خلاف ترمب وباول مرشح لمزيد من التفاقم... ومؤشر تقلب الأسهم يزداد خطورة

{الفيدرالي} يصر على زيادة تشديد السياسة النقدية

ترمب مع باول في حديقة البيت الأبيض عند إعلان تعيين الأخير رئيساً لـ«الفيدرالي» العام الماضي (رويترز)
ترمب مع باول في حديقة البيت الأبيض عند إعلان تعيين الأخير رئيساً لـ«الفيدرالي» العام الماضي (رويترز)
TT

خلاف ترمب وباول مرشح لمزيد من التفاقم... ومؤشر تقلب الأسهم يزداد خطورة

ترمب مع باول في حديقة البيت الأبيض عند إعلان تعيين الأخير رئيساً لـ«الفيدرالي» العام الماضي (رويترز)
ترمب مع باول في حديقة البيت الأبيض عند إعلان تعيين الأخير رئيساً لـ«الفيدرالي» العام الماضي (رويترز)

«رئيس أميركي غير راضٍ وسوق أسهم متدهورة»، كان هذا عنوان الأسبوع الماضي مع دخول أسواق الأسهم في عمليات بيع، وعانت من أسوأ تراجع في ثمانية أشهر. ورجحت مصادر في «وول ستريت» تفاقم الخلاف أكثر بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) جيروم باول في الأشهر المقبلة، بالنظر إلى أن «الأول راغب في سوق أسهم منتعشة وتمويل رخيص، بينما الثاني عينه على مؤشرات أكثر تعقيداً وشمولية تبدأ من التضخم وتنتهي بحمى العوائد مروراً بكل المؤشرات المالية والاقتصادية الأخرى».
وقال تقرير صادر عن إدارة الخزانة في بنك الكويت الوطني: «قوّضت ارتفاعات أسعار الأسهم الأخيرة استراتيجيات التداول المألوفة، وأدت إلى تدهور أسهم التكنولوجيا التي كانت تحلّق عاليا». وتراجع بذلك مؤشر «داو جونز» بأكثر من 800 نقطة، فيما تراجع مؤشر «إس آند بي» بأكثر من 3 في المائة في أسوأ يوم له منذ فبراير (شباط) الماضي. وكانت أسهم التكنولوجيا هي الأكثر تأثرا مع تراجع مؤشر «ناسداك» المركّب بأكثر من 4 في المائة، وهو أكبر تراجع له في يوم واحد منذ يونيو (حزيران) 2016.
وشهد الأسبوع الماضي أيضا تراجع مؤشر «فوتسي» العالمي لليوم السادس على التوالي، ليخسر بذلك كل ما كسبه في 2018 في أحد أسوأ الأسابيع هذه السنة... ولا يبدو أن عمليات البيع تباطأت نظراً إلى أن المستثمرين كانوا قلقين على عدة أصعدة؛ من الحرب التجارية الأميركية - الصينية، مروراً بارتفاع العوائد، وتراجع الثقة، وصولاً لارتفاع مؤشر التقلب أو الخوف VIX إلى نحو 30 نقطة، وهو أعلى مستوى له منذ الفوضى العارمة التي ضربت السوق في أوائل فبراير الماضي. ومع انتشار عمليات البيع العالمية، تدهورت الأسواق الآسيوية يوم الخميس الماضي كذلك. فقد تراجع مؤشر «توبكس» الياباني بنسبة 3.4 في المائة بعد وقت قصير فقط من فتح الأسواق. وفي هونغ كونغ، تراجعت الأسهم أيضاً بنسبة 3 في المائة. ويبدو أن ارتفاع عوائد السندات التي بلغت أعلى مستوى لها في سبع سنوات عند 3.26 في المائة كان وراء عمليات بيع الأسهم.
ويشير التقرير إلى «أن النبرة الصقورية لمسؤولي مجلس الاحتياط الفيدرالي أرغمت المستثمرين على إعادة تقييم نظرتهم التفاؤلية حيال المزيد من رفع أسعار الفائدة».
وأدى تراجع سوق الأسهم إلى قيام الرئيس ترمب بانتقاد علني للفدرالي، قائلاً إن التزام البنك المركزي الأميركي برفع أسعار الفائدة هو خطأ.
وأظهر الرئيس ترمب خلافاً قوياً مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الصقوري، وذهب إلى حد قوله إن المجلس «قد جنّ»، وقال الرئيس «إنهم متشددون للغاية. أظن أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد جنّ».
ومن المعتاد أن يمتنع الرؤساء عن التعليق على قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أجل التشديد على استقلاليته عن الضغط السياسي، ولكن ترمب كان كثيراً ما يبدي آراءه بشأن قرارات المجلس، وقال بالفعل إنه «خاب أمله» في رئيس المجلس جيروم باول، ولكنه أكد أنه لا يفكّر في إقالته. وبحسب ترمب، فإن السياسة النقدية «السخيفة» ترفع من تكلفة تمويل إدارته للعجوزات المتصاعدة.
