«مؤسسة الدراسات الفلسطينية» تعرض وثائق أرشيفها منذ 66 عاماً

«النكبة... على طريق العودة» عيّنات من 80 ألف مجلد

سيدات من بيت لحم يشربن القهوة ويدخنّ النارجيلة
سيدات من بيت لحم يشربن القهوة ويدخنّ النارجيلة
TT

«مؤسسة الدراسات الفلسطينية» تعرض وثائق أرشيفها منذ 66 عاماً

سيدات من بيت لحم يشربن القهوة ويدخنّ النارجيلة
سيدات من بيت لحم يشربن القهوة ويدخنّ النارجيلة

بمناسبة مرور 70 سنة على النكبة وبتأخر عدة أشهر، تعرض «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» منذ يوم الاثنين الماضي ولمدة شهر، كنوزاً من مكتبتها العامرة، التي تراكم أرشيفاً فلسطينياً نادراً منذ تأسيسها قبل خمسة وخمسين عاماً. ورغم أن ما يعرض على الجمهور بهذه المناسبة في مبنى المؤسسة في بيروت، هو جزء يسير مما يمكن أن يستفيد منه رواد المكتبة عموماً أو الذين يطلبون إذناً للاطلاع على مخطوطاتها، فإن المعرض يعطي فكرة وافية عن مقتنيات كان هدفها منذ البداية الحفاظ على التراث الفلسطيني من الضياع، ومواكبة الصراع العربي - الإسرائيلي توثيقاً وبحثاً، وجمع الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع بمختلف اللغات وحتى بالعبرية. جمعت المكتبة على مدى نصف قرن الدوريات، والصور والأفلام والملصقات، إضافة إلى الكتب القديمة وأهم ما يصدر بطبيعة الحال. لكن الأهم من كل ذلك هي المجموعات الخاصة التي وهبها أصحابها أو ورثتهم للمؤسسة ومنها ما اشترته. وبينها مخطوطات أصلية بخط اليد وغيرها مستنسخة. نماذج من هذه المجموعات يراها الزوار بمناسبة المعرض الذي يحمل اسما متفائلاً ودالاً هو «النكبة... على طريق العودة»، مثل تلك الصفحات من مذكرات فوزي القاوقجي. هذه الشخصية الجدلية التي شاركت في حرب 1948 ولا يزال الخلاف حول دوره البطولي أو ضلوعه في خيانة ما موضع أخذ ورد إلى اليوم. وبين المعروضات أيضاً صفحات من مذكرات واصف جوهرية الموسيقي والمؤرخ الذي نشرت مذكراته في «سي دي»، وبإمكان الزائر بهذه المناسبة الاطلاع على الأصل. وكذلك هناك أوراق أخرى معروضة من مذكرات خوري نقولا الخوري مدونة بخط يده. وكان الرجل ناشطاً ولد في بيرزيت عام 1885 وتوفي في بيروت عام 1954 وكتب عن نزوحه عن فلسطين، ودون ما يعرفه عن كثير من الأحداث خلال فترة الانتداب. والمذكرات المعروضة ليست سوى عينات من مجموعة الأوراق الخاصة والمستندات التي تمتلكها «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» من بينها مثلاً أوراق أكرم زعيتر (1909 - 1996) التي تسلط الضوء على مواقف الأطراف ذات المواقع الأساسية في تاريخ تطور القضية الفلسطينية. وقسم من هذه الأوراق وثائق أصلية فريدة بخط يد قادة الحركة الوطنية الفلسطينية في تلك الحقبة. وهي عبارة عن 35 ملفاً أي ما يقارب 7000 ورقة. وهناك أوراق الشاعر كمال ناصر بخط يده الذي اغتالته إسرائيل غدراً في بيروت، وتتضمن مراسلات، مسرحية، قصصا، كتابات عن الأدب، خُطبا قصيرة وكتاب «الأعمال الشعرية الكاملة».
