في أول رحلة خارج بلدها مصر، حطت الرسامة راندا إسماعيل بلوحاتها في معرض جماعي استضافته قاعة «آرت هيل غاليري» بالعاصمة البريطانية لندن، وشارك فيه فنانون من الشرق الأوسط واليونان والهند.
لطالما عشقت راندا الرسم وكان أفضل هواياتها، لكنها أرادت أن تتقنه فبدأت بدراسته على يد أساتذة من كبار الفنانين المصريين في هذا المجال لتتعلم أصوله.
«أتمنى أن يرى الناس مفردات وروح مصر الشعبية في لوحاتي»، تقول راندا في حديث لـ«الشرق الأوسط».
لوحتان من مجموعة معرضها «بر أمان» معلقتان إلى جانب لوحات لفنانين آخرين. مسيرة حياتها الفنية بدأت عندما قررت في عام 2004 دخول عالم الرسم، وهي خريجة جامعة عين شمس بالقاهرة في الهندسة المعمارية.
هدفها كان تقديم عمل ذي معنى وقيمة وتيمة واحدة. فانطلقت بمعرضها الأول عن الريف في عام 2011. ومن ثم نظمت معرضها الثاني في عام 2012، الذي ركزت فيه حينها، على العشوائيات في مصر، وقد لاقى صدى كبيراً، خصوصاً أنها، حسب ما تقول، جالت في شوارع القاهرة البسيطة والعشوائية حيث تسكن أعداد كبيرة من المصريين خلف مدابغها، ومن رحم هذا الشارع الحزين ولدت لوحاتها، بعد أن أمضت راندا وقتاً طويلاً مع الناس البسطاء تصور واقعهم ومعاناتهم لتجسده لوحات تعرض قصص «الناس الغلابة في الشوارع المصرية»، حسب تعبيرها.
هذا الفقر المدقع الذي يقبع خلف عمارات ضخمة. وجهان لحياتين في بقعة أرض واحدة، بين الفقر والثراء، كان المعنى من وراء معرضها، وقد استطاعت خلال عام واحد، التقدم أشواطاً في معرضها الثاني، الذي جاء محاكياً لقلب الشارع المصري بكل تناقضاته.
معرضها الثالث كان في عام 2015، خلال هذه الفترة الزمنية، «عملت على نفسي وحاولت جاهدة تطوير موهبتي، لذا جلت في صعيد مصر حيث أمضيت وقتاً في النوبة وأسوان لأتعرف أكثر على نمط حياة الناس في هاتين المنطقتين وخرجت بعدها بلوحات تجسد طيبتهم والرضا الذي يتميزون به. فكان للوحات النوبة ثلاثة معارض». تقول راندا في حديثها، موضحة: «للنوبة في روحي وقع خاص، بداية ركزت على البيوت والشوارع، وعلى المناظر الطبيعية للبلدة. لتحتل المرأة النوبية بعد ذلك، بكل ما تختزن من صور وعادات وتكوينات وطباع، تيمة معرضي الثاني».
في معرضها «بر أمان» جسدت راندا الأمان حسب رؤيتها ومفهومها، بطريقتين. فكل ما كان يشغل تفكيرها وإحساسها أهل النوبة بعد تهجيرهم من بيوتهم. فلا مكان يلجأون إليه. وفي داخلهم خوف من المجهول. وتتابع: «إنها قصة أشخاص بسطاء متعلقين بكل ما يربطهم بهذه الأرض من حجر وذكريات زالت إلا من ذاكرتهم».
نساء بلا ملامح وتفاصيل وجوه، كيف تجسد راندا بر الأمان؟ تجيب: «ليس على المتفرج أن يرى وجه امرأة جميلة أمْ قبيحة، ليُعجب بلوحة ما، أو يدرك معناها، بل هناك تكوين خاص في اللوحة وألوان تتحدث مع المتلقي فتجذب نظره وروحة ويدخل إلى قلبها». وتستطرد بالحديث عن إحدى لوحاتها: «هناك مركب يغرق، لكن في الضفة المقابلة ينتظر بر أمان ومراكب أخرى وشمساً مشرقة، هناك أمل في كل لحظة ومع بزوغ كل يوم جديد. الأمان ينبض في حضن امرأة تحتضن ابنها أو ابنتها. فالمعنى لا يحتاج لتفاصيل وجوه ولا ابتسامات أو دموع، إن معناه يصل في لوحاتي من خلال حضن أم أو بيت فلكل مفهومه بحسب حاجته وما يفتقده في حياته. كما أن الورود تتكلم عن الأمان والأمل».
وعن اختيارها للألوان الترابية الهادئة، تجيب: «إنها الألوان الطبيعية للنوبة. أريد أن أشعر بالراحة لدى النظر إلى أي لوحة. في بر أمان ليست جميع الألوان هادئة، فهناك الأحمر والأصفر والأزرق، وعلى الرغم من جرأتها وبريقها فإنها تنسجم وتتناغم مع الألوان الترابية وحتى الفرح الظاهر فيها هادئ ومريح».
أفضل وقت في حياة راندا هو لحظة تمسك ريشتها لترسم. تقول: «عندما التقط ريشتي لأبدأ لوحة ما وتكون نفسيتي مرتاحة عندها تخرج مني طاقة إيجابية تنعكس في الألوان التي أستخدمها. فأنا في الحقيقة لا أُخطط لاختيار الألوان عند رسم أي لوحة». نظمت راندا خمسة معارض منفردة. وترى أن اختيار تيمة واحدة للوحات معرضها أمر مهم جداً للمتلقي كي لا يتوه بين مواضيع مختلفة. وهي سعيدة لأن من ينظر إلى لوحاتها في أي مكان، يعلم أنها من عمل راندا إسماعيل، وفي ذلك تقول: «لدي خط وروح خاصة ليس في الموضوع الذي أختاره بل بلمسة الفرشاة، وإن تعددت المواضيع التي أرسمها. وهذا بحد ذاته نجاح لي».
وعن مشاريعها المستقبلية تقول: إن «انطلاقتي الأولى كانت هنا في لندن، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) سأشارك في معرض بروما وفي ديسمبر (كانون الأول) ستُعرض لوحاتي في هلسنكي.
لوحات تحاكي قصص {الناس الغلابة} في شوارع مصر وبلداتها
راندا إسماعيل: أتمنى أن يرى الناس مفردات بلدي وروحها
لوحات تحاكي قصص {الناس الغلابة} في شوارع مصر وبلداتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة