البابا يصلي من أجل مسيحيي الموصل.. والكنيسة تنصح القلة الباقية في المدينة بالرحيل

كردستان تطلب عوناً دولياً لمساعدتها على إيوائهم.. والمالكي يناشد العالم الوقوف بوجه «داعش».. والجلبي يحمل حكومته المسؤولية

أسرة مسيحية هاربة من الموصل لدى وصولها إلى بلدة قرقوش في محافظة نينوى أول من أمس (رويترز)
أسرة مسيحية هاربة من الموصل لدى وصولها إلى بلدة قرقوش في محافظة نينوى أول من أمس (رويترز)
TT

البابا يصلي من أجل مسيحيي الموصل.. والكنيسة تنصح القلة الباقية في المدينة بالرحيل

أسرة مسيحية هاربة من الموصل لدى وصولها إلى بلدة قرقوش في محافظة نينوى أول من أمس (رويترز)
أسرة مسيحية هاربة من الموصل لدى وصولها إلى بلدة قرقوش في محافظة نينوى أول من أمس (رويترز)

انتقد البابا فرنسيس أمس، عمليات الاضطهاد التي يتعرض لها مسيحيو العراق الذين «جردوا من كل شيء»، فيما واصلت مئات العائلات المسيحية الهروب من الموصل باتجاه البلدات المسيحية في سهل نينوى وإقليم كردستان بعد إنذار وجهه عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) باعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو مواجهة «السيف».
وقال البابا فرنسيس، من شرفة الفاتيكان المطلة على ساحة القديس بطرس: «لقد تلقيت بقلق الأنباء الواردة من الجماعات المسيحية من الموصل، بالعراق ومناطق أخرى من الشرق الأوسط». وأضاف: «تعيش هذه الجماعات منذ بداية المسيحية مع مواطنيها... وهي تتعرض الآن للاضطهاد»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «إخوتنا مضطهدون، يُطردون وعليهم أن يغادروا منازلهم دون أن تتسنى لهم إمكانية أن يحملوا معهم شيئا. أؤكد لهذه العائلات ولهؤلاء الأشخاص قربي منهم وصلاتي المستمرة من أجلهم».
بدوره، دعا رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، العالم إلى الوقوف بوجه تنظيم «داعش» الذي تبنى أيضا سلسلة من التفجيرات ضربت بغداد أول من أمس وأوقعت عشرات القتلى والجرحى. وقال المالكي في بيان أمس، إن «ما تقوم به عصابات (داعش) الإرهابية ضد مواطنينا المسيحيين واعتداءهم على الكنائس ودور العبادة في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، إنما يكشف بما لا يدع مجالا للشك الطبيعة الإجرامية والإرهابية المتطرفة لهذه الجماعة وما تشكله من خطر على الإنسانية وتراثها المتوارث عبر القرون». وتابع: «ندعو العالم أجمع إلى تشديد الحصار على هؤلاء والوقوف صفا واحدا لمواجهتهم».
ويمثل طرد المسيحيين من مدينتهم الموصل آخر حملات التهجير خلال سنوات من العنف التي يعيشها العراق والتي قد ترسم صورة جديدة لتوزيع الطوائف على خريطة البلاد. وتساءلت السيدة المسيحية أم زياد، (35 سنة)، وهي تجلس إلى جوار أطفالها: «لا ندري ماذا سنفعل أو ماذا سيحصل لنا، هل نعود مرة أخرى إلى بيوتنا؟ هل تقوم الحكومة بطرد هؤلاء الإرهابيين من الموصل؟». وهربت أم زياد مع أطفالها الأربعة الجمعة من الموصل وتعيش الآن مع عدد من النسوة في منزل قيد الإنشاء ببلدة قرقوش، إلى الشرق من الموصل.
وقال بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس ساكو، إن جميع المسيحيين غادروا المدينة بانتهاء مهلة «داعش» ظهر أول من أمس، وإن القليلين من الذين قرروا البقاء «سيواجهون مصيرهم المحتوم، وأشعر بأنهم أموات». وفي السياق نفسه، قال أسقف كاثوليكي من الموصل لوكالة «رويترز» إن قيادات الكنيسة نصحت الأسر القليلة التي أرادت التفاوض مع المتشددين بالرحيل من أجل سلامتها.
