كريستينا فيدلسكايا... الأناقة الراقية تتجنب الصخب والاستعراض

تبنت «حركة الفن الفقير» في تشكيلة غنية بالتفاصيل لربيع وصيف 2019

من تشكيلتها لربيع وصيف 2019
من تشكيلتها لربيع وصيف 2019
TT

كريستينا فيدلسكايا... الأناقة الراقية تتجنب الصخب والاستعراض

من تشكيلتها لربيع وصيف 2019
من تشكيلتها لربيع وصيف 2019

«الأناقة بالنسبة لي هي طريقة التعامل مع الموضة... إنها أسلوب خاص يُصبح مع الوقت بمثابة بطاقة هوية تلازم صاحبها طوال الوقت وتقول عنه الكثير، لهذا من المهم أن تكون واقعية ومعقولة». هذا ما صرحت به كريستينا فيدلسكايا، المصممة الأوكرانية المقيمة في دبي، بعد عرض تشكيلتها الأخيرة لربيع وصيف 2019 في باريس.
كان مكان العرض مناسبا لتشكيلة أرادتها أن تعكس روح امرأة معاصرة ببساطتها. لم يكن عنوانا تاريخيا مشهورا، كما كان عليه الحال في العام الماضي، حين قدمت تشكيلتها لخريف وشتاء 2018 في متحف «موزيه دو لارميه»، الذي يُعتبر واحدا من المعالم الباريسية المهمة ولارتباطه تاريخيا بنابوليون بونابارت. معماره المتميز انعكس على التشكيلة التي جاءت هي الأخرى بنفس القوة والدراما، وقالت المصممة حينها إنها استوحتها من مصادر عدّة. فقد استعارت بعض تفاصيلها من صورة شهيرة للفنان البريطاني ديفيد بووي وهو يغادر فندق «كارلايل» في نيويورك في السبعينات، بينما استعارت خطوطها المنطلقة من صور من التسعينات تظهر فيها باريسيات يمشين في جادة «هوش» الراقية بخفة وحيوية. القاسم المشترك بين الصورتين كان دائما تلك البساطة الأزلية التي لا تعترف بزمن، وهي البساطة نفسها التي طبعت تشكيلتها الأخيرة بشكل أوضح وأكثر واقعية.
فقد اختارت كريستينا فيدلسكايا مرآب سيارات قديما في شارع لوبيرك؛ ليكون مسرحا لتشكيلة من الصعب وصفها بأنها «بروليتارية» رغم أنها للوهلة الأولى تُعطي الانطباع بأنها كذلك، ورغم أن فيدلسكايا صرحت بأنها استلهمتها من حركة فنية ماضية هي «آرت بوفيرا» أي «الفن الفقير». وهي حركة ظهرت في إيطاليا وانتشرت في أوروبا، لكن الموضة قلما تعود أو تُشير إليها، لسبب واضح أنها تتنافى مع مفهوم الترف كما يتم الترويج له منذ عقود. كريستينا في المقابل تبنت هذا المفهوم من خلال أسلوب «الغرانج» في بعض الإطلالات، إلى جانب استعمالها أقمشة طبيعية تنسدل على الجسم بخطوط بسيطة، لكنها «حتى في بساطتها تتضمن لمسات من الترف من حيث جودتها وملمسها، مثل التافتا وحرير الغازار المخلوط بخامات عادية، وحرير البوبلين وما شابها من تقنيات تعبر عن روح العصر، وما أصبح يتطلبه من حرفية ودقة بعيدا عن أي بهرجة أو استعراض» حسب قولها. كان لافتا أنها لم تُركز على فساتين السهرة الفخمة. كانت أزياء النهار والعمل هي الغالبة، مع قطع معدودات يمكن تنسيقها بشكل أو بآخر لتناسب المساء والسهرة. لم تكن هناك أيضا تطريزات أو أحجام كبيرة تتطلب أمتارا وأمتارا من الأقمشة. تبريرها أنها موجهة للربيع والصيف، وبالتالي يُفترض أن تكون خفيفة وهادئة