تشاؤم إزاء مستقبل الاقتصاد التركي

تشاؤم إزاء مستقبل الاقتصاد التركي
TT

تشاؤم إزاء مستقبل الاقتصاد التركي

تشاؤم إزاء مستقبل الاقتصاد التركي

عبّر صندوق النقد الدولي عن تشاؤمه تجاه مستقبل الاقتصاد التركي خلال العامين الجاري والمقبل، مشيراً إلى مخاطر تعيشها الأسواق المحلية بعد التدهور الحاد لليرة التركية مقابل الدولار.
وتوقع الصندوق، في تقرير حول «آفاق الاقتصاد العالمي» أصدره، أمس (الثلاثاء)، تراجع النمو في تركيا. وقال إنه بالنسبة إلى تركيا، فإن اضطراب السوق وانخفاض قيمة العملة الحاد وعدم اليقين المرتفع من شأنه أن يؤثر على الاستثمار والطلب الاستهلاكي.
وتصاعدت وتيرة تراجع الاقتصاد التركي، بفعل واحدة من كبرى الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعيشها تركيا نتيجة تراجع حاد في قيمة الليرة التركية. ولفت الصندوق، في تقريره، إلى أن ما يواجهه الاقتصاد التركي في الوقت الحالي من أزمات يبرر إجراء «مراجعة سلبية حادة» في آفاق النمو، قائلاً إن الاقتصاد التركي يعاني ضغوطاً شديدة أدت إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.
وفقدت الليرة التركية خلال العام الجاري أكثر من 40% من قيمتها لأسباب تتعلق بمخاوف المستثمرين من إحكام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبضته على القرارات المتعلقة بالاقتصاد، إلى جانب التوتر الشديد مع الولايات المتحدة على خلفية قضية القس الأميركي أندرو برانسون، الذي يحاكَم في تركيا بتهمة دعم الإرهاب والتي أدت إلى فرض عقوبات أميركية على تركيا.
وأمس، قال وزير الخزانة والمالية التركي برات البيراق، إن الحكومة اتفقت مع القطاع الخاص على خفض شامل لأسعار السلع بنسبة 10%، في خطوة تستهدف احتواء التضخم الذي صعد إلى نحو 25% الشهر الماضي.
وأوضح البيراق، في مؤتمر صحافي لعرض إجراءات الحكومة لمواجهة الارتفاع الحاد في التضخم، أن خفض الأسعار سيشمل جميع السلع الداخلة في سلة التضخم التركية، وأنه لن تكون هناك أي زيادات جديدة في أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي حتى نهاية العام.
ورفعت الحكومة أسعار الكهرباء والغاز 3 مرات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بنسبة 8% للاستهلاك المنزلي و18% للاستهلاك الصناعي بالنسبة إلى الكهرباء، و9% للاستهلاك المنزلي، و18.5% للأغراض الصناعية والتجارية بالنسبة إلى الغاز في كل مرة.
وفي سياق متصل، طلبت الحكومة التركية من أكثر من 100 شركة توضيح ما اعتبرته «زيادة مفرطة» في أسعار السلع، وذلك في إطار تحقيق حول «تلاعب مشتبه به» في الأسعار بعد أن دفعت أزمة الليرة التركية معدل التضخم في أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى له منذ 15 عاماً ليصل في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 24.52%.
وجاءت هذه الخطوة بعد أن دعا الرئيس إردوغان، الأسبوع الماضي، المواطنين الأتراك إلى إبلاغ الشرطة ومفتشي البلديات إذا لاحظوا ارتفاعاً غير عادي في الأسعار في المتاجر، مؤكداً أن الحكومة تتحمل مسؤولية اقتحام مخازن المتاجر؛ إذا لزم الأمر.
وشدد إردوغان، الذي يُرجع تهاوي سعر الليرة التركية إلى هجوم اقتصادي أجنبي على بلاده، على أن الغرامات ستُفرض على «الانتهازيين» الذين يستغلون سعر الصرف لرفع الأسعار بقوة.
وقالت وزارة التجارة، في بيان أمس، إنها طلبت من 114 شركة، توضيحاً لزيادات الأسعار بعد فحص أكثر من 69 ألف منتج في نحو 4000 شركة. وأوضح البيان أن التحقيق لم يكن يهدف إلى التدخل في السوق الحرة، لكن لمنع ارتفاع الأسعار بشكل غير عادل. ولم يقدم معلومات عن الشركات التي فرضت زيادات مفرطة في الأسعار كما لم يحدد السلع التي حدثت فيها هذه الزيادات.