بدورها، شكت امرأة في الستينات، هربت الجمعة إلى بلدة الحمدانية التي تقطنها أغلبية مسيحية وتخضع لسيطرة قوات الأمن الكردية إلى الجنوب الشرقي من الموصل، قائلة: «عشنا في المدينة وكانت لنا حضارة على مدى آلاف السنين، وفجأة جاء أغراب وطردونا من بيوتنا».
ويخشى الكثير من سكان مدينة الموصل الحديث أو التعبير عن آرائهم ولا يجدون منفذا إعلاميا كذلك، لكن عددا من السكان السنة أبدوا رفضهم لما يقوم به المسلحون ضد جيرانهم وأهل مدينتهم من المسيحيين. وقال أحد أهالي الموصل في اتصال هاتفي: «نعد هذا الأمر ظلما ويتعارض مع مبادئ الإسلام الذي يوصي بالتسامح». وأضاف أن «المسيحيين يعيشون في الموصل منذ أكثر من ألف عام وأكثرهم أناس رفيعو المستوى، أطباء ومهندسون وفنانون، رحيلهم خسارة كبيرة للموصل».
من جانبهم، أعلن مسؤولون في مدينتي النجف وكربلاء، المقدستين عن الشيعة، استعدادهم لاستقبال العائلات المسيحية التي هجرت على يد تنظيم «الدولة الإسلامية» وتوفير الخدمات الأساسية لها.
بدوره، حمل أحمد الجلبي، العضو البارز في كتلة «المواطن» التي يتزعمها عمار الحكيم، وأحد منافسي المالكي على منصب رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة، الحكومة مسؤولية الأزمة التي تمر بالبلاد. وأضاف أن «الحكومة العراقية الحالية فشلت في حماية المواطنين العراقيين»، كما طالب البرلمان بالإسراع في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وأدانت رئاسة إقليم كردستان أمس تهجير المسيحيين من الموصل. وقال المتحدث باسم رئاسة الإقليم، أوميد صباح، في بيان، إن الإقليم «مستعد لمساعدة واستقبال وحماية المسيحيين»، داعيا المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة العاجلة لحكومة الإقليم لتقوم هي الأخرى بتقديم المساعدات بشكل سريع للنازحين.
من جهته، ناشد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، مواطني كردستان «تقديم يد العون لإخوانهم المسيحيين النازحين من الموصل». وأضاف في بيان أنه «أمام هذه الكارثة الإنسانية، تقوم حكومة إقليم كردستان بتكثيف جهودها وإمكاناتها لمساعدة هؤلاء النازحين. وفي الوقت ذاته، ندعو أهالي كردستان بشكل عام ومحبي الإنسانية في مدينتي أربيل ودهوك إلى تقديم كل ما بوسعهم من مساعدات لتلك العوائل المسيحية النازحة». وأشار بارزاني إلى أن «الإقليم وبسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضته بغداد عليه يحتاج إلى المساعدات الدولية من أجل نجدة النازحين».
من ناحية ثانية، أكد الناشط المسيحي غزوان إلياس، رئيس الجمعية الثقافية الكلدانية في قضاء الحمدانية، لـ«الشرق الأوسط»: «كانت هناك نحو 30 عائلة مسيحية عالقة في الموصل لم تستطع الخروج في الموعد المحدد الذي عينته لهم (داعش)، استطاعت هذه العوائل أن تخرج من المدينة ووصلت على وجبتين إلى الحمدانية في ساعات متأخرة من ليلة أول من أمس، وبهذا أصبحت الموصل خالية تماما من المسيحيين»، مبينا أن «المنظمات والأحزاب المسيحية والكنائس ستصدر بيانا خلال الأيام القليلة المقبلة حول ما تعرض له المسيحيون في الموصل ونزوحهم إلى مناطق سهل نينوى وإقليم كردستان».
من جانب آخر، ذكر مصدر مطلع على أوضاع المسيحيين في الموصل، فضل عم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك عددا من العائلات المسيحية التي لم تتمكن من الخروج من الموصل، مختبئة مع عائلات كردية في المدينة إلى حين تمكنها من الخروج إلى المناطق الآمنة.
وفي الشأن ذاته، ذكر ناشط مدني من الموصل، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيم «داعش» أبلغ مفاوضين من رؤساء العشائر أنه «سيرد عليهم حول طلبهم بالتراجع عن طرد المسيحيين»، مؤكدا أن «هناك أملا في المفاوضات».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.