مقدمو الخدمات البديلة ينقلبون على الدولة بعد تنامي سلطتهم

القوى السياسية أمنت لهم الغطاء فتعاظمت قوتهم وقدراتهم

المولدات الخاصة التي يلجأ إليها المستهلكون في لبنان («الشرق الأوسط»)
المولدات الخاصة التي يلجأ إليها المستهلكون في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

مقدمو الخدمات البديلة ينقلبون على الدولة بعد تنامي سلطتهم

المولدات الخاصة التي يلجأ إليها المستهلكون في لبنان («الشرق الأوسط»)
المولدات الخاصة التي يلجأ إليها المستهلكون في لبنان («الشرق الأوسط»)

كشفت مشكلة مولدات الكهرباء التي اندلعت أخيراً على خلفية قرار وزارة الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري، إلزام أصحابها بتركيب عدادات تُحدد على أساسها المبالغ التي يتم تقاضيها من المواطنين، ورفض الكثير منهم الانصياع لهذا القرار، حجم الأزمة التي ترزح تحتها البلاد. إذ تبين أن أذرع الدولة أو القوى التي استعانت بها خلال فترة من الفترات لتغطية تقصير ما، انقلبت عليها بعدما تعاظمت قوتها وقدراتها نتيجة الغطاء السياسي الذي لطالما أمنته لها الأحزاب والمسؤولون كافة. فلم تعد الوزارات والأجهزة قادرة على استيعابها أو التصدي لها، وباتت مضطرة للوقوف عند رغبتها في حال رفض القيمون عليها الانصياع لقرار ما، وهو ما حصل فعليا في قضية عدادات مولدات الكهرباء، بعد إصدار وزارة الاقتصاد قرارا جديدا يتيح لأصحاب هذه المولدات تقاضي مبلغ مسبق من المواطنين، بحجة أنه «مبلغ تأمين» في حال لم يدفع المشترك ما يترتب عليه نهاية الشهر.
وشاع أخيرا استخدام مصطلح «مافيا» في وصف أكثر من ذراع من أذرع الدولة التي تقود ما يشبه الانقلاب. وأعلن تجمع مالكي المولدات الكهربائية أنه سيرفع دعوى جزائية في حق وزير الاقتصاد رائد خوري بسبب وصفه لهم بـ«المافيا». إلا أنه وبحسب الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، فإن هذا التوصيف يصح على أكثر من ذراع حلت مكان مؤسسات الدولة، لافتا إلى أنه «إلى جانب أصحاب المولدات هناك موزعو المياه والإنترنت والساتلايت، وسائقو الشاحنات والمياومون وغيرهم كثيرون تحولوا إلى قوى يصعب السيطرة عليها أو التصدي لها، باعتبار أن من في مراكز القرار سمحوا بتعاظم قوتها لأنهم عمليا يستفيدون من وجودها». وأكد شمس الدين أن كل صاحب مولد كهربائي من أصل الـ3000 مولد المنتشرين في المناطق إلى جانب المولدات الخاصة بالأبنية، مرتبط بشكل أو بآخر بشخص ما في السلطة سواء في البلدية أو في حزب ما أو في إحدى الإدارات أو الوزارات، مشيرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «ممنوع في لبنان تأمين الكهرباء 24 ساعة يوميا حفاظا على مافيا المولدات، كذلك ممنوع السير بخطة نقل تعتمد مثلا على قطار يصل الشمال اللبناني بالجنوب حرصا على مافيا الفانات (الشاحنات)». وأضاف: «نحن نبحث عن المليارات في الخارج سواء عبر مؤتمر (سيدر) أو غيره، والمليارات متوفرة في الداخل اللبناني في حال أردنا حقيقة وضع حد لكل هذه الأذرع».
من جهتها، ترفض الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس في الجامعة اللبنانية في بيروت، الحديث عن انقضاض هذه القوى على الدولة، معتبرة أن من في السلطة يستخدمها بإطار سياسة «الزبائنية» التي تسير النظام اللبناني. وقالت فياض لـ«الشرق الأوسط»: «المسؤولون يسعون لإرضاء الناس وإسكاتهم عبر هؤلاء الوكلاء أو الوسطاء بينهم وبين المواطنين المغلوب على أمرهم والراضخين للأمر الواقع». وسألت فياض: «هل هناك أي دولة في العالم تدفع سنويا ملياري دولار على قطاع الكهرباء، وعمليا لا كهرباء في منازلنا بل أصحاب مولدات يتهمونهم بالاستقواء على الدولة، علما بأن هذه القوى السياسية نفسها من أوجدتهم ووظفتهم وتحرص على استمراريتهم وبقائهم!».
وتعتمد المناطق اللبنانية كافة، على التيار الكهربائي الذي توفره المولدات، لسد النقص الناتج عن ساعات التقنين الطويلة، وانقطاع تغذية التيار الذي تؤمنه الدولة، بين 3 و12 ساعة يومياً، وبشكل متفاوت بين منطقة وأخرى. وكذلك تعتمد على أصحاب الصهاريج لتأمين المياه إلى المنازل في ظل قدرات الدولة المحدودة جدا لتأمين الكميات اللازمة. وفرض القيمون على مولدات الكهرباء كما على صهاريج المياه وجودهم كأمر واقع منذ سنوات، وباتوا يتحكمون بالمواطنين الذين وجدوا أنفسهم أسرى هذا الواقع، فلا هم قادرون على الاستغناء عن خدمات هؤلاء في ظل عجز مؤسسات وأجهزة الدولة وتلكؤها، ولا هم قادرون على أن يستسلموا لكل طلباتهم وشروطهم التي تختلف بين منطقة وأخرى، بحيث ترتفع الأسعار من دون مبررات في عدد من المناطق من دون حسيب أو رقيب. وحاولت وزارة الطاقة مؤخرا أن تستوعب سياسة تفلت الأسعار، فباتت تعمم بشكل شهري تسعيرة موحدة على أصحاب المولدات والبلديات في المناطق وتفرض عليهم الالتزام بها.

