وايومنغ... ولاية المساواة والأكثر ثراءً في أميركا

فيها تُرسم السياسات المالية الدولية وتجري أهم صراعات الروديو

بحيرة ماري في الشتاء
بحيرة ماري في الشتاء
TT

وايومنغ... ولاية المساواة والأكثر ثراءً في أميركا

بحيرة ماري في الشتاء
بحيرة ماري في الشتاء

الزيارة إلى ولاية وايومنغ الأميركية هي عبور زمني نحو الماضي؛ فهي من الولايات القليلة التي حافظت على طبيعتها التاريخية منذ زمن الهنود الحمر. وهي الأقل تعداداً بين الولايات الأميركية، وفي إحدى مقاطعاتها، «تيتون كاونتي»، يسكن أغنى أثرياء أميركا بقياس الدخل الفردي، على رغم الاعتقاد الشائع بأن حي مانهاتن في نيويورك هو الأكثر ثراءً. ولا تفرض وايومنغ أي ضرائب على مواطنيها باستثناء ضريبة مبيعات نسبتها 4 في المائة.
ويتمتع الزائر إليها بطبيعة جبلية خلابة تنتمي إلى الغرب الأميركي يمكن تفقد جمالها بسيارة رباعية وقضاء عطلة لا تنسى في بقعة لم يكتشفها السياح العرب بعد. ولا يزيد تعداد الولاية التي تبلغ مساحتها 98 ألف ميل مربع على 580 ألف نسمة. وفي مقاطعة تيتون الثرية لا يزيد التعداد على 18 ألف نسمة، بينما لا يزيد على 2500 نسمة في مقاطعة نيوبرارا، أقل المقاطعات تعداداً في الولاية.
وتغطي الجبال ثلثي أراضي الولاية، وهي جزء من سلسلة جبال روكي، بينما يتكون الثلث الأخير من المراعي. وتملك الحكومة الأميركية نصف أراضي وايومنغ، التي تشمل محميتين طبيعيتين، هما «يلو ستون» و«غراند تيتون»، بالإضافة إلى الغابات والأنهار والبحيرات والمواقع التاريخية.
كان يسكن الولاية الكثير من قبائل الهنود الحمر قبل أن يتوالى عليها الاستعمار الإسباني، ثم الأميركي بعد ذلك. وإذا كان الهنود الحمر قد خسروا المواجهة العسكرية في وايومنغ، فقد انتصروا معنوياً بالثقافة السائدة التي من بينها اسم الولاية وأسماء الكثير من المدن والمقاطعات فيها.
وتجذب الولاية السياح الأثرياء والمغامرين من ذوي الاهتمام بالطبيعة وما تُخفيه من تاريخ.
من الزوار التاريخيين، نذكر الألماني جاكوب ازدا الذي اكتشف ممراً بين الجبال إلى المحيط الهادي لتصدير منتجاته إلى العالم. بعد أن نجح تجارياً انتقل إلى نيويورك واشترى معظم أراضي جزيرة مانهاتن وبنى فندق والدورف استوريا الشهير. زائر آخر هو الثري جون روكفيلر الذي اشترى مساحات شاسعة من الأراضي في الولاية، وعند وفاته تركها كلها للدولة لتكون «محمية تيتون» الطبيعية.
والآن يجد الأثرياء الأميركيون ملاذاً في وايومنغ من الضرائب ويلجأون في الغالب إلى منطقة تيتون من أجل بناء المزارع والقصور والفلل للإقامة الدائمة أو الموسمية. وسوف يجد السياح في مدينة جاكسون مظاهر هذا الثراء من متاحف وبيوت مزاد وقاعات فنية تحوي لوحات وقطعاً بملايين الدولارات، جنباً إلى جنب محال بيع التحف والهدايا السياحية. وفي مطار المدينة تصطف الطائرات الخاصة على أرض المطار في أكبر تشكيلة من نوعها بين المطارات التجارية الأميركية، لدرجة أن بعضها يصطف على الحشيش الأخضر لعدم وجود مساحات كافية على أرض المطار الخرسانية.
تجذب المنطقة أيضاً هواة صيد الأسماك وإقامة المعسكرات الصيفية. وفي إحصاء جرى عام 2017 كان وادي جاكسون هول في وايومنغ هو الأفضل لإقامة المعسكرات على مستوى 50 ولاية أميركية. وتضع هيئة السياحة في جاكسون هول 20 كاميرا لتصوير مشاهد المدينة عن بعد للسياح المحتملين. ويشاهد هذه الكاميرات نحو ألفي شخص حول العالم في أي وقت من النهار أو الليل. وفي الشتاء يستمر النشاط السياحي في المنطقة حول منتجعات التزلج على الجليد التي تنتشر على المسطحات الجبلية، التي يكسوها الجليد خلال فصل الشتاء. وتنتشر في المنطقة الدببة والوعول وحيوانات الموس وثيران بايسون. ويختار السياح من بين الكثير من المنتجعات في أرجاء جاكسون هول مثل سنو كنغ وغراند تارغي، وكلاهما للتزلج على الجليد، بالإضافة إلى الكثير من الفنادق وبيوت الشباب.
ومع ذلك، لا تستمد وايومنغ ثروتها من السياحة، بل من التعدين ومصادر الطاقة من الفحم والنفط والغاز الطبيعي والرعي والزراعة. وهي ذات مناخ قاري شبه جاف، وتتغير فيها درجات الحرارة بين 31 درجة مئوية خلال شهر يوليو (تموز) و11 تحت الصفر في ليالي شهر يناير (كانون الثاني). وهي من الولايات ذات الميول السياسية الجمهورية المحافظة منذ الستينات.
ويمر بالولاية تسعة أنهار يصب بعضها في المحيط الهادي، وبعضها الآخر في خليج المكسيك، وفي أنهار أكبر منها مثل نهر ميسوري ونهر كولومبيا. وتوجد 32 جزيرة في الولاية تقع في بحيرات، مثل بحيرة جاكسون وبحيرة يلو ستون، في حين تقع بعض البحيرات في مسار نهر غرين ريفر في جنوب غربي الولاية.
وتتكون وايومنغ من 23 مقاطعة، أشهرها مقاطعة لارامي، وتقع فيها عاصمة الولاية وهي مدينة شايين. ومن أكثر المناطق ثراءً مقاطعة تيتون في أقصى غرب الولاية بموازاة ولاية إيداهو.

