نيتشه... استعادة وتوظيف كلما استيقظت نوازع العنصرية الأوروبية

175 عاماً على مولد فيلسوف «إرادة القوة»

تمثال نيتشه في نومبرغ
تمثال نيتشه في نومبرغ
TT

نيتشه... استعادة وتوظيف كلما استيقظت نوازع العنصرية الأوروبية

تمثال نيتشه في نومبرغ
تمثال نيتشه في نومبرغ

أصابت التصدعات التي ترتبت على الأزمة المالية العالمية عام 2008 المجتمعات الغربية بحمى غضب شعبي واسع النطاق ضد كل أنواع السلطات؛ حكومية وسياسية وتقنية، دون أن يتوفر لديها أي تصورات محددة بشأن الشكل البديل لتنظيم سبل العيش، فغرق كثيرون في العدمية واليأس، وأصبحوا لاحقاً مطية سهلة لكل سياسي شعبوي يتاجر بالحروب الثقافية وأزمات الهويات المتناقضة، فكان الاستفتاء البريطاني عن الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وانتخاب الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة، وحصول أحزاب اليمين المتطرف والفاشيات الجديدة على مفاتيح السلطة أو تمثيل غير مسبوق في برلمانات في أكثر من بلد أوروبي.
في مناخ هذه الأجواء المضطربة من انعدام البصيرة وفقدان الاتجاه، يبحث الشباب الغربي المتعطش للخلاص الفردي من أحوال ضائقته العمومية في بحر الأفكار الفلسفية القديمة والشخصيات الملهمة عله يجد مخرجاً، لتنتهي مجموعة ملحوظة منه إلى فيلسوف «الأفكار الخطيرة» وصاحب «إرادة القوة»، المعادي للأفكار الإنسانية الحديثة، وحقوق الإنسان، والمساواة الديمقراطية؛ الألماني فريدريك نيتشه (1844 - 1900).
خلال العقد الحالي، لا سيما السنوات الأخيرة، عادت نتاجات نيتشه لتتصدر مبيعات الكتب الفلسفية في مكتبات الغرب، وظهرت منها طبعات مجددة، كما سير متعددة لحياته ومواقفه، وتوسعت النقاشات حول أفكاره على مواقع الإنترنت أكثر من أفكار أي فيلسوف معاصر، بينما تستعد عدة مؤسسات ثقافية وسياسية للاحتفال بالذكرى 175 لمولده، ولم يعد مستغرباً أن تجده حاضراً بأفكاره وملامحه على موائد الشباب النابض بالأسئلة وأن يصير «هكذا تكلم زرادشت» - أشهر كتبه - أنيسهم وقاموس كلامهم.
ولكن يبدو أن قدر نيتشه، الذي أصابته لوثة من الجنون في آخر أيامه ومات قبل أن يقول كلمته الأخيرة، أن يظل دائماً موضع توظيف واستعادة كلما استيقظت نوازع العنصرية الأوروبية، وتشظى الكفر بالمنظومات الليبرالية القائمة، وسادت الأزمنة المظلمة. فهو كان فيلسوف الفوهرر النازي أدولف هتلر المفضل، وطالما أعلن الدوتشي الفاشي الإيطالي بينوتو موسيليني عن دَيْنِه الدائم له في تشكل أفكاره، وانتشرت أعماله بكثافة بين شبان اليمين الأوروبي في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، حتى أن الفيلسوف البريطاني، برتراند رسل، في سرده لتاريخ الفلسفة الغربية اعتبر أن تلك الحرب الكبرى كانت قبل كل شيء «حرب نيتشه»، ويحاول البعض في زماننا الراهن الاستعانة به لتفسير صعود شخصيات شعبوية مثل الأميركي ترمب أو الهنغاري أوربان.
لكن الحقيقة أن هنالك كثيراً من الالتباس وسوء الفهم يحيط بأعمال هذا الفيلسوف، الذي تورط بمواقف وأفكار تمثل خلاصة فكر النخبة الأوروبية الأرستقراطية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تعكس نزعاتها الموغلة بالترفع والاستعلاء والتمييز العنصري والجندري والديني. فهو كان شديد العداء لما يمكن أن نسميه اليوم الديمقراطية الليبرالية، بل وأي نظام يساوي بين فئات المجتمع بوصفه خطراً داهماً على الثقافة الرفيعة فيه، واعتبر دائماً أن أفكار التنوير التي تفشت في الفكر الأوروبي بداية من أعمال الفرنسي جان جاك روسو لم تتسبب فحسب في قيام الثورة الفرنسية - التي أقصت الأرستقراطية الرفيعة لمصلحة البرجوازيين محدثي النعمة، بل وأطلقت سموم الأفكار إنسانية الطابع في الفضاء الأوروبي، وهي الأفكار التي كان يراها تليق بمجتمعات العبيد المهادنة. ورغم التجاهل شبه المتعمد من قبل دارسي نيتشه في الغرب لمواقفه المعيبة بمسطرة أيامنا الراهنة - لا سيما مسألة العبودية تحديداً، فإن المطلع على أعماله لا بد أن يتعثر ولو بقليل مما يقرب لـ300 موضِعٍ نَظرَ فيها للعبودية بوصفها لازمة الأمم العظيمة كما كان حال اليونان القديمة أو فلورنسا أيام آل مديتشي، وأنها نظام الأشياء الطبيعي وأفضل ما يمنح للأفارقة السود، فهم عنده لا يتألمون كما يتألم البشر، كأنهم خلقوا لما شق من الأعمال فقط.

استغلال نيتشه سياسياً
مع ذلك، فكثير من متعاطي نيتشه المعاصرين يأتون إليه من بوابات السياسة، على الرغم من أن هذا الفيلسوف المعني بالفردانية والتفوق والإنسان الجديد (السوبرمان) لم يترك مطلقاً منظومة فكر سياسي متكاملة، وكان عمله متمحوراً أساساً حول المسألة الثقافية، وجل ما ينقل عنه من مواقف سياسية مرتبط بحقيقة أن الثقافة بمجملها نتاج نظام سياسي محدد لا أكثر، وأن الذي يتصدى لمسألة تشكيل ثقافة المجتمعات لا بد أن يعرج على السياسة لا محالة.
نيتشه لم يعِش في ظل أنظمة ديمقراطية بالمعنى المعاصر وكانت أفكاره منتزعة من أجواء كلاسيكية قديمة تعكس تخصصه الأكاديمي الدقيق وإيمانه بالنموذج الإغريقي كعصر ذهبي للتجربة البشرية، كما أن ظروفه الشخصية طبعت وبشدة رؤيته إلى العالم. فهو قد مقت سياسة معاصره موحد ألمانيا أتو فون بسمارك الذي لجأ إلى القوميات الضيقة بدلاً من العمل لأجل أوروبا موحدة عظيمة قادرة على منافسة الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية في فضاء الأطماع الاستعمارية كما كان حلمه، وقضى شطراً من عمره في أجواء الأرستقراطية الأوروبية ضمن حاشية الموسيقار الألماني النجم ريتشارد فاغنر قبل أن تفرقهما المواقف الفكرية لا سيما نظرته إلى الأديان، خصوصاً المسيحية - التي اعتبرها نيتشه ديانة تليق بالضعفاء. وقبلها شهد بنفسه حشرجات وآلام الجرحى المعذبين بلا أمل بالنجاة في الحرب الفرنسية - البروسية عام 1871 التي كان تطوع فيها للتمريض، وأصيب لاحقاً هو نفسه بعدها بأمراض كثيرة عولج منها بأساليب بدائية يعتقد أنها تسببت له بمصاعب صحية طوال حياته، وكانت سر إصابته بالجنون قبل موته بـ12 عاماً.
لكن الذي لا يعرفه كثير من مبجلي نيتشه أن أمر تسييسه وتبنيه من قبل النازيين إنما كان نتيجة سذاجة وتآمر شقيقته إليزابيث التي كانت تصغره بعامين. إذ كانت الأخيرة قد تزوجت من مفكر ألماني متطرف كان يؤمن بتفوق الجنس الآري اصطحبها معه إلى باراغواي في أميركا الجنوبية، حيث كان يسعى لإقامة ألمانيا جديدة، لكن مشروعه فشل وأفلس وانتهى به إلى الموت كمداً. وهكذا عندما عادت الأرملة وحيدة إلى ألمانيا وجدت في التركة الأدبية لأخيها - الذي مسه الجنون وقضى نحبه منجم ذهب في أجواء صعود النازية عشرينات القرن الماضي، فزورت مراسلات باسمه ونشرت من أوراقه غير المطبوعة ما يتوافق مع أجواء السوق السائدة حينها التي كانت متعطشة بشدة لأفكار تبرر أوهام التفوق وكراهية الآخر، حتى قيل إن هتلر كان يرى نفسه تجسيداً لفكرة الإنسان المتفوق (السوبرمان) كما كتبها نيتشه. وهناك الآن شكوك قوية بأن كتاب «إرادة القوة» الذي نشرته إليزابيث بوصفه آخر أعمال شقيقها عمل منحول بالكامل من قبل الأرملة التي هي تحديداً وراء أسطورة نيتشه كما نعرفه اليوم، وكانت تنظم زيارات لشبان الحزب النازي إلى قبره، كما استضافت هتلر شخصياً في مقر الأرشيف المخصص لأعماله وأهدته العصا التي كان يتوكأ عليها في أيامه الأخيرة.
لربما، وبعد كل شيء قد صدقت نبوءة فيلسوفنا المجنون الذي قال إن اسمه سيُذكر دوماً مرتبطاً بمآسٍ هائلة تصيب البشر، فها هي ظلاميات الفاشيات الصاعدة تستعيده من جيوب التاريخ.



