عادل عبد المهدي... رجل الفرصة الأخيرة

رئيس وزراء العراق المكلف واقعي يجمع الفكر والخبرة الاقتصادية

عادل عبد المهدي... رجل الفرصة الأخيرة
TT

عادل عبد المهدي... رجل الفرصة الأخيرة

عادل عبد المهدي... رجل الفرصة الأخيرة

قبل شهور من تكليفه تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، كتب عادل عبد المهدي مقالاً في جريدة «العدالة»، التي يشرف عليها ويطرح من خلالها آراءه ورؤاه لكيفية بناء الدولة، مقالاً حمل عنواناً مثيراً، وهو «أشكركم فالشروط غير متوفرة»... وذلك في سبيل تبريره تداول اسمه لدى الأوساط السياسية لاحتمال أن يكون مرشحاً لرئاسة الوزراء. كان المقال قد نشر بعد الانتخابات، التي أجريت يوم 12 مايو (أيار) الماضي، بأقل من أسبوعين - بالذات، يوم 23 مايو - أثناء ما كان قد دار في بعض الأوساط السياسية بأن عبد المهدي أحد المرشحين.

كانت الانتخابات العراقية الأخيرة قد صدمت سواءً على نطاق نسبة المشاركة الجماهيرية المتواضعة، التي ناهزت الـ25 في المائة، أو النتائج التي أحرجت الكتل السياسية التقليدية. وهذا، فضلاً عن الجدل الذي رافقها بشأن التزوير والعد والفرز اليدوي أو الإلكتروني.
عادل عبد المهدي، الذي يعد من القادة المؤسسين لـ«عراق ما بعد عام 2003» لم يشارك في تلك الانتخابات. ولكونه سياسياً محترفاً، ويعرف الوسط السياسي العراقي عن قرب، بما في ذلك مسالكه ومطابخه السرّية، يدرك أن لا فرصة لمستقل أو غير مشارك في الانتخابات لأسباب كثيرة، لعل من أبرزها أن الكتل - ولا سيما الكبيرة منها - التي شاركت في الانتخابات وأحرزت عدداً كبيراً من المقاعد تفضّل مرشحيها المدعومين داخلياً وخارجياً. وبالتالي، ليس بوسعها التفريط بما تعدّه حقاً انتخابياً.
المسألة الأخرى المهمة أن لكل منصب في العراق ثمناً انتخابياً تقابله عدد المقاعد التي يجب على المرشح لأي منصب الحصول عليها. ومنصب رئيس الوزراء يكاد يحوز على أكثرية النقاط أو المقاعد البرلمانية، وعددها 35 نقطة أو مقعداً برلمانياً... فمن أين يأتي بالكتلة التي تمنحه كل هذه المقاعد من دون مقابل؟
انسجاماً مع ذلك، كتب عبد المهدي مقاله الشهير الذي أسدل من خلاله الستار على كل جدل بشأن إمكانية ترشحه للمنصب. وبالفعل، انزوى الرجل جانباً مكتفياً بتقديم النصائح والإرشادات بما يمتلكه من خبرة وكفاءة. وما يُذكر أنه كان قبل ذلك قد عبّر عن زهده في المناصب حين استقال من منصب نائب رئيس الجمهورية عام 2011. كذلك، استقال من آخر منصب كان يشغله، وهو وزير النفط في حكومة الدكتور حيدر العبادي عام 2016 بعدما كان أبرم اتفاقاً نفطياً مع الأكراد بشأن النفط مقابل الموازنة. ليس هذا فقط، بل كان قد استقال أيضاً من عضوية «المجلس الأعلى الإسلامي» قبل انشقاق زعيمه عمّار الحكيم عنه وتأسيسه «تيار الحكمة الوطني». لذلك؛ بات عبد المهدي مستقلاً تماماً وهي في العراق ميزة مرة وإشكالية مرة أخرى. فهي ميزة لمن لا يريد زج نفسه من جديد في العمل السياسي. وطبقاً لمقال عبد المهدي «أشكركم فالشروط غير متوفرة» فإن رؤيته لبناء الدولة التي ضمنها المقال عبرت عن عدم رضاه للمسار التي تريد الكتل الفائزة بالانتخابات اتخاذه، وهو نهج المحاصصة بعيداً عن الشعارات التي كانت رفعتها أثناء الانتخابات وهي تشكيل حكومة قوية بغالبية سياسية ومشاركة وطنية تنسجم مع إرادة الناس.