قساطل مياه موازية
وللمفارقة فإن واقع الكهرباء المرير ما لبث أن انسحب كليا على واقع المياه، إذ أكد أكثر من مواطن يسكن في منطقة المنصورية أنهم يدفعون بدلا ماديا مقابل المياه التي يحصلون عليها من مصادر خارج مظلة مصلحة المياه، وفقا لعدادات تم تركيبها على قساطل تم مدها جنبا إلى جنب القساطل المخصصة للمياه المؤمنة بكميات قليلة من قبل الدولة. وتبلغ التسعيرة لكل 1000 لتر مياه 7500 ليرة لبنانية.
ويستخدم اللبنانيون منذ عشرات السنوات مصطلح «اجت الدولة»، في إشارة إلى الكهرباء التي تؤمنها مؤسسة كهرباء لبنان. ويرد وزير الطاقة سيزار أبي خليل النقص الذي يعانيه لبنان في التغذية الكهربائية، إلى عدم بناء أي معمل منذ التسعينات حتى اليوم في ظل تزايد الطلب بنسبة 50 في المائة نتيجة النزوح السوري. ويشير إلى أنه تم وضع خطة للكهرباء في 2010 لبناء معامل جديدة، لكن الحاجة إلى طاقة مستعجلة إلى حين اكتمال هذه المعامل دفع للاعتماد على إنتاج الطاقة عبر المعامل العائمة، في إشارة إلى البواخر.
ووصفت فياض البلد بـ«أشبه بالسفينة التي تغرق والتي يحاول من فيها سرقة ما أمكنه منها قبل أن تتداعى بالكامل». وهو وصف يتناغم تماما مع توصيف شمس الدين للواقع اللبناني، لافتا إلى أن «كل ما يحصل هو عبارة عن مؤشرات على ترهل الدولة وتفككها وقرب انهيارها». وأضاف: «بعدما كان 45 في المائة من طلاب لبنان في المدارس الرسمية تقلص هذا العدد خلال سنوات ليبلغ 30 في المائة مع توجههم إلى المدارس الخاصة. ولا يقتصر اعتماد الدولة على المؤسسات الخاصة في مجال التعليم بل طال قطاع الخلوي والميكانيك، حيث يتم تمديد فترات تولي هذه الشركات القطاعات السابق ذكرها، رغم انتهاء عقودها».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».