انتقادات لياسر جلال لحديثه عن «حماية جزائريين» للقاهرة بعد «النكسة»

جلال تعرض لانتقادات حادة (حسابه على موقع فيسبوك)
جلال تعرض لانتقادات حادة (حسابه على موقع فيسبوك)
TT

انتقادات لياسر جلال لحديثه عن «حماية جزائريين» للقاهرة بعد «النكسة»

جلال تعرض لانتقادات حادة (حسابه على موقع فيسبوك)
جلال تعرض لانتقادات حادة (حسابه على موقع فيسبوك)

وجد الفنان المصري ياسر جلال نفسه في مرمى الانتقادات عقب نشره مقطع فيديو لتكريمه بمهرجان «وهران الدولي للفيلم العربي» بالجزائر، عبر حساباته على مواقع التواصل، تحدث خلاله عن حماية قوات الصاعقة الجزائرية لميدان التحرير المصري عقب «نكسة 1967» لحماية المصريين من الإسرائيليين.

وتصدر اسم ياسر جلال «تريند» موقعي «إكس» و«غوغل» في مصر، الأحد، إذ تعرض لهجوم حاد من متابعين استنكروا تصريحاته واعتبروها «غير حقيقية».

واقترح جلال عقب تسلمه درع تكريم المهرجان تقديم أعمال فنية تخلد ذكرى «ضحايا الاستعمار».

وكان من أبرز الانتقادات التي تعرض لها ياسر جلال، من المنتج المصري محمد العدل، الذي كتب على حسابه بـ«فيسبوك»: «لدينا أزمة في ثقافة بعض الفنانين بهذا الزمن، مطالباً بالتدريب والحرص على القراءة».

كما طالبت تعليقات ومنشورات «سوشيالية»، برفع الحصانة عن الفنان المصري وعضو مجلس الشيوخ ياسر جلال والتحقيق معه.