- بعد خراب البصرة!
خلال فصل الصيف الماضي حين الحراك السياسي والبرلماني في العراق على أشده انطلقت المظاهرات المعتادة سنوياً في محافظة البصرة بسبب الكهرباء والماء وقلة الخدمات. وكالعادة المتبعة، سنوياً أيضاً، امتدت تلك المظاهرات إلى الكثير من المحافظات الوسطى والجنوبية... وصولاً إلى العاصمة بغداد. وخلال شهر يوليو (تموز) الماضي كانت ولاية البرلمان السابق قد انتهت، وتحولت حكومة حيدر العبادي إلى حكومة تصريف الأعمال.
كانت كل المؤشرات تؤكد أن المظاهرات لن تتعدى الخطوط المرسومة لها سنوياً. غير أن ما حصل فيما بعد من تطورات مخيفة، وصلت إلى حد حرق مقرات الدوائر والمؤسسات والأحزاب، كشف عن إمكانية حدوث مواجهة وشيكة بين الأحزاب والفصائل الشيعية.
عندها وصل النظام السياسي في البلاد إلى مرحلة الانسداد أو الفشل التام، وانعكس ذلك على طبيعة المرشحين لشغل منصب رئيس الوزراء. وكان العبادي أول من احترق بلهيب النار المشتعل في البصرة. ثم لحق به هادي العامري، الذي أعلن انسحابه رسمياً من التنافس على منصب رئاسة الوزراء. ومن ثم، لم يعد في الساحة بعد خراب البصرة سوى مرشحي التسوية.
لكن، حتى بين هؤلاء لم يكن اسم عادل عبد المهدي قد جرى تداوله إلى أن بدأ أول ملامح رؤية المرجعية الدينية بشأن أوصاف رئيس الوزراء المقبل، وهي التي أردفها مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، بمجموعة من الشروط بدت في معظمها لا تنطبق على غالبية الأسماء المطروحة. عندها ظهر اسم عادل عبد المهدي في حيّز التداول بشأن ترشيحه لتشكيل الحكومة طبقاً لتوافق بين زعيم التيار الصدري وزعيم كتلة «الفتح» هادي العامري، ومن دون رفض من قبل المرجعية الدينية في النجف.
مهمة عبد المهدي لا شك، صعبة، بل باتت توصف في الأوساط السياسية والنخبوية بأنها بمثابة الفرصة الأخيرة للعراق، ولا سيما أن أحداث البصرة قد تتكرر وفي أكثر من مكان بالعراق وربما تطيح النظام السياسي كله. وفي هذا السياق، يقول الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية السابق علي الدباغ لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدكتور عادل عبد المهدي تسلم رئاسة مجلس الوزراء بتركة ثقيلة نتيجة الحرب على (داعش)، والعشوائية التي صاحبت الفترة الماضية، مع موارد شحيحة وسقف توقعات مشروع وعالٍ، وليس ميسوراً تحقيق نسب نجاح عالية». وأضاف الدباغ، أن «ما يتوجب عمله هو تهدئة قلق الشارع وغضبه، وإعطاء جرعة أمل منشّطة، عبر توفير فرص عمل من القطاع الخاص، من خلال تقديم إغراءات وإعفاءات ضمن الحدود المتوفرة. إذ لم تعد الدولة قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من البطالة وجموع الخريجين الجدد». وتابع «الأمر يتطلب توفير الحد الأدنى من الخدمات، وتحسينها عبر رؤية جديدة لا تعتمد الآلية التي لم تحقق نجاحاً».
وحول رؤيته لما يمكن أن يقدِم عليه رئيس الوزراء المكلف، يقول الدباغ إن «عبد المهدي سيركز على نزع فتائل التوتر السياسي الداخلية والإقليمية؛ ذلك أنه رجل حوار وليس شخصية صدامية. وسيقارب ما يمكن حله من الملفات الساخنة، ويدير ما يُختلف عليه بطريقة مختلفة، ما يخلق ثقة بين الشركاء وينزع الشكوك. وعلى المستوى الإقليمي، يحتاج إلى مقاربة هادئة للأزمات التي تعصف بالمنطقة، والعلاقات المتشنجة مع بعض الدول، مثل تركيا».
ويستطرد الدباغ بأن «رئيس الوزراء المكلف يحتاج إلى تطوير هذا الانسجام الحاصل بين الرئاسات الثلاث، كل من موقعه، ودون الإخلال بدور كل منهم».