سعر المنتج الأميركي
على صعيد آخر، ارتفع مؤشر سعر المنتج الأميركي للمرة الأولى في 3 أشهر بنسبة 0.2 في المائة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وكان متماشياً مع التوقعات، بعد تراجع غير متوقع بنسبة 0.1 في المائة في أغسطس (آب) . ويعزى هذا الارتفاع بشكل رئيس إلى ارتفاع نسبته 1.8 في المائة في خدمات المواصلات والتخزين.
وفي الإجمال، وعلى الرغم من أن تكلفة السلع عكست تراجعاً في الغذاء والطاقة بنسبة 0.1 في المائة، فإن أسعار الخدمات تمكنت من التعويض عن هذا التراجع بارتفاعها بنسبة 0.3 في المائة. وسجّل مؤشر سعر المنتج الأساس، الذي يستثني الغذاء والطاقة والخدمات التجارية، أعلى ارتفاع له بنسبة 0.4 في المائة الشهر الماضي، وذلك منذ ارتفاعه بنسبة 0.5 في المائة في يناير (كانون الثاني) 2018.
واستمر الدولار بالتراجع بعد أسبوع قوي، مع ارتفاع الإسترليني والين مقابله، وأنهى الأسبوع متراجعاً بنسبة 0.5 في المائة.
سعر المستهلك
إلى ذلك، سجّلت أميركا ثباتاً في تضخم سعر المستهلك في سبتمبر الماضي، وهو أمر دعم تقييم مجلس الاحتياطي الفيدرالي بأن بإمكانه القيام بالمزيد من رفع أسعار الفائدة في المدى القصير بحذر. فقد ارتفع مؤشر سعر المستهلك ومؤشر سعر المستهلك الأساسي بنسبة 0.1 في المائة، بعد أن شهد ارتفعاً بنسبة 0.2 في المائة في أغسطس.
وقد أدى التراجع في تكلفة الغذاء والطاقة إلى تباطؤ مؤشر سعر المستهلك الكلي بنسبة 2.3 في المائة عن سنة مضت، أي بتراجع عن النسبة البالغة 2.7 في المائة التي شهدناها في أغسطس، مما يجعله أبطأ نمو منذ مارس (آذار) الماضي.
وبقي نمو مؤشر سعر المستهلك الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والوقود المتقلبة عند 2.2 في المائة من سنة لأخرى، وهو في ارتفاع قوي عن أداء السنة الماضية، حين كان يرتفع بنسبة 1.7 في المائة من سنة لأخرى. وإذا ما أضفنا إلى ذلك مراوحة مستوى البطالة عند أدنى مستوى له منذ الستينات، سيكون مجلس الاحتياطي الفيدرالي مرغماً على تقييد السياسة بشكل أشدّ. ومع ذلك، كان رئيس المجلس جيروم باول يشير إلى أنه لا يرغب بتسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة نظراً للتوقعات باستمرار الضغوطات التضخمية الضعيفة.
الحروب التجارية
وحذّر مسؤولون أميركيون من أن دونالد ترمب لن يشارك في محادثات تجارية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في اجتماع قمة الدول العشرين الشهر المقبل؛ ما لم تقدّم بكين قائمة مفصلة من التنازلات. ويقول الصينيون إن لديهم مثل هذه القائمة، ولكنهم لا يرغبون في تقديمها من دون ضمان بأنه سيتم تلقيها في جو سياسي مستقر في واشنطن، ويطالبون بممثل يملك تفويضاً للتفاوض باسم إدارة ترمب. وفي مطلع أغسطس الماضي، ذكر المفاوضون الصينيون احتمال التوصل لاتفاق بشأن نحو ثلث المطالب بشكل سريع نسبياً، واستعدادهم للمشاركة في مناقشات حول ثلث آخر... وأضافوا أن الثلث الباقي لا يمكن مناقشته بسبب تعلقه بالأمن القومي. وكان المسؤولون الصينيون مستعدين لتقديم رد مفصل في جولة خامسة من المحادثات التجارية الشهر الماضي، ولكن هذه المناقشات ألغيت بعد إضافة ترمب رسوماً جمركية على أكثر من نصف الصادرات الصينية إلى أميركا... ويقول المسؤولون الآن إنهم يطلبون رد الصين قبل انعقاد قمة العشرين بوقت كبير من أجل تمهيد الطريق لمناقشات تجارية هامة بين الزعيمين.