الفنان المصري ياسر جلال خلال حديثه في مهرجان «وهران» (حسابه على موقع فيسبوك)

وتعليقاً على الانتقادات والهجوم الذي تعرض له ياسر جلال، أوضح الكاتب والناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفنان شخصية عامة ويجب عليه أن يكون حريصاً على أي كلمة تتناول الشأن السياسي أو التاريخي أو الديني».

وأكد عبد الرحمن أن «الحديث إن لم يكن بشكل منضبط ومتوافقاً مع الواقع المستقر لدى الناس فإنه يُحدث صدمات، خصوصاً إذا كان لا يستند إلى أدلة ملموسة وموثقة».

وذكر عبد الرحمن، أن ياسر «كان يجب عليه أن يتكلم على العلاقة الفنية الوطيدة بين مصر والجزائر، أو عن شعوره بالتكريم وخلافه، لا أن يذكر أي وقائع تاريخية؛ الأمر الذي يأتي عادة بنتائج عكسية».

وطالب عبد الرحمن، الشخصيات العامة بـ«الحذر من إلقاء الكلمات في المحافل الدولية من دون التحضير مسبقاً، وكتابتها ومراجعتها جيداً من فريق مختص».

ورداً على انتقاده والهجوم عليه نشر ياسر جلال فيديو توضيحياً، الأحد، على حسابه على موقع «فيسبوك»، قَدّم خلاله التحية للقوات المسلحة المصرية، مؤكداً على دور مصر مع كل الدول، وعلى رأسها الجزائر التي قدم لها التحية ودعا شعبها لعدم الالتفات لما يقال.

لكنه في الوقت نفسه تمسك جلال بروايته عن «الصاعقة الجزائرية»، مؤكداً أنه سمعها من والده وكبار عائلته و«أنه قدم لبلده أعمالاً فنية وطنية».

لقطة من تكريم الفنان المصري ياسر جلال بـ«وهران السينمائي» (حساب جلال على فيسبوك)

ورفض الكاتب والناقد الفني المصري سمير الجمل، انتقاد ياسر جلال، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن الحضور العربي بشكل عام كان موجوداً بعد حرب 1967 وحرب 1973، وحديث ياسر صحيح، موضحاً أن الانتقادات والمزايدة بشكل دائم وبلا مبرر يشعل العلاقات بين الدول، فالأدوار المتبادلة بينهما معروفة ومعترف بها دولياً، فلا داعي لإفساد العلاقات.

الفنان المصري ياسر جلال (حسابه على موقع فيسبوك)

وأشاد الجمل بالفنان ياسر جلال، مؤكداً أنه «فنان متوازن وتصريحاته موزونة، ولا يبحث عن الفرقعة الإعلامية، ولم يرتكب جريمة، ومن ينتقده على السوشيال ميديا ليس لديه محتوى للظهور»؛ على حد تعبيره.

وفنياً، ينتظر ياسر جلال عرض مسلسل «للعدالة وجه آخر»، بجانب تصويره لمسلسل «كلهم بيحبوا مودي»، للعرض في موسم دراما رمضان 2026.


مسرحية «روزماري»... صراع العقل والقلب والعبرة في الخواتيم

مواجهات عدة تحصل بين المرأتين (الشرق الأوسط)
مواجهات عدة تحصل بين المرأتين (الشرق الأوسط)
TT

مسرحية «روزماري»... صراع العقل والقلب والعبرة في الخواتيم

مواجهات عدة تحصل بين المرأتين (الشرق الأوسط)
مواجهات عدة تحصل بين المرأتين (الشرق الأوسط)

تتناول مسرحية «روزماري» للمخرج شادي الهبر الصراع الأزلي القائم بين العقل والقلب. وبنص حبكة الصحافي إيلي مكرزل، الذي يشكّل أول تجربة له من هذا النوع، نتابع قصة غريبة ومشوقة في آن، بطلتاها هما الممثلتان بياريت قطريب ومايا يمّين.

تعرض المسرحية على خشبة «مونو» في بيروت، وتستغرق نحو ساعة من الوقت. ومنذ اللحظات الأولى للعرض، ينشغل مشاهدها بفكّ مفاتيحها. فقد استخدم المخرج الهبر مجموعة من الأدوات لجذب انتباه متابعيه، وكذلك لتحفيزهم على التحليل والتفكير. وهو ما يدفع الحضور منذ الدقيقة الأولى إلى طرح أسئلة حول مواقف غامضة لا يفهمونها.

بطلتا المسرحية بياريت قطريب ومايا يمّين (الشرق الأوسط)

تدور القصة حول المرأتين روز (مايا يمّين) وماري (بياريت قطريب)؛ إحداهما تعتمد على الفكر والعقل لتجاوز مشكلاتها، في حين الثانية رومانسية إلى أقصى حدّ، وقلبها هو دليلها.

المرأتان صديقتان مقرّبتان إلى حدّ كبير، حتى إن المشاهد يُخيّل إليه أنهما امرأتان برأس واحدة. وهو ما يحاول المخرج الهبر الإيحاء به من خلال مواقف كثيرة تخوضانها معاً. تفتحان قلبيهما الواحدة للأخرى، وتتبادلان الأحاديث بوضوح ومن دون مراوغة. وفي سياق أحداث المسرحية، تعرِّجان على موضوعات اجتماعية وإنسانية وأخرى عن التنمّر، وتواكبان عصرنة وسائل التواصل الاجتماعي، والنجومية الإعلامية، وانعكاسات الشهرة على أصحابها. ولا تتوانى المرأتان عن البوح بمشاعرهما، وخوض أحاديث وذكريات حول علاقاتهما العاطفية.

بياريت قطريب (ماري) تجسد دور المرأة الرومانسية بامتياز. فهي تتبع قلبها وأحاسيس الحب، وتقدمها على غيرها. ومع قوامها الرفيع، تقدّم عرضاً تختلط فيه الفنون التعبيرية من رقص وتمثيل. ومع الإضاءة التي تعكس طيفها على المسرح، تؤلّف لوحة إيمائية جميلة على وقع موسيقى الفلامنكو الهادئة.

المفاجأة يتركها المخرج لنهاية العرض المسرحي (الشرق الأوسط)

أما مايا يمّين (روز)، فتتقمص دور المرأة القوية ظاهرياً، لكنها لا تلبث أن تفقد صلابتها في مشهد تتحدث فيه عن والدتها الراحلة، فتجذب الحضور بأداء محترف وواقعي. لا سيما أن تأثرها يأتي حقيقياً، فتنهمر الدموع من عينيها، وتنغمس في حالة حزن ولوعة فعليتين على الخشبة، وهو ما دفع الحضور للتصفيق لها طويلاً.

امرأتان متناقضتان تعيشان صراعاً بين العقل والقلب، يركن المخرج شادي الهبر إلى أغنيات لفيروز وهاني شاكر لتلطيف هذا النزاع القائم بينهما.

ولا تغيب عن المسرحية مشاهد عامرة بالكوميديا السوداء، فيضحك الحضور انسجاماً معها رغم رحم المآسي التي تولد منها مرات.

بصمات الحياة المثقلة بكثير من الفشل وقليل من النجاحات، تعتريها وقفات مع الذات. فكما روز، كذلك ماري، تسترجعان شريط حياتهما، تتذكران وتأسفان، وتضحكان مرات أخرى على نفسيهما.

يلاحظ متابع المسرحية مبالغةً في ممارسة الضحك مرات، وإعادات في تكرار كلمة «هبلة» أكثر من مرة. ولكن الجواب على هذا التكرار يكتشفه في نهاية العمل، فالعبرة تكمن في الخواتيم، وهو ما يطبع المسرحية بالإثارة والتشويق.

تُمرِّر المسرحية رسائل مختلفة حول تأثير تربية الأهل على أولادهم، والذكورية الحاضرة في مفهوم الخيبة عند ولادة البنت بدلاً من الصبي، وغياب الأب الذي يتسبَّب بالاضطراب النفسي عند الابنة. تضحيات الأم التي لا تنتهي من أجل إسعاد الأبناء، فتنعكس في الشعور بالأمان عليهم، ولكن الوجع يبقى يتضاعف رغم مرور الوقت الطويل عليه. والوحدة يستمر وهجها وتتصاعد يوماً بعد يوم.

يتخلَّل العمل الغموض والتشويق (الشرق الأوسط)

جميعها عوامل اجتماعية اعتقدت المرأتان أنهما تخطَّتا ذيولها، ولكن دون جدوى.

فهما لم تعرفا مشاعر الفرح الحقيقية، ولا حتى تلك المتعلّقة بالحزن. تغُضان النظر عن أحاسيسهما، وتنشغلان بتركيبة شخصيتهما بشكل أكبر. أما الموت، فلم تستطيعا مواجهته كما يجب. إحداهما تفرح لسماع خبر موت قريب، والثانية تعدّ فراق الحبيب موتاً من نوع آخر. ولذلك لا تتوانيان عن الإعلان عن «اليوم العالمي للموتى» وهما تبتسمان.

في النهاية تظهر الحقيقة كما هي بمفاجأة لا يتوقعها المشاهد، وتُسدل الستارة على بطلتي المسرحية لندرك أن الاثنتين تؤلفان «روزماري» واحدة، وأن الإنسان هو عدو نفسه في النهاية.


الفن يجمع ما فرقته السياسة... نجوم الدراما السورية في الرياض

نجوم الدراما السورية في لقائهم مع رئيس هيئة الترفيه
نجوم الدراما السورية في لقائهم مع رئيس هيئة الترفيه
TT

الفن يجمع ما فرقته السياسة... نجوم الدراما السورية في الرياض

نجوم الدراما السورية في لقائهم مع رئيس هيئة الترفيه
نجوم الدراما السورية في لقائهم مع رئيس هيئة الترفيه

في ليلة استثنائية تعيد وهج الزمن الذهبي للدراما السورية، احتضنت الرياض لقاءً غير مسبوق جمع نخبة من أبرز نجوم الدراما السورية مع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، تركي آل الشيخ، الذي استقبلهم واصفاً إياهم بـ«أساطير الفن السوري». واستمر اللقاء نحو 3 ساعات، وسط أجواء ودية وحماسية، تُنذر بعودة قوية ومفاجآت فنية مرتقبة ستعيد تشكيل المشهد الدرامي.

ضمَّ اللقاء نخبة من أهم الفنانين السوريين عبر الأجيال، من بينهم: سلّوم حداد، ومنى واصف، وياسر العظمة، وجمال سليمان، وعباس النوري، وباسم ياخور، وأيمن زيدان، وسامر المصري، وتيم حسن، ودريد لحام، ومها المصري، وصباح جزائري، ووفاء موصللي، عبد المنعم عمايري، وأمل عرفة، ومكسيم خليل، وباسل خياط، ورشيد عساف، وغيرهم من الأسماء التي صنعت ذاكرة متكاملة للدراما السورية. ويمكن القول إن اجتماع هذا العدد من الفنانين في مكان واحد يُعد حدثاً استثنائياً لا يتكرر بسهولة، خصوصاً في ظل التباعد الذي فرضته سنوات الأزمة السورية، وتباين المواقف السياسية، وتشتُّت مواقع العمل والإقامة.

طاولة الفن

كان لافتاً أن كثيراً من هؤلاء الفنانين لم يلتقوا ببعضهم منذ نحو 15 عاماً؛ وهي فترة ليست قصيرة في تاريخ بلد عاش تحولات سياسية واجتماعية كبرى انعكست بالضرورة على قطاع الفن. فقد فرّقتهم الحرب، والمواقف، والضرورات المهنية، والهجرة، في حين بقي آخرون داخل سوريا وسط مشهد يتغيَّر بسرعة. وبين من وقف مع الدولة، ومن ابتعد بصمت، ومن غادر بحثاً عن حضور فني مستمر، تباعدت الجسور حتى أصبح اجتماعهم أمراً يبدو مستحيلاً.

بيد أنّ «طاولة الفن» في الرياض جمعت ما فرّقته السياسة؛ ليلتقي الفنانون مجدداً على الأرضية التي انطلقوا منها جميعاً: التلفزيون، والمسرح، وعدسات الكاميرا. وهكذا تُعيد الرياض ترتيب المشهد وتُقدِّم إطاراً فنياً وإنسانياً يُخفِّف من حدة السنوات الماضية.

من جهته، وصف الفنان أيمن زيدان هذا اللقاء، قائلاً: «هو لحظة ستُحفر في قلوبنا طويلاً... أشبه برمي عباءة من الدفء بعد صقيع أرواحنا وما مررنا به من تحديات»، مشيراً إلى أن اللقاء يأتي بمعزل عن أي اصطفافات سياسية. وأضاف: «هي لحظة فنية أكد خلالها المستشار أن الفن هو الأسمى والأبقى». في حين رأى الفنان عباس النوري أن اللقاء يمثل «إنعاشاً حقيقياً ومحاولة لمد يدٍ مخلصة ومحبة».

دراما سورية راسخة

تنبع أهمية هذا اللقاء من المكانة العميقة التي تحتلها الدراما السورية في وجدان المشاهد العربي عامة، والسعودي تحديداً. فمنذ التسعينات، شكَّلت الأعمال السورية جزءاً أصيلاً من ذاكرة الشاشة في السعودية. وكان السعوديون يتابعون «مرايا» لياسر العظمة بوصفه عملاً نقدياً ساخراً يقدم قراءة حادة للمجتمع العربي، ويضحكون على شخصياته التي بقيت محفورة في الوعي الجمعي.

ومع بدايات الألفية الثالثة، أصبحت الدراما السورية ركناً أساسياً من مواسم رمضان في السعودية، من «الخوالي»، و«يوميات مدير عام»، و«عيلة خمس نجوم»، وصولاً إلى «باب الحارة» الذي حقق تفاعلاً جماهيرياً غير مسبوق، وما زالت ملامحه حاضرة في جناح بلاد الشام في بوليفارد الرياض، ترسيخاً لعمل ما زال محفوراً في ذاكرة السعوديين.

وامتازت الدراما السورية بقربها من الجمهور وصدقها الفني، وببساطتها وعمقها، إضافة إلى روحها العربية المشتركة التي خلت من أي فجوات ثقافية أو لغوية تعيق انتشارها، ما جعل الأعمال السورية حاضرة في كل بيت سعودي عبر الشاشة الصغيرة.

دعم يعيد الوهج

في هذا السياق، لعب المستشار تركي آل الشيخ دوراً محورياً في جمع هذه النخبة الفنية، وتوفير مساحة تليق بتاريخهم، في رسالة مفادها بأن رعاية الفن تشمل أيضاً إعادة وصل رموزه وإتاحة فرصة للتقارب الإنساني والمهني. وقد عكس اللقاء هذا المعنى بوضوح، حيث بدا الفنانون أكثر قرباً وهدوءاً، وكأنهم يستعيدون ذاكرة مشتركة ومرحلة جمعتهم قبل التحولات السياسية.

ويمكن القول إن هذا اللقاء يعد واحداً من أبرز الأحداث الرمزية في تاريخ الدراما السورية الحديثة، ليس لمجرد جمعه كبار الفنانين فحسب، بل لأنه أعادهم بعد سنوات طويلة من التمزق إلى صورة واحدة في قلب العاصمة السعودية الرياض، معيداً الذاكرة إلى نقطة البداية، حيث يبقى الفن أقوى من الانقسام، وأعمق من السياسة، وأبقى من كل الظروف.