سياحة الأثرياء
تبدو صناعة السياحة ناشئة في وايومنغ وأشهر مناطقها مقاطعة «تيتون كاونتي» ووادي «جاكسون هول» الذي يقع فيه المطار بالاسم نفسه. ويمكن الطيران إلى جاكسون هول برحلات داخلية من مختلف المدن الأميركية، خصوصاً من شيكاغو ودنفر. ولذلك؛ يحتاج السائح الأجنبي إلى رحلتي طيران للوصول إلى جاكسون هول، أو استخدام شبكة الطرق السريعة التي تربط وايومنغ بالولايات المجاورة.
وتعتبر «تيتون كاونتي» هي أكثر مناطق أميركا ثراءً بالمقارنة إلى عدد السكان، حيث تتفوق بهوامش كبيرة عن مانهاتن وفلوريدا وبوسطن وبالم بيتش. ومن الوجوه المألوفة في «تيتون كاونتي» كل من هاريسون فورد وبراد بيت وكريستي والتون صاحبة محال «وول مارت» وبيل غيتس مؤسس «مايكروسوفت». ويجتمع في مدينة جاكسون هول سنوياً محافظو البنوك المركزية في العالم لرسم السياسات المالية الدولية. لذلك؛ لم يكن غريباً أن تُدشن فيها أحدث وأغلى سيارة رباعية من «رولزرويس» مؤخراً، ولا سيما أنها بمواصفاتها التقنية مناسبة جداً لطبيعية المنطقة، من حيث المناطق الجبلية والقدرات المالية على حد سواء.
الرياضات التي يمكن القيام بها في المنطقة متعددة، وأهمها ركوب الخيل، والطيران بطائرات مروحية صغيرة، والسباحة وصيد الأسماك، وتسلق الجبال، والرحلات النهرية، ومشاهدة الحيوانات البرية. لكن يحتاج التجول في المنطقة إلى استئجار سيارة رباعية، حيث القيادة على طرق شبه خالية وأماكن صف السيارات في مدينة جاكسون متوافرة مجاناً. ويمكن أيضاً الاسترخاء في المنتجعات والتمتع بخدمات سبا والنوادي الصحية. ويصل عدد السياح السنوي إلى وايومنغ إلى نحو ستة ملايين سائح نصفهم يأتي لزيارة محمية يلو ستون التي تعد أول محمية طبيعية في العالم. لكن عوامل الجذب السياحي في وايومنغ تتنوع بين طبيعة الغرب الأميركي وتاريخه المرصع بأساطير الكاوبوي والمشاهد الأسطورية للجبال والوديان التي تمتد لمدى النظر. ويمكن للزائر أن يرى مشاهد مماثلة تماماً لما يشاهده في أفلام الغرب الأميركي إلى درجة تخيل نجوم السينما التاريخيين، مثل جون واين وكلينت ايستوود وهم يجولان في شوارع المدن التقليدية مثل جاكسون هول. وقد تم تصوير أول أفلام جون واين في المدينة في عام 1930 وكان اسمه «ذا بيغ تريل». كما تم تصوير أفلام شهيرة متعددة في المنطقة، منها «الرقص مع الذئاب» و«جانغو» و«بيغ سكاي» و«روكي 4».
الرحلة إلى وايومنغ شاقة وتحتاج إلى رحلتي طيران أو ثلاث رحلات، بالإضافة إلى تعقيدات وروتين الدخول إلى أميركا هذه الأيام، لكنها في النهاية رحلة مجزية وتبقى في الذاكرة مدى الحياة. وهي تهم الباحثين عن كل جديد وهواة الطبيعة الجبلية النقية، وربما أيضاً عشاق الغرب الأميركي بكل ما فيه من أساطير طالما رصعت الشاشات الفضية على مر عقود.