ترمب يحجم عن فرض الرسوم الجمركية

ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
TT

ترمب يحجم عن فرض الرسوم الجمركية

ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)
ترمب يلقي خطاب تنصيبه بعد أداء اليمين الدستورية (أ.ف.ب)

يُرجئ دونالد ترمب فرض التعريفات الجمركية خلال يومه الأول ويراهن بشكل كبير على أن إجراءاته التنفيذية يمكن أن تخفض أسعار الطاقة وتروض التضخم. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت أوامره ستكون كافية لتحريك الاقتصاد الأميركي كما وعد.

فقد قال ترمب في خطاب تنصيبه إن «أزمة التضخم ناجمة عن الإفراط في الإنفاق الهائل»، كما أشار إلى أن زيادة إنتاج النفط ستؤدي إلى خفض الأسعار.

وتهدف الأوامر التي يصدرها يوم الاثنين، بما في ذلك أمر مرتبط بألاسكا، إلى تخفيف الأعباء التنظيمية على إنتاج النفط والغاز الطبيعي. كما أنه يعتزم إعلان حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة على أمل إطلاق المزيد من إنتاج الكهرباء في إطار المنافسة مع الصين لبناء تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على مراكز البيانات التي تستخدم كميات هائلة من الطاقة.

ويعتزم ترمب التوقيع على مذكرة رئاسية تسعى إلى اتباع نهج حكومي واسع النطاق لخفض التضخم.

كل هذه التفاصيل وفقاً لمسؤول قادم من البيت الأبيض أصر على عدم الكشف عن هويته أثناء توضيحه لخطط ترمب خلال مكالمة مع الصحافيين، وفق ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».

وقال المسؤول إن الإدارة الجديدة، في أول يوم له في منصبه، ستنهي ما يسميه ترمب بشكل غير صحيح «تفويضاً» للسيارات الكهربائية. على الرغم من عدم وجود تفويض من الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته لفرض شراء السيارات الكهربائية، فإن سياساته سعت إلى تشجيع الأميركيين على شراء السيارات الكهربائية وشركات السيارات على التحول من السيارات التي تعمل بالوقود إلى السيارات الكهربائية.

هدّد ترمب، خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، بفرض رسوم جمركية على الصين والمكسيك وكندا ودول أخرى. ولكن يبدو أنه يتراجع حتى الآن عن فرض ضرائب أعلى على الواردات. وأشار المسؤول إلى تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» يقول إن ترمب سيوقع فقط على مذكرة تطلب من الوكالات الفيدرالية دراسة القضايا التجارية.

ومع ذلك، تعهد ترمب في خطاب تنصيبه بأن التعريفات الجمركية قادمة، وقال إن الدول الأجنبية ستدفع العقوبات التجارية، على الرغم من أن هذه الضرائب يدفعها المستوردون المحليون حالياً وغالباً ما يتم تمريرها إلى المستهلكين.

لقد كان قرار التوقف ودراسة التعريفات الجمركية إشارة إلى الحكومة الكندية بأنه يجب أن تكون مستعدة لجميع الاحتمالات تقريباً بشأن اتجاه التجارة مع الولايات المتحدة.