ومع تفاقم أزمة الليرة التركية في أغسطس (آب) الماضي، جعلت الحكومة من غير القانوني فرض زيادات في الأسعار بشكل تعسفي إذا لم تتأثر بزيادة تكاليف المدخلات أو سعر الصرف.
وتدنت القدرة الشرائية لمتقاضي الحد الأدنى للأجور في تركيا بعد انهيار الليرة أمام العملات الأجنبية الأخرى؛ لا سيما الدولار، وأدى الهبوط الحاد في سعر صرف الليرة إلى ارتفاع أسعار شتى السلع من الغذاء إلى الوقود، وقوّض ثقة المستثمرين في السوق التركية التي كانت تعد سوقاً ناشئة صاعدة.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور 1603 ليرات، وكان يساوي نحو 550 دولاراً، لكنه تراجع بعد انهيار الليرة إلى أقل من 400 دولار. وتشير البيانات إلى أن الحد الأدنى للأجور في تركيا تراجع حالياً عن الدول الأوروبية كافة تقريباً بسبب تراجع قيمة الليرة الذي بدأ في عام 2016، وأصبح أدنى من العديد من الدول الأوروبية مثل التشيك وبولندا والمجر.
وتراجع أيضاً الحد الأدنى للأجور في تركيا عن دول مثل صربيا والجبل الأسود وألبانيا، التي كان يبلغ ضعف الحد الأدنى للأجور بها في مرحلة ما.
وفي عام 2016، كان العامل التركي الذي يحصل على الحد الأدنى للأجور يحصل على راتب يزيد 20% عن نظيره في بولندا، بينما بات الآن يحصل على راتب أقل بنحو 42% عن نظيره في البلد ذاته.
إلى ذلك، شكلت شركات قطاع البناء والتشييد 75% من بين الشركات التركية التي لجأت إلى القضاء لتسوية إفلاسها، والتي تجاوز عددها خلال الفترة الأخيرة 3 آلاف شركة.
وحسب تقارير صحافية تركية فإن أكثر من 3 آلاف شركة، تفاقمت عليها الديون، تقدمت بطلبات لتسوية إفلاسها إلى المحاكم التجارية بسبب الأزمة الاقتصادية، 75% منها، محطات خلط الخرسانة وشركات مستلزمات البناء والحديد والخردوات.
وبسبب تزايد نفقات البناء خلال الآونة الأخيرة أصبحت شركات المقاولات، في موقف صعب، حيث دفعت المشكلات المالية التي يعانيها معظم الشركات إلى طلب تسوية الإفلاس.
ويعتبر خبراء أن أكثر العوامل المؤثرة في غرق قطاع المقاولات في الديون هي الضرائب العالية المتزايدة مؤخراً، والزيادة التي وصلت إلى 100% في أسعار مستلزمات البناء وعلى رأسها الحديد.
وبإمكان الشركات في تركيا طلب تسوية إفلاس من القضاء للحماية من الإفلاس والحجز على ممتلكاتها، وتعني الخطوة إرجاء الإفلاس مؤقتاً لحين سداد الديون خلال مدة 3 أشهر.
وبفضل هذا الإجراء تصبح ممتلكات الشركة خاضعة للحماية بقرار قضائي ولا يتم اتخاذ أي إجراءات حجز عليها، لكن يتوجب على الشركات سداد نصف ديونها كي يُقبل طلبها.
في غضون ذلك، اعتبر إردوغان أن الاقتصاد التركي بدأ يستعيد توازنه بفضل التدابير التي اتخذتها حكومته، مشدداً على أن النظام المصرفي للبلاد «مقاوم للصدمات» ولا يمكن لأحد تقويضه.
وكرر إردوغان، في كلمة خلال مشاركته في منتدى الأعمال التركي المجري بالعاصمة المجرية بودابست، التي اختتم زيارة لها، أمس (الثلاثاء)، أن هجوماً استهدف الاقتصاد التركي خلال الأشهر القليلة الماضية، وأن هدف هذا الهجوم كان «إرغام تركيا على قبول بعض القرارات التي تتعارض مع كفاحها ضد الإرهاب وتضر بأمنها وبقائها».
وتابع أن «ركائز الاقتصاد التركي متينة»، و«النظام المصرفي التركي مقاوم للصدمات ولا يمكن لأحد تقويضه».
واعتبر إردوغان أن الاقتصاد التركي بدأ يستعيد توازنه بفضل التدابير التي اتُّخذت، وأن هذا الأمر يبعث على السرور، قائلاً إن تركيا ستركز خلال الفترة القادمة على إنتاج السلع ذات القيمة المضافة العالية، وفقاً للبرنامج الاقتصادي الجديد الذي تم الإعلان عنه في سبتمبر الماضي.



تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023 بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة العربية، في حين ارتفعت القيمة الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بنحو 791 مليار دولار.

وأوضح تقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، بعنوان: «آفاق الدين والمالية العامة للمنطقة العربية»، أن تكلفة الاقتراض من السوق ظلّت أعلى من 5 في المائة، بالنسبة إلى الديون بالعملات المحلية والأجنبية في البلدان متوسطة الدخل، في حين ظلّ النمو الاقتصادي دون 3 في المائة.

وأظهر التقرير، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية متوسطة الدخل، استحوذت على أكثر من 15 في المائة من الإيرادات العامة في عام 2023، مقارنةً بنحو 7 في المائة خلال عام 2010، وبلغت رقماً قياسياً هو 40 مليار دولار في عام 2024.

ويقدّم التقرير نظرة شاملة على مختلف التدفقات المالية، بما فيها الديون والموارد المحلية والأدوات التمويلية المبتكرة الجديدة، وأشار هنا إلى أن البلدان منخفضة الدخل تجاوزت خدمة الدين لديها المليار دولار خلال عامي 2023-2024.

وعلّقت الأمينة التنفيذية لـ«الإسكوا»، رولا دشتي، على التقرير قائلة، إن الاختلافات في أسعار الفائدة على ديون السوق تشير إلى وجود مجال كبير للتوفير، مضيفة أنه «في عام 2023، كان بإمكان البلدان العربية متوسطة الدخل الاحتفاظ بأكثر من 1.8 مليار دولار من مدفوعات الفائدة على ديون السوق إذا طُبِّق متوسط سعر الفائدة لاقتصادات الأسواق الناشئة على مستوى العالم».

الإيرادات العامة

ويَرد في التقرير أن إجمالي الإيرادات العامة في المنطقة في المتوسط بلغ 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بنسبة 26.5 في المائة في المتوسط لاقتصادات الأسواق الناشئة، و35.5 في المائة للاقتصادات المتقدمة.

وأوضحت رولا دشتي، أنه إذا زادت البلدان العربية متوسطة الدخل حصة ضرائب الدخل الشخصي وضرائب الشركات إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المتوسط بالنسبة إلى البلدان متوسطة الدخل على مستوى العالم، يمكنها توليد 14 مليار دولار إضافية، وتوزيع الأعباء الضريبية بشكل أكثر إنصافاً.

بالإضافة إلى تحسين تحصيل الضرائب، أبرز التقرير أنه يمكن توفير أكثر من 120 مليار دولار سنوياً في الحيز المالي الإضافي في البلدان العربية من خلال: توفير 100 مليار دولار بواسطة زيادة كفاءة الإنفاق (بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي)، فضلاً عن توفير 4 مليارات دولار في مدفوعات الفائدة في ديون السوق (على أساس حدٍّ أدنى لسعر الفائدة مع معاملة الأقران بالتساوي في عام 2023)، وتوفير 2.5 مليار دولار في خدمة الديون الناتجة عن مقايضتها (بنسبة 25 في المائة من خدمة الدين الثنائي في عام 2024)، فضلاً عن توفير 122 مليون دولار في مدفوعات الفائدة عن طريق زيادة حصة الديون الميسرة من الدائنين الرسميين، وتحقيق 127 مليون دولار علاوة خضراء من أدوات التمويل المبتكرة.

برنامج عمل

يطرح التقرير برنامج عمل قابلًا للتنفيذ، يتضمّن استراتيجيات ثلاث؛ هي: تحسين حافظات الديون، وتعزيز كفاءة أُطُر الإيرادات والنفقات العامة، وزيادة استخدام آليات التمويل المبتكرة وأُطُر التمويل المستدام.

واقترح التقرير برنامج عمل مكوناً من 7 نقاط، تمثّلت في:

- تحسين حافظات الديون من خلال الإدارة الحصيفة لها.

- تعزيز القدرة المؤسسية على إدارة الديون.

- تحسين السيولة والتمويل الميسر من خلال إصلاح النظام المالي الدولي.

- تشجيع أدوات التمويل المبتكرة من أجل التنمية المستدامة.

- تحسين الكفاءة في تعبئة الموارد المحلية لتحقيق أقصى قدر من الإيرادات.

- تحسين كفاءة الإنفاق العام لزيادة فاعلية الإنفاق.

- معالجة نقاط الضعف المتعلقة بالديون في البلدان العربية المتأثرة بالصراعات والبلدان منخفضة الدخل.