في أناقتها، «لا أريدها أن تصرخ، فأنا أرفض أن تكون البهرجة والاستعراض العملة الوحيدة لتقييم الذوق والتعامل مع الموضة». أما سبب حرصها أن تروج للتشكيلة على أنها ترتكز على البساطة، فتعيد سببه إلى أننا «نعيش حاليا في عالم أصبح مُتخما بالماديات بسبب تنامي عقلية الاستهلاك، لهذا لم أعد أرى أن الترف يجب أن يصرخ بالتفاصيل أو يقطر بالتطريزات، خصوصا إذا لم تكن لها وظيفة عملية وكان الهدف الوحيد منها أن تعكس قوة صاحبتها الشرائية وإمكاناتها المادية».
وهذا تحديدا ما انعكس على عرض كان واضحا أن المصممة لم تُرده أن يكون ثوريا من حيث إحداث تغييرات جذرية في خزانة المرأة، ولم ترده أيضا أن يكون تقليديا. فهو يعبر، بكل بساطة، عن أسلوبها وعن وجهة نظرها كامرأة. وهذا ما تكرره دائما بالقول إنها ابنة عصرها ومن واجبها أن تُنصت جيدا لنبض الشارع وما يتطلبه من تغييرات. «كأم شابة، لا بد أن آخذ بعين الاعتبار أن غالبية النساء لا يعشن في بُرج عال، فهن إما أمهات أو سيدات أعمال أو ربات بيوت لهن اهتمامات فنية ومسؤوليات اجتماعية، وبالتالي يطمحن إلى أزياء تلائم أسلوب حياتهن». فرغم أنها تعيش في دبي، الأمر الذي يعني أن المرأة العربية زبونة مهمة لا يمكن تجاهل ذوقها ومطالبها، فإنها لا ترى أن توجهها نحو البساطة يتنافى مع ما تطلبه هذه المرأة «فهي أنيقة تعرف معنى الرقي الحقيقي، وبأنه يكمن في الحرفية والدقة والتفاصيل الخفية. هذه المرأة تتمتع بذوق عالمي، وبعد اقترابي منها، اكتشفت أنها مثلي لا تميل إلى الصراخ ولا ترى أن صخب الألوان والنقشات هو الطريق إلى الأناقة».
هذه النظرة الواقعية هي ما تجعلها لا تعتمد على وجه ترويجي لحد الآن رغم أن إمكاناتها تسمح بذلك، ثم إنها أحسن من يمثل ماركتها. ليس لمقاييسها التي تضاهي مقاييس أي عارضة عالمية فحسب، بل أيضا لأسلوبها الخاص ونظرتها للموضة والأناقة عموما. توضح أنها تريد أن تبقى ماركتها واقعية، فهي لا تفتقد إلى الخيال، لكنها لا تريد أن تُطلق له العنان على حساب هذا الواقع، لهذا تتعمد أن تستلهم تصاميمها من حياتها اليومية، «ومن صديقاتي وزميلاتي... أحيانا استقي أفكارا من السينما أو من الفن والشعر والروايات، وأحيانا أخرى من أسفاري خصوصا تلك التي أنغمس فيها، أو بالأحرى أنصهر، مع الطبيعة».
كل هذا بالنسبة للمصممة ترف يغذي روحها ويحفز ملكتها الإبداعية ويطلق لها العنان لتجرب أفكارا جديدة. الدليل أنها حتى في عودتها إلى حركة «آرت بوفيرا» لم تتبنَّه بالمفهوم الحرفي للتقشف، بل اقتصرت على استعماله كخيط نسجت منه أحجاما وخطوطا خفيفة فكّكتها من التبطين، وتُخفي بين ثناياها عناصر غير ملموسة، وقد لا تكون مرئية من بعيد، لكنها تُؤثر تأثيرا مباشرا على انسداله على الجسم وحركته. تظهر هذه العناصر تارة في فستان طويل، وتارة في معطف مبتكر، وأخرى في قطع منفصلة تظهر من جوانبها تفاصيل، وفي مزجها ألوان، أو خامات مختلفة.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
TT