لمحات جانبية:

- انضمت وايومنغ إلى الولايات المتحدة في عام 1890 وكان ترتيبها الولاية الـ44 من مجموع 50 ولاية الآن.
- يمثل الولاية علم عليه ثور تقليدي من نوع بايسون الذي كاد أن ينقرض من كثافة صيده من أجل صناعة الجلود.
- تعتبر رياضة الروديو، وهي ركوب الخيول البرية والثيران، من أشهر رياضات الولاية، وتقام لها مسابقات دورية في الكثير من المدن، كما أصدرت الولاية عملة فضية تذكارية في عام 2007 عليها شعار رياضة الروديو.
وما زال للهنود الحمر محمياتهم التي تُعرف بـ«Reservations». أكبرها هي «ويند ريفر» التي تضم 7500 من الهنود الحمر وتقع في منتصف الولاية، وتأسست بعد معاهدة بين الهنود الحمر والحكومة الفيدرالية في عام 1868. وما زالت قبيلتا شوشون واراباهو تتمتعان بالحكم الذاتي وتسيطران على الأراضي والموارد الطبيعية فيها إلى الوقت الحاضر.
- تشتهر وايومنغ في التاريخ الأميركي بمنح النساء حقوقهن السياسية بداية من التصويت في عام 1869 وحتى منصب المحافظ في عام 1925؛ ولذلك تتمتع الولاية حتى الآن بلقب «ولاية المساواة». لكن وايومنغ كانت أيضاً مسرحاً للكثير من الصراعات ليس فقط مع الهنود الحمر، وإنما أيضاً بين رعاة البقر المتنافسين على المراعي والمياه.


مقالات ذات صلة

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.