لبنان على أبواب ورشة الإصلاحات بشروط «سيدر»

الحريري يضغط لترشيد الإنفاق... ونواب يطالبون بوقف «الوظائف الوهمية»

 ناشط لبناني نائم داخل قفص في ساحة الشهداء في بيروت احتجاجاً على سياسات النخب (أ.ف.ب)
ناشط لبناني نائم داخل قفص في ساحة الشهداء في بيروت احتجاجاً على سياسات النخب (أ.ف.ب)
TT

لبنان على أبواب ورشة الإصلاحات بشروط «سيدر»

 ناشط لبناني نائم داخل قفص في ساحة الشهداء في بيروت احتجاجاً على سياسات النخب (أ.ف.ب)
ناشط لبناني نائم داخل قفص في ساحة الشهداء في بيروت احتجاجاً على سياسات النخب (أ.ف.ب)

أطلقت الدولة اللبنانية ورشة تنفيذ الإصلاحات الإدارية والمالية التي يشترط مؤتمر «سيدر» تنفيذها، وهي بدأت بقرارين وجههما رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى الوزارات والإدارات، دعاهم فيها إلى ترشيد الإنفاق وضبط الهدر، وصولاً إلى إجراءات تأديبية باشرت مؤسسات المؤسسات القضائية والرقابية اتخاذها.
وطلب الرئيس الحريري في تعميم أصدره، أمس، من جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات والمجالس والصناديق والهيئات «توخي المصلحة العامة والتقيد بسياسة ترشيد الإنفاق، والتشدد في إعطاء من يستحق من العاملين المكافأة السنوية ضمن سقف الاعتمادات المتاح استعمالها في هذا المجال». وفي تعميم آخر، دعا الحريري جميع المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وكافة الهيئات والإدارات ذات الموازنات الملحقة، والمحتسبين، إلى «مراعاة أحكام القانون المتعلق بالسرية المصرفية، على كل شخص، بما فيه إدارات الدولة والمؤسسات العامة والبلديات واتحاد البلديات كافة وكذلك الهيئات المختلفة في القطاع الخاص والنقابات، والتعاون مع السلطات الضريبية وإعطائها المعلومات التي تطلبها للقيام بمهامها». وشدد على «التزام وتقيد المشمولين بأحكام هذا القانون، والتعاون مع الإدارة الضريبية، بما يسهل معاملات المكلفين الملتزمين منهم بموجباتهم الضريبية كما يتيح لهذه الإدارة بالمقابل، تحديد المكلفين غير الملتزمين ضريبيا ومتابعة الإجراءات المحددة قانونا بحقهم بما يحفظ حقوق الخزينة العامة بالمال العام».
وشدد الرئيس المكلّف على «الطلب من جميع المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وكافة الهيئات والمجالس والصناديق والإدارات ذات الموازنات الملحقة والمحتسبين، باستبدال مستند براءة الذمة المالية المطلوب لتقديم عروض صفقات الأشغال واللوازم والخدمات أو للتعاقد بشأنها، بنسخة مصدقة عن شهادة تسجيل العارض أو المتعاقد معه لدى وزارة المالية، واستبدال مستند براءة الذمة المالية، المتوجب تقديمه لدفع المستحقات إلى المكلفين المتعاملين مع المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وكافة الهيئات المجالس التابعة لكل منها، بإفادة صادرة عن مديرية الخزينة في وزارة المالية».
وتتقاطع هذه الإجراءات، مع مقررات مؤتمر «سيدر» التي تحض الحكومة اللبنانية على الشروع بإصلاحات مالية تقلّص عجز الموازنة، وتقفل مزاريب الهدر والإنفاق غير المجدي، وشدد عضو كتلة «المستقبل» النائب نزيه نجم، على أن «التعاميم والقرارات التي يتخذها رئيس الحكومة، تأتي في سياق الخطة الإصلاحية لوقف الهدر في مالية الدولة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن المطلوب «إجراءات صارمة لمحاربة الفساد ووقف عشوائية التوظيف في المؤسسات العامة»، لافتاً إلى أن الحريري «ينبّه الوزراء أنهم في مرحلة تصريف أعمال، وعليهم وقف التوظيف من خارج قرارات مجلس الوزراء». وكشف أن «الدولة ترزح الآن تحت عبء 300 ألف موظف، والمفارقة أن القطاع العام بات أكبر من القطاع الخاص، وهذا مخالف للطبيعة».
وبموازاة الاندفاعة السياسية، ثمّة ترقب وحذر لتطورات الوضع المالي في لبنان، والذي ينذر بمخاطر كبيرة. يرى الخبير الاقتصادي الدكتور سامي نادر، أن «التعليمات التي أصدرها رئيس الحكومة، باتت أكثر من ضرورية». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «البلد لا يمكن أن يستمر مع عجز الخزينة بمعدل 7 مليارات دولار سنوياً، وعجز بنحو 4 مليارات دولار في ميزان المدفوعات، وتراجع نسبة الإيرادات، وغياب النمو الاقتصادي». ويشير إلى أن سلسلة الرتب والرواتب التي أعطيت لموظفي القطاع العام، أدخلت البلد في أزمة كبيرة، «وللأسف اعتقدوا (السياسيون) أن أموال السلسلة قد تأتي عبر الضرائب الجديدة، لكنهم تفاجأوا بتراجع عائدات الدولة من الضرائب بسبب الانكماش الاقتصادي».
في هذا الوقت، اتخذت الهيئة العليا للتأديب برئاسة القاضي مروان عبود، قرارا قضى بـ«عزل أحد المستخدمين في مصالح المياه، على خلفية إقدامه على قبض مبالغ من المشتركين احتفظ بها ولم يودعها حساب المصلحة في مصرف لبنان، وقيامه بطبع إيصالات غير الإيصالات المعتمدة من قبل المصلحة وتسليمها للمشتركين، كذلك احتفاظه بالمبالغ المدفوعة من قبلهم والتي وصلت إلى حدود 230 مليون ليرة لبنانية (153 ألف دولار أميركي)، وقد أعاد قسماً من هذه الأموال بعد اكتشاف أمره». وطلبت الهيئة العليا للتأديب من الجهات المختصة بـ«اتخاذ الإجراءات الآيلة لاسترداد الأموال المنهوبة، إضافة لحرمان الموظف من كافة تعويضات نهاية خدمته».
إلى ذلك، أعلن رئيس لجنة الاتصالات النيابية، النائب حسن فضل الله، أن «هناك آلاف الوظائف الوهمية في القطاع العام، وهناك استغلال من قبل بعض الوزراء والإدارات، وكلّ من يعمل على ضوء المصالح الخاصة والمحسوبيات الضيقة». ورأى أن «موضوع الوظائف الوهمية يطال حقوق الشباب اللبناني من جميع الجهات والطوائف وحقوق الشباب في الحصول على فرص عمل داخل مؤسسات الدولة وفق معيار الكفاءة، خاصة في وقت البطالة والبطالة المقنعة، وبينهم آلاف الخريجين والخريجات لا يجدون الأعمال». وذكّر فضل الله بالقانون الذي صدر منذ عام «ويمنع جميع حالات التوظيف والتعاقد إلا بقرار من مجلس الوزراء بناء على تحقيق»، مؤكداً أنه «لا يحق لأحد أن يلجأ إلى التوظيف العام خارج الأطر القانونية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.