لائحة مقتنيات المكتبة طويلة وغنية، وما يحاوله معرض «النكبة... على طريق العودة» هو وصل ماضي القضية الفلسطينية بحاضرها، عبر رجالاتها واستعادة أهم الأحداث، من القرن التاسع عشر حتى مسيرات العودة الحالية. وتتحدث أمينة المكتبة منذ 11 سنة والمشرفة على المعرض جانيت ساروفيم عن أرشيف الصور الغني الذي تمتلكه المؤسسة وتعرض بعضاً منه حالياً. ففي حوزتها سبعة ألبومات صور من 859 صورة تعود لواصف جوهرية (1897 - 1973) جمعها الرجل عن شخصيات معروفة وأخرى من الحياة العادية في القدس. والرجل كان على علاقة بعائلات كبيرة في فلسطين مثل آل الحسيني والنشاشيبي، وفنانين من سوريا ولبنان ومصر زاروا القدس وجمعَ صوراً لهم. وتعرض المذكرات والأوراق الخاصة في الطابق الأول من مبنى مؤسسة الدراسات في منطقة فرادان في بيروت، إضافة إلى كتب قديمة بعضها نفد ولم يعد موجوداً. من بين الكتب «عبرة فلسطين» لموسى العلمي الذي يعود إلى العام 1949 وكتاب قسطنطين زريق الشهير «معنى النكبة». وفي الطابق الثاني مجموعة من الصور تؤرخ لما قبل النكبة، وما حدث خلالها وبعدها. ومكتبة المؤسسة في جعبتها نحو عشرة آلاف صورة بحسب ساروفيم منها مجموعة «متحف الحرب البريطاني»، وأخرى من الأونروا منحتها للمؤسسة وهي تؤرخ باللقطات لحظات اللجوء الأولى ومدارس الأونروا ومواكبتها للخارجين من بيوتهم منذ كانوا لا يزالون يقيمون في الخيام. وهناك مجموعة منظمة التحرير التي تنطوي على صور لمقاتلين ولقطات من معارك، ومجموعة أخرى للمصور الأميركي إريك مدسون. والصور المعروضة على أهميتها هي مجرد مختارات من أرشيف يحوي أيضاً بوسترات قيمة وملصقات، خرائط مهمة للقرى المهجرة في فلسطين وغيرها. وكذلك في الأرشيف أفلام سينمائية وميكروفيلم وتسجيلات صوتية وتحاول المؤسسة إغناء الجانب السمعي البصري لديها.
وتتحدث ساروفيم عن «ثمانين ألف مجلد تضمها المكتبة، إضافة إلى مئات الدوريات والصحف». وهي صارت تحمل منذ عام 1984 اسم المفكر القومي المعروف قسطنطين زريق تقديراً لعمله وفكره المستنير، ولما له من دور تأسيسي في إطلاق مؤسسة الدراسات الفلسطينية التي كانت رائدة يوم ولادتها في مطلع الستينات، كمركز بحثي، علمي، مستقل في الفكر.
الثروة الأرشيفية التي تكاد تتفرد بها «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» جذبت باحثين من مختلف أصقاع الأرض، يأتونها بحثاً عن مصادر أصلية ومعلومات موثوقة عن فلسطين وقضيتها ورجالاتها وأحداثها. فهنا تجد تقارير رسمية وأطالس، ومخطوطات تركها أصحابها وكتباً صادرة في فلسطين عن حكومة الانتداب، والجريدة الرسمية لحكومة فلسطين، ونصوص القوانين التي كان يعمل بها هناك. هذا عدا الدوريات والصحف الفلسطينية القديمة وتلك التي صدرت بعد ذلك في الأراضي المحتلة وصحف أجنبية وعبرية. كذلك تحتوي المكتبة على وثائق المؤتمرات الصهيونية ووثائق رسمية صادرة عن منظمات دولية، لا سيما تلك الخاصة بفلسطين.
يأتي المعرض مصحوباً بنشاطات فكرية، حيث تقام على هامشه ندوات، ونقاشات، كما تُعرض أفلام. هناك محاضرة للدكتور ماهر الشريف عن «الحركة الوطنية الفلسطينية إلى أين؟» وأخرى للدكتور سليم تماري عن «اتجاهات جديدة في التأريخ الفلسطيني للنكبة». وتقدم الدكتورة أناهيد الحردان محاضرة عنوانها «الفلسطينيون في سوريا: ذكريات نكبة مجتمعات ممزقة». وثمة حوار مع الفنان الفلسطيني عبد الرحمن قطناني.



مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)
المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثل في مصطبة لطبيب ملكي لدى الدولة المصرية القديمة، تحتوي نقوشاً ورسوماً «زاهية» على جدرانها، بالإضافة إلى الكثير من أدوات الطقوس والمتاع الجنائزي.

ووفق بيان وزارة السياحة والآثار، كشفت البعثة الأثرية الفرنسية - السويسرية المشتركة التي تعمل في جنوب منطقة سقارة الأثرية، وتحديداً في مقابر كبار رجال الدولة القديمة، عن مصطبة من الطوب اللبن، لها باب وهمي عليه نقوش ورسومات «متميزة»، لطبيب يُدعى «تيتي نب فو»، عاش خلال عهد الملك بيبي الثاني، ويحمل مجموعة من الألقاب المتعلقة بوظائفه الرفيعة، من بينها: «كبير أطباء القصر»، و«كاهن الإلهة سركت»، و«ساحر الإلهة سركت»، أي المتخصص في اللدغات السامة من العقارب أو الثعابين وعظيم أطباء الأسنان، ومدير النباتات الطبي.

جدران المصطبة تتضمّن نقوشاً ورموزاً جنائزية بألوانها الزاهية (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويُعد هذا الكشف إضافة مهمة إلى تاريخ المنطقة الأثرية بسقارة، ويُظهر جوانب جديدة من ثقافة الحياة اليومية في عصر الدولة القديمة من خلال النصوص والرسومات الموجودة على جدران المصطبة، وفق الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر، الدكتور محمد إسماعيل خالد.

من جانبه، أوضح رئيس البعثة، الدكتور فليب كولمبير، أن المصطبة تعرّضت للسرقة في عصور سابقة، حسب ما ترجح الدراسات الأولية، لكن الجدران ظلّت سليمة وتحمل نقوشاً محفورة ورسوماً رائعة الجمال، ونقشاً على أحد جدران المقبرة على شكل باب وهمي ملون بألوان زاهية. كما توجد مناظر للكثير من الأثاث والمتاع الجنائزي، وكذلك قائمة بأسماء القرابين، وقد طُلي سقف المقبرة باللون الأحمر تقليداً لشكل أحجار الغرانيت، وفي منتصف السقف نقش يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.

رموز ورسوم لطقوس متنوعة داخل المصطبة (وزارة السياحة والآثار)

بالإضافة إلى ذلك عثرت البعثة على تابوت حجري، الجزء الداخلي منه منقوش بالكتابة الهيروغليفية يكشف اسم صاحب المقبرة.

وكانت البعثة الأثرية الفرنسية - السويسرية قد بدأت أعمال الحفائر في الجزء الخاص بمقابر موظفي الدولة، خلف المجموعة الجنائزية للملك بيبي الأول، أحد حكام الأسرة السادسة من الدولة القديمة، وتلك الخاصة بزوجاته في جنوب منطقة آثار سقارة، في عام 2022.

وكشفت البعثة قبل ذلك عن مصطبة للوزير وني، الذي اشتهر بأطول سيرة ذاتية لأحد كبار رجال الدولة القديمة، التي سُجّلت نصوصها على جدران مقبرته الثانية الموجودة في منطقة أبيدوس بسوهاج (جنوب مصر).

ويرى عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذا الاكتشاف «يكشف القيمة التاريخية والأثرية لمنطقة سقارة التي كانت مركزاً مهماً للدفن خلال عصور مصر القديمة».

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «المصطبة المكتشفة تعود إلى طبيب ملكي يحمل لقب (المشرف على الأطباء)، كان يخدم البلاط الملكي في الأسرة الخامسة (تقريباً في الفترة ما بين 2494 و2345 قبل الميلاد)، وجدران المصطبة مزينة بنقوش زاهية الألوان تجسّد مشاهد يومية وحياتية وأخرى جنائزية؛ مما يوفّر لمحة عن حياة المصريين القدماء واهتماماتهم بالموت والخلود».

ويضيف العالم المصري أن المصاطب تُعد نوعاً من المقابر الملكية والنخبوية التي ظهرت خلال بدايات عصر الأسرات الأولى، قبل ظهور الشكل الهرمي للمقابر.

المصطبة المكتشفة حديثاً في سقارة (وزارة السياحة والآثار)

وتضم النقوش داخل المصطبة صوراً للطبيب الملكي وهو يمارس مهامه الطبية، إلى جانب مناظر تعكس الحياة اليومية مثل الصيد والزراعة، ويلفت عبد البصير إلى أن «النقوش تحتفظ بجمال ألوانها المبهجة؛ مما يدل على مهارة الفنانين المصريين القدماء وتقنياتهم المتقدمة».

ويقول الدكتور حسين إن هذا الاكتشاف يعزّز فهمنا لتاريخ الدولة القديمة، ويبرز الدور المحوري الذي لعبته سقارة مركزاً دينياً وثقافياً، مؤكداً أن هذا الاكتشاف «يُسهم في جذب مزيد من الاهتمام العالمي للسياحة الثقافية في مصر، ويُعد حلقة جديدة في سلسلة الاكتشافات الأثرية التي تُعيد إحياء تاريخ مصر القديمة وتُظهر للعالم عظمة هذه الحضارة».

تجدر الإشارة إلى أن وزارة السياحة والآثار أعلنت قبل يومين اكتشاف 4 مقابر يعود تاريخها إلى أواخر عصر الأسرة الثانية وأوائل الأسرة الثالثة، في منطقة سقارة بالجيزة، وأكثر من 10 دفنات من عصر الأسرة الـ18 من الدولة الحديثة.