«ربما يكون قد اتخذ قراراً بتعليق التهديد بالتعريفات الجمركية نوعاً ما على قائمة كاملة من الدول. سننتظر ونرى»، وفق ما قال وزير المالية الكندي دومينيك لوبلانك. أضاف: «لقد كان السيد ترمب في ولايته السابقة غير قابل للتنبؤ، لذا فإن مهمتنا هي التأكد من أننا مستعدون لأي سيناريو».

وبشكل عام، يواجه الرئيس الجمهوري مجموعة من التحديات في تحقيق طموحاته في خفض الأسعار. فقد نجح بايدن في خفض معدل التضخم على مدار عامين، إلا أنه سيغادر منصبه مع استمرار نمو الأسعار الذي فاق نمو الأجور على مدار السنوات الأربع الماضية.

ومن بين الدوافع الكبيرة للتضخم استمرار نقص المساكن، كما أن إنتاج النفط الأميركي وصل بالفعل إلى مستويات قياسية، حيث يواجه المنتجون حالة من عدم اليقين بشأن الطلب العالمي هذا العام.

مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو من الناحية الفنية الهيئة الحكومية المكلفة الحفاظ على التضخم عند هدف سنوي يبلغ 2 في المائة تقريباً. وتتمثل أدواته المعتادة في تحديد أسعار الفائدة قصيرة الأجل لإقراض البنوك لبعضها البعض، بالإضافة إلى مشتريات السندات والاتصالات العامة.

وقال ترمب إن إنتاج الموارد الطبيعية هو المفتاح لخفض التكاليف بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، سواء في المضخة أو في فواتير الخدمات العامة.

تتخلل أسعار الطاقة كل جزء من الاقتصاد، لذا فإن زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الطبيعي وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى أمر بالغ الأهمية للأمن القومي. وقد اشتكى ترمب، الذي تعهد باستعادة «هيمنة الولايات المتحدة في مجال الطاقة»، من أن إدارة بايدن حدّت من إنتاج النفط والغاز في ألاسكا.

ومع ذلك، ووفقاً للأوزان الترجيحية لمؤشر أسعار المستهلك، فإن الإنفاق على الطاقة يمثل في المتوسط 6 في المائة فقط من النفقات، أي أقل بكثير من الغذاء (13 في المائة) أو المأوى (37 في المائة).

عاد التضخم، الذي كان خامداً لعقود، إلى الظهور من جديد في أوائل عام 2021 مع تعافي الاقتصاد بقوة غير متوقعة من عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19. طغت الطفرة في طلبات العملاء على سلاسل التوريد في أميركا، ما تسبب في حدوث تأخيرات ونقص وارتفاع الأسعار. وكافحت مصانع رقائق الحاسوب والأثاث وغيرها من المنتجات في جميع أنحاء العالم للانتعاش.

وقد سارع المشرعون الجمهوريون إلى إلقاء اللوم على إدارة بايدن في إغاثة إدارة بايدن من الجائحة البالغة 1.9 تريليون دولار، على الرغم من أن التضخم كان ظاهرة عالمية تشير إلى عوامل تتجاوز السياسة الأميركية. وازداد التضخم سوءاً بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية.

ورداً على ذلك، رفع «الاحتياطي الفيدرالي» سعر الفائدة القياسي 11 مرة في عامي 2022 و2023. انخفض التضخم من أعلى مستوى له منذ أربعة عقود عند 9.1 في المائة في منتصف عام 2022. لكن التضخم ارتفع منذ سبتمبر (أيلول) إلى معدل سنوي بلغ 2.9 في المائة في ديسمبر (كانون الأول).

من المحتمل أن تحتاج العديد من الخطوات التي يتخذها ترمب إلى موافقة الكونغرس. تنتهي أجزاء من تخفيضاته الضريبية لعام 2017 بعد هذا العام، ويعتزم ترمب تمديدها وتوسيعها بتكلفة قد تتجاوز 4 تريليونات دولار على مدى 10 سنوات. ويرى ترمب أن التخلص من الدعم المالي للطاقة المتجددة في عهد بايدن هو وسيلة محتملة لتمويل تخفيضاته الضريبية.