«الاحتواء» و«التحييد»... استراتيجية جديدة مع متطرفي إدلب منعاً لـ«ردكلة» الآخرين

وسط مخاوف من توحّد تيارات متشددة ووصولها إلى عاصمة المحافظة

شكل وجود التنظيمات المتطرفة عقبة امام أي حل
شكل وجود التنظيمات المتطرفة عقبة امام أي حل
TT

«الاحتواء» و«التحييد»... استراتيجية جديدة مع متطرفي إدلب منعاً لـ«ردكلة» الآخرين

شكل وجود التنظيمات المتطرفة عقبة امام أي حل
شكل وجود التنظيمات المتطرفة عقبة امام أي حل

لم يُنهِ الاتفاق التركي - الروسي في مدينة سوتشي الروسية، الأسبوع الماضي، «الوضع الدقيق» في محافظة إدلب السورية، وذلك بالنظر إلى غياب أي استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع التنظيمات المتطرفة التي شكَّل وجودها في المنطقة عقبة أمام أي حل. وتُعدّ مهمة فصل هذه التنظيمات عن الفصائل المعتدلة معقدة، وكذلك تفكيك «هيئة تحرير الشام» وفصلها عن تنظيم «القاعدة»، في حين يتخوف مراقبون من أن يؤدي الضغط على هذه التنظيمات إلى التفافها مرة أخرى، كما يحذرون من وصول الأطراف الأكثر تشدداً إلى المدن، واتحادها مع الأفراد المتشددين، ما يزيد الأمر تعقيداً.
«اتفاق سوتشي» الأخير بين تركيا وروسيا حول الوضع في سوريا، كان من شقين: أولهما «احتواء» المتشددين، وثانيهما «تحييدهم» عن المدن، ومنع اتصالهم بها. لكن هذه المهمة، في ظل رفض متطرفين للاتفاق، ينذر بمخاطر، أبرزها التقديرات بشنِّ عمليات على القوات التركية في إدلب أو في تركيا نفسها، فضلاً عن تقويض الجهود لتفكيك مسارات المتشددين عن «القاعدة»، وسط معلومات عن وجود مئات المقاتلين الأجانب الأكثر تطرفاً، الذين لا يبدو أن هناك أي أفق لحل معضلة وجودهم.
وبالفعل، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن عدة فصائل مسلحة رفضت الاتفاق التركي - الروسي الذي عُقِد عقب اجتماع الرئيسين رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين في سوتشي يوم الاثنين الماضي. وقال «المرصد» في بيان له إن «كلا من فصائل حراس الدين وأنصار التوحيد وأنصار الدين وأنصار الله وتجمع الفرقان وجند القوقاز برفقة فصائل راديكالية أخرى عاملة ضمن هيئة تحرير الشام، رفضت الانسحاب من خطوط التماس مع قوات النظام الممتدة من جسر الشغور إلى ريف محافظة إدلب الشرقي مروراً بريف محافظة حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي الشرقي».
وأضاف أن «هذه الفصائل أبدت استعدادها لمجابهة أي طرف يسعى لسحب سلاحها وإجبارها على الانسحاب من نقاطها الواقعة، بل على النقيض من ذلك، ستبقى على نقاطها لقتال الجيش النصيري والكفار الروس»، وفق تعبيرها. وحسب «المرصد»، لم يُعلَم بعد ما إذا كانت الجبهة الوطنية ستتولى قتال هذه الفصائل، خصوصاً بعد الشحنات الكبيرة التي أدخلت لها من تركيا على مدار ثلاثة أيام متواصلة بدءاً من 10 سبتمبر (أيلول) الماضي.

