«الدعوة»... قائمتان انتخابيتان أضرتا بالحزب وحركة تصحيحية في الأفق

12 مقعداً جلبت له رئاسة العراق عام 2005 ومثلها أفقدته المنصب عام 2018

TT

«الدعوة»... قائمتان انتخابيتان أضرتا بالحزب وحركة تصحيحية في الأفق

في الدورة البرلمانية الأولى التي جرت انتخاباتها في ديسمبر (كانون الأول) عام 2005، تمكن حزب «الدعوة الإسلامية» من الحصول على 12 مقعداً فقط من أصل 128 مقعداً حصل عليها «الائتلاف العراقي الموحد» حينذاك من مجموع 275 مقعداً في البرلمان.
وبعد 13 عاماً من القبض والسيطرة على المنصب التنفيذي الأول في البلاد، المتمثل برئاسة الوزراء، عاد الحزب في الانتخابات العامة التي جرت مايو (أيار) الماضي ليحصل على الرقم 12 مقعداً فقط، وهو حاصل جمع الفائزين في قائمتي «دولة القانون» برئاسة نوري المالكي، وائتلاف «النصر» بزعامة القيادي في الحزب رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي.
وقد كان «الدعوة» في 2005، ضمن لائحة الأحزاب والقوى الشيعية التي ضمها «الائتلاف العراقي» (مع تيار الصدر وحزب «الفضيلة» الإسلامي و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»)، وبرغم حصول الأخير على نحو 30 مقعداً، إلا أنه فضّل أن يذهب منصب رئاسة الوزراء إلى «الدعوة» بعد التعقيدات التي طرأت حول المنافسة على المنصب بين القيادي «الدعوي» آنذاك، إبراهيم الجعفري، والقيادي في «المجلس الأعلى» حينها رئيس الوزراء المكلف الحالي عادل عبد المهدي، فطرح القيادي في حزب «الدعوة» نوري المالكي مرشحاً للتسوية وفاز بالمنصب.
وفيما يرى خصوم «الدعوة» والناقمون عليها بعد سيطرتها على مفاصل الدولة ورئاستها للوزراء في ثلاث دورات متتالية (نوري المالكي 2006 - 2014، حيدر العبادي 2014 - 2018)، أن النتيجة الأخيرة التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، تكشف عن أن «السلطة أضرت بالحزب، ودقت المسمار الأخير في نعش مستقبله السياسي»، يرى بعض «الدعاة» أن «خروج منصب رئاسة الوزراء مناسبة جيدة لفرز (الدعاة) الحقيقيين من الذين ارتبطوا بالحزب لدوافع مصلحية».
وفي هذا السياق، يقول العضو في الحزب والأمين العام لـ«الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق» جاسم محمد جعفر، إن «مسألة الـ12 لا تحسب بهذه الطريقة، لأن حزب (الدعوة) دخل دائماً ضمن ائتلافات وليس لوحده، وفي الدورة الانتخابية عام 2014 كان لنا 27 عضواً في البرلمان من (الدعوة) ضمن (ائتلاف دولة القانون)، وكانت كتلة (الدعوة) في البرلمان 54 مقعداً».
ويؤكد جعفر في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن حزب الدعوة، «غير خائف مما قد يطال بعض رموزه بعد خسارتهم لمنصب رئاسة الوزراء في الدورة الحالية، لم يكن لدينا سوى رئاسة الوزراء، ولم يظهر على أعضاء (الدعوة) أي ملف كما يشاع، وسنشارك في الدورة الحالية في الحكومة».
ويعترف جعفر أن الحزب «بصدد مراجعة شاملة للظروف القاسية التي مر بها في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد انقسام قادته (المالكي، العبادي) إلى قائمتين انتخابيتين».
ويرى أن «القائمتين (القانون والنصر) لو توحدتا بعد إعلان النتائج الانتخابية لكانت قوة (الدعوة) مضاعفة تجاه بقية الكتل، لكن ذلك لم يحدث للأسف، ولا بد أن يعود الموقف الموحد بين صفوف الحزب كي لا يتكرر الخطأ».
وكشف جعفر عن «حديث متواصل هذه الأيام داخل شورى الحزب ومفاصل التنظيم حول دراسة الأوضاع بكاملها، ومنذ 2003 وحتى اليوم، وهناك أشبه بقرار أن يذهب بعض الأعضاء للمشاركة في الحكومة، والآخر يذهب باتجاه العمل مع الجماهير». وبرغم الانقسامات الكثيرة التي تعرض لها الحزب خلال مسيرته التي انطلقت منذ خمسينات القرن الماضي، إلا أن جعفر «يستبعد إمكانية تصدع (الدعوة) أو انقسامها إلى تيارين متنافسين؛ يمثل الأول نوري المالكي والثاني حيدر العبادي بعد خسارتها للمنصب التنفيذي الأول في البلاد»، لكنه «لا يستبعد صعود قيادات شابة في الحزب في المؤتمر العام المقبل والأمر متروك لأعضاء المؤتمر».
ويتفق العضو الآخر في «الدعوة» قاسم محمد جبار، حول استبعاد إمكانية انقسام الحزب إلى جناحين، ويتفق أيضاً أن الانقسام الذي حدث في الانتخابات الأخيرة بين قائمتي المالكي والعبادي أضر بالحزب، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما فات في الانتخابات الأخيرة كان يمكن تعويضه بعد الانتخابات عبر اتحاد قائمتي (دولة القانون) بزعامة المالكي و(النصر) بزعامة العبادي، لكن المؤسف أن ذلك لم يحدث وأدى إلى خسارة الحزب عملياً».
لكن جبار يقلل من حجم الخسارة التي لحقت بحزب الدعوة من خلال فقده لمنصب رئاسة الوزراء عبر القول: «ذهاب منصب رئاسة الوزراء فرصة طيبة للمراجعة، الأمر لم يعد مدعاة للخوف أو التذمر، بعض (الدعاة) سعيد بذلك، وربما يمثل هذا الأمر فرصة للحزب لمعرفة (الداعية) الحقيقي من الذي يبحث عن مصالحه الشخصية».
ويؤكد جبار أن «محركات الانقسام والاستقطاب داخل الحزب في الانتخابات كانت تحركها دوافع سياسية، وليست تنظيمية حزبية، ويتعلق بمسألة الانتخابات والسلطة، وهناك اليوم رغبة حقيقية في الشروع بمرحلة جديدة من الإصلاح والاقتراب من الشارع، بعد أن ابتعد الحزب عن هذا الدور لأسباب كثيرة، منها الأمنية، وعدم قدرة (الدعاة) على التحرك بين المواطنين لأسباب أمنية».
ويعتقد جبار أن «خسارة (الدعوة) لمنصب رئاسة الوزراء غير راجع إلى مسألة أدائه في السلطة، إنما إلى الكتل السياسية المنافسة التي نجحت هذه المرة في إبعاده، والدليل أن العبادي كان حظي بسمعة جيدة داخل كثير من الأوساط، وقد فاز بمقاعد نيابية في محافظات سنية، لكنه مع ذلك أبعد عن المنصب».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.