يعول المعلم اليمني عبد الله حفظ الله (45 عاما) أسرة مكونة من 12 فردا. ويعتمد طوال 24 عاما وهي مدة عمله في حقل التدريس لدى مدرسة «أساسية السلام» في مديرية السلفية بمحافظة ريمة (غرب اليمن)، على الراتب الشهري، كمصدر وحيد للمعيشة، شأنه في هذا شأن الآلاف من زملائه في قطاع التعليم بريمة.
ولا أمل بعودة راتبه الشهري المنقطع منذ سبتمبر (أيلول) 2016. أكثر من محاولاته تناسي قسوة المتطلب المعيشي له ولأسرته، والنزول عند مساهمات المجتمع على تواضعها، ثم قبل ذلك المسؤولية الإنسانية والأخلاقية تجاه الحق المؤكد للأبناء في التعليم.
وطوال الفترة المنصرفة على انقطاع الراتب، يواجه عبد الله متطلبات المعيشة لأسرته: «بما أمكن من التكافل الأسري والمجتمعي».
ويؤكد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» رفض المنظمات الإغاثية حتى اليوم إدراج المعلمين ضمن كشوفات المستهدفين من نشاطها الإغاثي في المنطقة، لكن يحدث أن يبادر المستهدفون أنفسهم في مناصفة حصصهم الإغاثية مع غير المشمولين في قوائم المنظمات، وبينهم معلمون.
ودون إخفاء شعوره بالإحباط، لا يعتقد عبد الله أن تتولى السلطات التربوية الخاضعة للحوثيين، زمام المبادرة، في إيجاد حلول ولو مؤقتة، تمنح المعلمين وثوقا بالوقوف إلى جانبهم، أو تشجع على عودة «المتسربين» من المعلمين، إلى سوق العمل في المطاعم وبيع القات أو العمل في مدارس خاصة، والذين يشكلون ما نسبته 40 في المائة طبقا لإدارة الخريطة المدرسية.
والمؤمل هنا، من وجهة نظره، أن «تأخذ المبادرات المجتمعية بالاعتبار مضاعفات أعباء الواقع اقتصاديا ومعيشيا، حتى تحقق الكفاية في الحدود الدنيا».
عام آخر بلا رواتب
منذ منتصف سبتمبر الماضي، دشنت السلطات المحلية بمحافظة ريمة العام الدراسي الجديد وقالت في تصريحات إنها تعمل على «إيجاد الحلول العاجلة لتوفير ما يؤمن الحياة المعيشية للمعلمين في مختلف المديريات، وبما يمكنهم من أداء مهامهم التربوية والتعليمية بالشكل المطلوب».
لكن، لا يبدو الوضع التعليمي مثاليا أو كما يجب، بالنظر إلى استمرار حرمان المعلمين من رواتبهم منذ أكثر من عامين، وفقا لإفادة المختصين بالتعليم العام في المحافظة.
غير أن المختصين يؤكدون «بدء العملية التعليمية من منطلق الشعور بالمسؤولية الإنسانية والوطنية والأخلاقية تجاه ما يزيد على 110 آلاف طالب وطالب، هم قوام المتقدمين للعام الدراسي الجديد، والذين ليس لهم ذنب في أن نبادلهم الحرمان من حقهم المكفول في التعليم».
وتواصل - للعام الثاني على التوالي - مبادرات مجتمعية في الكثير من عزل وقرى مديريات المحافظة التي تبعد عن العاصمة صنعاء نحو 200 كيلومتر، بهدف الدفع بالعملية التعليمية، حتى لا تصاب بالتوقف، وسط عجز السلطات المحلية الخاضعة للحوثيين، عن تقديم الحلول الممكنة للأزمة التي تعصف بواقع معيشة المعلمين، وبواقع التعليم عموما.
ويتفق الأهالي على المساهمة بمبلغ شهري عن كل طالب، ويتلقى كل معلم معونة مادية شهرية - وفقا لهذا الإجراء - لا تقل عن 50 ألف ريال يمني (نحو 70 دولارا)، وتعتمد بعض المدارس في تقديم العون للمعلمين على مبادرات المغتربين أو التجار من أبناء المنطقة.
وتوقفت المعونات التي كانت تقدمها جمعيات خيرية للمعلمين في بعض المديريات، حتى مطلع العام المنصرم، وتكتفي المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال الإغاثة والعمل الإنساني بمنح الوعود في تقديم المساعدات والمعوقات لفئة المعلمين، بحسب تعبير مسؤول محلي في المحافظة.