«ردكلة» التنظيمات
جدير بالذكر، أن محافظة إدلب غدت الملاذ الوحيد لفصائل المعارضة السورية ورافضي التسوية مع نظام دمشق، والتنظيمات المتشددة، وذلك بعدما استعاد النظام (بدعم روسي) السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد ضمن استراتيجية «المصالحات» القسرية، ومن هنا، كانت التحذيرات من أن تتحول أي معركة إلى كارثة عالمية، في حال فشلت المباحثات الروسية – التركية في تجنُّبها.
الكارثة الناجمة عن الحرب تتخطى الجانب الإنساني المتوقَّع، الذي يتمثل في دفع موجة جديدة من النازحين باتجاه وأوروبا، أو مقتل آلاف المدنيين جراء المعارك في منطقة محصورة ومكتظة يقدر عدد سكانها الآن بنحو 3.5 مليون شخص، إذ إن الانعكاسات المحتملة على العالم أيضاً، تتمثل في «ردكلة» التنظيمات المعتدلة، أو تلك السورية القريبة من تنظيم «القاعدة» وتتشارك معه في آيديولوجية واحدة. ويشرح الدكتور حسن أبو هنية، الباحث في ملفات الجماعات المتشددة، هذا الأمر بالقول: «كان الدخول في معركة يمثل خطراً بالغاً، بالنظر إلى أن انعكاساته بالتأكيد ستكون على الفصائل المتشددة، وكنا سنشهد استقطابات راديكالية، وهي أمور ذهبت أدراج الرياح الآن بفعل الاتفاق».
ويتابع أبو هنية: «بهذا الاتفاق، تم تجنب معركة أكثر تعقيداً؛ فالدم يوحد التنظيمات والأفراد، ويرفع مستوى (الردكلة) في صفوفهم»، لافتاً إلى انه حين تتضاعف المخاطر الوجودية «ستتشدِّد الفصائل، ويتوحَّد الأفراد المتشددون، وهو منطق طبيعي لأنه تنعدم الخيارات»، ثم يشير إلى أن تجربة الآخرين قبل الوصول إلى إدلب، «أثبتت أن الخيارات كانت معدومة، فإما الاعتقال في سجون النظام أو المصالحة معه وقتال زملاء لهم آخرين على الجبهات، أو التشدد، ومن هنا كان لا بد من الطريقة الروسية - التركية».
وتمزج الطريقة الروسية في التعامل مع الملف السوري، بين التسوية والتصعيد العسكري. لكن الجانب الأخير، لم تستطع روسيا تنفيذه في إدلب، كونه يشكل حالة مختلفة. وحسب أبو هنية، فإن «التصعيد في إدلب ينطوي على مخاطر في ظل وجود حركات متشددة، وتحاول تركيا منذ لقاءات (آستانة) و(سوتشي)، أن تفكك هيئة تحرير الشام وتدمجها مع الفصائل في تشكيلات جديدة، لكن تلك السيناريوهات بأكملها لم تنجح، ووضعتها على لائحة الإرهاب»، وذلك بعدما صنَّفتها الولايات المتحدة ضمن الإطار نفسه. ويستطرد الخبير في شؤون الجماعات المتشددة قائلاً إن «عملية تفكيك النصرة لم تنجح، ودخلت تركيا، التي لها نفوذ على بعض أطراف الهيئة، في عملية دينامية لتفكيكها. وشاهدنا تشكيلات وانسحابات، لكن الهيئة أخيراً بقيت مع مجموعة من الحلفاء قائمة».
ومن ناحية ثانية، يرى محللون أن الاتفاق لا يعني تجنيب إدلب الخيار العسكري بالمطلق. وتؤكد الدكتورة لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط في «شاتام هاوس» بالعاصمة اللبنانية بيروت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن الاتفاق «لا يضمن أن الهجوم على إدلب لم يعد مطروحاً على الطاولة مستقبلاً». وتضيف: «يجب النظر إلى الاتفاق الدولي على أنه بداية المسار فقط، لكنها ليست النهاية بالنسبة إلى إدلب».

ثلاثة تيارات متشددة
يقسم المتطرفون في شمال سوريا إلى 3 تيارات: أحدها يميل للاتفاق مع تركيا. والثاني أكثر تشدداً ويرفض منطق التسويات. أما الثالث فيتألف من مجموعة المقاتلين الأجانب الأكثر تطرفاً، وهؤلاء يتخذون من منطقة ريف محافظة اللاذقية الشرقي ملاذاً لهم، ويتألفون من مجموعات مثل «الحزب التركستاني» والمقاتلين الإيغور و«التاجيك» و«حراس الدين»، وهم من المتشددين الأردنيين في سوريا، وبقايا جند الأقصى، ويتميز هؤلاء بالتنافس مع «النصرة».
وتمتد المنطقة التي يُفترض أن تكون منزوعة السلاح، بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً في المحافظة التي تسيطر على الجزء الأكبر منها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى مدعومة من تركيا. ويفرض الاتفاق الروسي التركي الجديد على الفصائل المعارضة إخلاء المنطقة المعنية من السلاح الثقيل، على أن ينسحب منها المقاتلون المتشددون. لكن لا يعرف بعد ما هي الآلية التي ستعتمد لتطبيق هذا الاتفاق.
وبالإضافة إلى كونها آخر معقل للفصائل، شكلت محافظة إدلب على مدى السنوات الماضية ملجأ لعشرات آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين الذين رفضوا اتفاقات تسوية مع النظام وأجبروا على مغادرة مناطقهم والانتقال إليها.
ويبدو الاتفاق تكريساً لمنطق فصل المتشددين، وحرمانهم من ذرائع تجمعهم وتزيدهم تشدداً، بينما يذهب المتشددون الرافضون للتأقلم مع الوضع الجديد، في إطار فردي أكثر. ويؤكد المراقبون والمتابعون أن إدلب هي مركز ثقل الحركات المتطرفة، وتتطلب عملية فصل المجموعات المعتدلة والأقل تشدداً والديناميكية القادرة على التكيف مع الوضع الجديد، عن المتطرفين في عملية تسبق إطلاق عملية سياسية. لكنهم يرون هذا التحول «سيتعرض لصدامات، ونشهد مواجهات في الداخل بين القوى المعتدلة والمتطرفة، وبين تركيا والجماعات الرافضة لتسوية أمورها».
عودة إلى أبو هنية، الذي يقول إن «الصدامات ستقع بالتأكيد، لكنها ستكون محدودة... وسنشهد عمليات عسكرية ضمن تكتيك مكافحة التمرد عبر قوات خاصة، من غير أن نشهد أي عملية عسكرية واسعة النطاق من شأنها أن تعيد ربط الحركات المتشددة مع بعضها». ويشدد على أن عملية فك التنظيمات والمتشددين في إدلب «تحتاج إلى عمل صبور وشاق، كونها مختلفة عما جرى الأمر عليه في الجبهة الجنوبية أو محافظة ريف دمشق أو محافظتي حمص وحلب».
آلية العمل، يراها أبو هنية متشعبة، بينها «عن طريق دينامية المظاهرات ورفض الناس للنصرة، وتكتيكات مركبة، جزء منها عسكري، واستمالة أجزاء من هيئة أحرار الشام بغرض إجراء تفكيك بطيء». وبدأت تركيا تنفيذ الجانب الأخير في صيف عام 2017 إثر اتفاقات «آستانة»، إلا أنها لم تنجح، حتى هذا العام، في تفكيك «هيئة تحرير الشام» بالكامل، رغم أنها دعمت إنشاء «الجبهة الوطنية للتحرير».

عبء على تركيا
ولا تمثل هذه الجماعات، على اختلافها وتنوعها بين مرتبط بـ«القاعدة» أو زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، حتى الآن عبئاً على تركيا. والسبب أنها تنظر إلى تركيا على أنها مجرد ممر، كما أنه ليس في استراتيجيتها استهداف تركيا، رغم الجدل العالمي الذي تصاعد أخيراً في صفوف بعض التيارات المتشددة، وبينها من هو مرتبط بـ«داعش»، حول تكفير الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أو حزب «العدالة والتنمية». بيد أن الأمر قد يتحول إلى عبء عليها في حال التضييق على تلك الجماعات، تكراراً لتجربة «داعش»، الذي أطلق هجمات داخل الأراضي التركية عندما بدأت عمليات ضد التنظيم في ريف محافظة حلب الشمالي ضمن عمليات «درع الفرات».
ومن جهته، يشرح الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن تطبيق الاتفاق «سيكون حافلاً بالمخاطر وللطرف التركي أكثر من غيره، كونه تحمل مسؤولية التعامل مع هيئة تحرير الشام». ويضيف: «يُتوقع أن تقاوم هيئة تحرير الشام اتفاقاً ينص على حجبها جغرافياً وتفكيك خطوط دفاع المعارضة على خط التماس» مع النظام. ويشكل الاتفاق، وفق هيلر، «اختباراً مفصلياً لتركيا في سوريا». ويعتقد أنه «رغم صعوباته، ليس أمامها (أي تركيا) خيارات أخرى، نظراً للضرر الكبير الذي سيلحق بالمصلحة التركية في حال انهارت هدنة إدلب».
وهنا، لا يستبعد أبو هنية أن تواجه تركيا «هجمات ارتدادية انتقامية» عندما يضيق الخناق على تلك الجماعات داخل سوريا بموجب الاتفاق؛ إذ يلفت إلى أن «المعضلة الآن تتمثل فكيفية التعامل مع هؤلاء». ولذا، يرى أن «إدلب ستشكل عقدة وتحتاج لتعامل مختلف، وهي استراتيجية غير واضحة حتى الآن بسبب عدم وجود طروحات محددة بعد للتعامل مع تلك الجماعات». ويعرب عن تخوفه من «تحالفها في حال ضغطت أكثر»، وهي الجماعات الأكثر شدة في القتال، «ما يحتِّم فصلهم ومنعهم من الدخول إلى المدينة (إدلب) والانحياز للجناح المتشدد من (النصرة)».
بدوره، يقول الباحث نوار أوليفر، من مركز عمران للدراسات، في هذا السياق، إن «الخطر الخارجي على إدلب ليس بقدر قوة الخطر الداخلي»، مؤكداً بدوره أن الأتراك «يواجهون مهمة صعبة جداً وهي كيفية السيطرة على هيئة تحرير الشام ومحاربة حراس الدين».
واقع الأمر أن المعضلة الناتجة عن وجهة هؤلاء الأخيرة، مثَّلَت نقاشاً بدأ منذ اتباع موسكو مسارات التهجير التي باتت دينامية منذ تدخلها في سوريا، وهو نقاش دولي أفضى إلى فشل في إيجاد حل لترحيلهم. ووفق أبو هنية فإن المخارج لنقلهم باتجاه ليبيا أو أفغانستان أو محاولة تركيا دفعهم لقتال حزب العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية، كلها باءت بالفشل، ولم يظهر أن هناك رؤيةً واقعيةً للتخلُّص منهم، وهو ما جعل المقاربة العملية تتمثل في تحييدهم وفصلهم عبر دينامية تحتاج إلى بعض الوقت».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».