعانيان من الحساسية الغذائية.
إذ يبدو وكأنّ الحساسة الغذائية الشديدة أتت من الفضاء، وأن صغار السن ينالون الحصّة الأكبر منها، الأمر الذي قد يشرح سبب ردود الأفعال السريعة والشديدة.
وقد ناقش مقال نشرته دورية «ساينتيفيك أمريكان» عام 2015 التكاليف العاطفية والمادية المترتبة عن نسبة التشخيصات الخاطئة المرتفعة في مجال الحساسية الغذائية. (وتبيّن أنّ الفحوصات الجلدية التي تعطي نتائج إيجابية حتى عندما تكون الحساسية التي يعاني منها النريض غير ناتجة عن الطعام موضوع الاختبار، هي غالباً المذنب الأكبر). وتشير مراكز السيطرة على الأمراض واتقائها إلى أنّ الأسباب الأساسية لوفاة الأطفال ما دون الـ15 عاماً تتضمّن الحوادث، جرائم لقتل، وأذى النفس، وأنّ الحساسيات الغذائية ليست أبداً من بينها.
عدم التقبل
تعتمد تانيا إليوت، عالمة متخصصة بالحساسية وعلم المناعة، في مركز لانجون الطبي في نيويورك، في عملها مع الحساسيات الطبية على الاعتبارات العملية أكثر منها على الحقائق المثبتة. وتقول إليوت، إنّه وإلى جانب زيادة حالات التحسس الغذائي الشديد، شهد الأطباء إقبالاً كبيراً من أشخاص يأتون إلى عياداتهم ويشتكون من التعب الشديد وآلام الرأس والانتفاخ أو المشاكل المعوية، ويصرّون على إجراء الفحوصات الخاصة بحساسيات الغذائية.
في هذه الحالات، تنصح إليوت مرضاها بترك إجراء هذه الفحوصات إلى الأوقات التي يعانون منها من ردود أفعال حساسية حقيقية، مؤكّدة أنّ التعب ليس من العوارض المحسوبة، ولافتةً إلى أنّ ما يعاني منه هؤلاء يكون غالباً عدم القدرة على تحمّل بعض الأطعمة. وتقول الطبيبة المتخصصة بالحساسية: «لا يمكننا إنكار أن الحساسية تجاه الأطعمة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنوات العشرين الماضية، ولكنني أظنّ أنّ هذا الارتفاع أو التعامل معه يُقابل بمغالاة كبيرة».
* خدمة «بلومبرغ».