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)
تشتهر عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو بأسلوب مميز (بيركنشتوك)

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية. اختارت لها بصمات دائمة: عبر تاريخ وحقبات المملكة العربية السعودية Perpetual Footprints:

Across Saudi Times and Eras عنواناً وست شخصيات سعودية أبطالا. هؤلاء جمعهم حذاء بسيط لكن معروف بعمليته وما يمنحه من راحة صحية.

فهدفها لم يكن استعراض مهارتها وخبرتها في صناعة الأحذية التي تتحدى الزمن والاختلاف والمسافات فحسب، بل أيضاً التعبير عن اهتمامها بسوق تعرف أهميته بالنسبة لها، وفي الوقت ذاته التعبير عن إعجابها بالثقافة السعودية لما فيها من تنوع وحيوية تكتسبها من شبابها. لكي تنجح حملتها وتكتسب عبق المنطقة، استعانت بمواهب محلية ناجحة في مجالاتها، لعرض الإرث الثقافي الغني للملكة، وتلك الديناميكية التي تميز كل منطقة. حتى مهمة تنسيق جلسة التصوير أوكلتها لمصمم الأزياء ورائد الأعمال السعودي حاتم العقيل من باب أن «أهل مكة أدرى بشعابها».

عبد العزيز الغصن يظهر في الحملة في عدة لقطات تعبر عن المنطقة التي يُمثِلها (بيركنشتوك)

جمعت ستة مؤثرين، ثلاث نساء هن فاطمة الغمدي وديم القول وداليا درويش، وثلاث رجال، هم خيران الزهراني وعبد العزيز الغصن وأحمد حكيم، كثنائيات لإبراز السمات الفريدة التي تُميز ثلاث مناطق هي نجد والحجاز والشرقية. وبينما كانت أحذية «بيركنشتوك» الخيط الرابط بينهم جميعاً، تركت لكل واحد منهم حرية التعبير عن رؤية تعكس أسلوب حياته ومجال تخصصه، سواء كان موسيقياً أو رياضياً أو رائد أعمال.

الحجاز القديم

خيران الزهراني ابن مدينة الباحة ممثلاً منطقة الحجاز (بيركنشتوك)

مثَل المنطقة كل من خيران الزهراني وفاطمة الغمدي. خيران وهو ابن مدينة الباحة معروف في عالم الأوبرا بصفته الكاونترتينور الأول في البلاد، يمزج عمله ما بين الفخر الثقافي والإبداع الفني. غني عن القول إنه يلعب دوراً ريادياً في أداء أعمال أوبرالية بارزة باللغة العربية، بما فيها مشاركته في أول أوبرا عربية تمثّل المملكة العربيّة السعوديّة في قمة BRICS لعام 2024. في هذه الحملة يظهر خيران في حذاء «بوسطن» Boston Suede المصنوع من الشامواه، والمتعدد الاستخدامات مع ملابسه العصرية. في صورة أخرى نسَق حذاء «جيزيه» Gizeh مع زيه التقليدي.

خيران الزهراني ابن مدينة الباحة والفنانة فاطمة الغمدي ممثلان منطقة الحجاز (بيركنشتوك)

تنضم إليه الفنانة والرسامة «فاطمة الغمدي» وهي من الطائف لإكمال قصة منطقة الحجاز. تظهر في حذاء «أريزونا» المتميز ببكلة بارزة، باللون الزهري الفوشيا. تظهر ثانية بحذاء «مدريد»، الذي يأتي هو الآخر ببكلة كبيرة الحجم، ليُكمل زيها التقليدي.

منطقة نجد

عبد العزيز الغصن كما ظهر في الحملة (بيركنشتوك)

هنا ينضم الموسيقي عبد العزيز الغصن، المقيم في الرياض، إلى الحملة للاحتفال بمنطقة نجد. الجميل في هذا الفنان أنه تأثر بعدة ثقافات موسيقية وشغف دائم لخوض غمار الجديد، بأسلوب موسيقى يمزج ما بين الـ«أفروبيت»، الـ«أر أند بي» والـ«هيب هوب». يظهر في الحملة محاطاً بأشجار النخيل النجدية، وهو يرتدي حذاء «كيوتو» Kyoto ثم حذاء «بوسطن» Boston.

عارضة الأزياء والمؤثرة السعودية ديم القو (بيركنشتوك)

تنضم إليه «ديم القو»، وهي عارضة أزياء سعودية ومؤثرة عُرفت بأسلوبها الخاص يجعل أكثر من 230 ألف شخص يتابعونها و3.2 مليون معجب على تطبيق «تيك توك». تظهر في حذاء «مدريد» ويتميز ببكلة ضخمة باللون البيج الشديد اللمعان يعكس جانبها النجدي المعاصر، في حين يعكس حذاء «جيزيه» Gizeh باللون الذهبي الإرث الغني المتجدر في التاريخ.

المنطقة الشرقية

رائد الأعمال والرياضي ومؤسس علامة «أستور» للأزياء (بيركنشتوك)

يُمثِلها «أحمد حكيم»، وهو رائد أعمال ورياضي وصانع محتوى، كما تمثّل علامته التجارية الخاصة بالملابس، Astor أسلوب حياة يعمل من خلالها على تمكين الأفراد من التعبير عن أنفسهم بثقة ومصداقية. يظهر في الحملة وهو يتجوّل تحت قناطر مدينة الدمام القديمة منتعلاً حذاء «أريزونا» Arizona الكلاسيكي ذا قاعدة القدم الناعمة باللون الأزرق. في لقطة أخرى يظهر في كورنيش المدينة مع داليا درويش، منتعلاً لوناً جديداً، الأزرق الأساسي.

داليا درويش تشارك في الحملة بصفتها محررة ومصممة وصانعة محتوى وسيدة أعمال (بيركنشتوك)

أما ابنة مدينة الخبر الساحليّة، داليا درويش، فتشارك في الحملة بصفتها محررة، ومصممة، وصانعة محتوى وسيدة أعمال، لتُعبِر عن طبيعة المنطقة الشرقية المتعددة الأوجه. ولأنها تعشق السفر، اختارت حذاء «أريزونا» Arizona، الذي يجمع الكلاسيكية بالعصرية، باللونين الذهبي والأزرق المعدني.