مبادرات المجتمع... فرس الرهان
لضمان مسألة مواصلة العام الدراسي الحالي، في أكثر من 600 منشأة تعليمية أساسية وثانوية موزعة على مختلف المديريات، يقول المسؤولون التربويون: «نراهن على أشكال المبادرات المجتمعية في أكثر من منطقة من مناطق المحافظة، بالإضافة إلى تفاعل المعلمين مع هذه المبادرات». على أمل أن يتم إنفاذ المبادرة التي تقدمت بها اليونيسف بالشراكة مع منظمات دولية أخرى، والتي تقضي بدفع أجور المعلمين، وبواقع 50 دولارا لكل معلم، حتى لا تتوقف العملية التعليمية، ويحرم الملايين من الأطفال والشباب من الحق في التعليم.
ووصف أحد المسؤولين التربويين، إجراء انقطاع الراتب الشهري عن المعلمين على وجه التحديد، بأنه غير مبرر على الإطلاق.
وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بما أن الخدمة التي يقدمها المعلمون والمعلمات هي لكل المجتمع بفئاته وشرائحه، فلا مبرر لإخضاع التعليم لشروط الصراع والنزاعات». وأضاف: «حرمان المعلمين من الراتب، لا يستهدفهم فقط، وإنما يستهدف الملايين من الملتحقين بالتعليم، كما يعود بالضرر على مستويات التحصيل العلمي، والعملية التعليمية برمتها».
وخلال العامين الماضيين، توقفت العملية التعليمية في عدد غير قليل من المدارس في مديريات المحافظة: وتعثرت عملية تدريس بعض المواد والتخصصات العلمية في مدارس أخرى، وذلك لعدم وجود المعلمين الذين أغلبهم من محافظات أخرى، وتم حرمان ما يزيد على 30 ألف طالب وطالبة من مواصلة عامهم الدراسي. وفقا لما ذكرته الإدارة العامة للخريطة المدرسية.
«لا نلوم المعلمين»
أدى انقطاع الراتب الشهري عن 3800 معلم ومعلمة، يمثلون قوام المنتسبين لقطاع التعليم في المديريات الست للمحافظة، إلى تراجع الأداء والفاعلية والانضباط، كما انخفضت مستويات التحصيل العلمي، و«التحاق العشرات من الطلاب الذين لم يتمكنوا من مواصلة الدراسة، بجبهات القتال»، هكذا قال المسؤول المحلي في مديرية السلفية محمد أحمد علي، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لإنقاذ اليمن من براثن حرب مستعرة لا نهاية لها، وهي الحرب التي تقود في إحدى نتائجها إلى متوالية إلحاق الضرر بالتعليم والمستقبل المتمثل بالأطفال والشباب.
غير أنه في سياق الدور المفترض للمجتمع المحلي، إزاء محنة التعليم راهنا، يتفق على عدم إلقاء اللوم على المعلمين، لكن هناك أمل في تقدير التفاعل المجتمعي تجاه متاعبهم، ومحاولات المجتمع تقديم العون لهم. وقال: «لا يجب أن نلوم المعلمين، وهم يواجهون ظروفا بالغة القسوة، وتحت ضغط فقدان الراتب الشهري، العائل الوحيد لأسرهم ومعيشتهم، لكننا نأمل تقديرهم لما يبديه المجتمع المحلي من تفاعل وأشكال دعم - وإن بدت متواضعة - لشخوصهم ورسالتهم ومهمتهم».
التعليم لا ينتظر
تفيد تقارير المنظمات الدولية، بأن الحرب دفعت ما لا يقل عن نصف مليون طفل يمني خارج مقاعد الدراسة منذ عام 2015. وهناك 3.7 مليون طفل آخرين معرضون لخطر خسارة العام الدراسي الحالي إن لم تُدفع رواتب المعلمين.
وحذرت من أن يؤدي المزيد من التأخير في دفع رواتب المعلمين إلى انهيار قطاع التعليم، مما سيؤثر على ملايين الأطفال في اليمن فيجعلهم عرضة لعمالة الأطفال والتجنيد في القتال، أو عرضة للاتّجار ولسوء المعاملة وكذلك للزواج المبكر.
ودعت في يوم المعلم العالمي، الخامس من أكتوبر (تشرين الأول)، كل من مبادرة «التعليم لا يمكن أن ينتظر»، و«الشراكة العالمية للتعليم» واليونيسكو واليونيسف، إلى استئناف دفع رواتب المعلمين اليمنيين والبالغ عددهم 145 ألف معلّم يعلّمون الأطفال تحت ظروف في غاية الصعوبة تهدد حياتهم. وتحمل المبادرات عنوان «الحق في التعلّم يعني الحق في وجود معلّم مؤهّل».
وشددت المنظمات الفاعلة في حقل الطفولة والتعليم، في بيان مشترك، على أنه لم يعد بإمكان المعلمين الذين لم يحصلوا على رواتبهم بشكل منتظم لمدة عامين تلبية احتياجاتهم الأساسية جدّاً، مما دفعهم للبحث عن طرق أخرى للحصول على الدخل لإعالة عائلاتهم.