- تحوّلات الفكر والموقف
يتنافس في شخصية عادل عبد المهدي انتماءان، الأول عائلي والآخر سياسي. فعبد المهدي الذي ولد في منطقة البتاوين ببغداد عام، وينتمي إلى أسرة ميسورة يمتد نسبها إلى آل البيت، وتعود جذورها إلى جنوب العراق، وتحديداً محافظة ذي قار (الناصرية). والده عبد المهدي المنتفجي (أو المنتفكي)، وهو لقب يعود إلى البيئة العشائرية البارزة للمدينة التي ينتمي إليها، أي مدينة الناصرية العاصمة الإدارية لمحافظة ذي قار. وكان الوالد قد شغل منصب وزير المعارف إبان العهد الملكي، بالإضافة إلى عضوية مجلس الأمة لست دورات.
تلقى عادل عبد المهدي تعليمه المتوسط في كلية بغداد، وهي كلية خاصة يسوعية راقية تخرجت فيها نخبة من أبرز شخصيات العراق. وبعدها، التحق بجامعة بغداد، حيث تخرج حاملاً شهادة البكالوريوس في الاقتصاد. ثم سافر إلى فرنسا، وهناك حصل على الماجستير في العلوم السياسية من المعهد الدولي للإدارة العامة في العاصمة الفرنسية باريس عام 1970، ثم تابع دراساته المعمقة فحاز ماجستير ثانية في الاقتصاد السياسي من جامعة بواتييه عام 1972، وأنهى أطروحة الدكتوراه، لكنه لم يناقشها.
هذا على الصعيد الأكاديمي، أما على الصعيدين الفكري والسياسي، فإنه بدأ حياته السياسية عروبياً؛ إذ انتمى في فترة شبابه المبكر إلى حزب البعث العربي الاشتراكي. بيد أنه سرعان ما غادر الفكر القومي ليصبح شيوعياً ماوياً لفترة قصيرة سبقت سفره إلى فرنسا لإتمام دراسته العليا المتقدمة. ومع أن اللقب الشائع عنه «الدكتور» عادل عبد المهدي، فإنه يفضّل أن يطلق عليه لقب «السيد» انطلاقاً من نسبه العلوي.
في باريس التقى عادل عبد المهدي في ثمانينات القرن الماضي زعيم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» محمد باقر الحكيم - قتل خلال شهر أغسطس (آب) عام 2003 بعد شهور قلائل من سقوط نظام صدام حسين -، وطلب منه الحكيم الإشراف على منشورات «المجلس» هناك، ولا سيما أن عبد المهدي كان يملك داراً صغيرة للنشر. ولقد فتح هذا التعارف والعمل المشترك أمام رئيس الوزراء المكلّف (اليوم) الباب إلى الدخول إلى الحركة الإسلامية، التي سرعان ما جعلت منه أحد قادة المعارضة لنظام صدام حسين طوال أكثر من عقدين من الزمن.

- مسيرته بعد 2003
بعد عام 2003 تقلد عادل عبد المهدي مناصب عدة، من أبرزها عضو مناوب في «مجلس الحكم» الذي أسسه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2003، ووزير المالية في حكومة إياد علاوي الأولى (2004 ـ 2005)، ومن ثم وزير النفط في حكومة حيدر العبادي (عام 2014 ليستقيل منها عام 2016). كما تقلد منصب نائب رئيس الجمهورية في ولاية الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، قبل أن يستقيل من المنصب عام 2011؛ الأمر الذي أعطى الناس عنه فكرة زهده في المناصب وقلة تشبثه بها.
اليوم، بعد تكليف عادل عبد المهدي تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، فإنه في الوقت الذي يحظى بدعم كامل من قِبل جميع الكتل السياسية - فضلاً عن مقبولية إقليمية ودولية - فإن الخشية تلازم الجميع من أن أي فشل لحكومته العتيدة سيكون له نتائج وخيمة على العراق. باختصار، المطلوب راهناً من عبد المهدي ليس النجاح في معالجة ملف الخدمات الشائك في البلاد فحسب، بل معالجة ما هو أخطر من ذلك، وهو العيوب التي تعتري العملية السياسية في البلاد.
ومع أن الجميع يرى أن عبد المهدي يحمل من المؤهلات ما يؤهله للعمل والنجاح، تبقى المشكلة الأساسية - التي لا تزال تشكل عقبة كبيرة - هي أن «الدولة العميقة» في العراق هي التي تهيمن على كل شيء. وهو واقع من شأنه الحد من قدرات رجل فكر وسياسة... يحتاج إلى بيئة سليمة لكي يتمكن من تنفيذ برنامجه السياسي ـ الإصلاحي بمضمونه الاقتصادي، الذي يقوم على تحويل العراق من بلد ريعي يعتمد على مداخيل النفط فقط إلى بلد منتج تتعدد فيه مصادر الدخل.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».