خيارات صعبة للرئيس الروسي في سوريا

بوتين بحاجة إلى طهران لسببين... التمويل والقوات على الأرض

أطفال بلدة حمورية في الغوطة الشرقية يراقبون انتشال الناجين من قصف الطيران في يناير الماضي (إ.ب.أ)
أطفال بلدة حمورية في الغوطة الشرقية يراقبون انتشال الناجين من قصف الطيران في يناير الماضي (إ.ب.أ)
TT

خيارات صعبة للرئيس الروسي في سوريا

أطفال بلدة حمورية في الغوطة الشرقية يراقبون انتشال الناجين من قصف الطيران في يناير الماضي (إ.ب.أ)
أطفال بلدة حمورية في الغوطة الشرقية يراقبون انتشال الناجين من قصف الطيران في يناير الماضي (إ.ب.أ)

بينما تسيطر حالة من الفزع المرضي من الجواسيس الروس على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام العالمية ربما يتركز اهتمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مشكلة أكبر بكثير تلوح في الأفق أمام إدارته: سوريا.
للوهلة الأولى ربما يبدو أن سوريا دخلت مرحلة جديدة على الأرض بعد سبع سنوات من الحرب والتي ربما تكون قد استنزفت طاقة جميع الأطراف المعنية. اليوم، تنقسم البلاد إلى خمس مناطق للنفوذ تخضع لسيطرة قوى أجنبية مختلفة. كما تراجع تدفق اللاجئين بصورة بالغة، بينما أصبحت الجماعات المسلحة المتنوعة التي قاتلت ضد نظام الرئيس بشار الأسد وضد بعضها البعض، محصورة داخل مساحات ضيقة من الأرض أو تتعرض للتقييد من جانب حلفاء أجانب أقوياء.
ومع ذلك فإن ما قد يبدو أنه وضع فعلي قائم ومستقر للوهلة الأولى ربما يظهر في صورة مختلفة عند تدقيق النظر فيه. أولاً: في الوقت الذي توقف القتال على الأرض بصورة شبه كاملة، فإن الجماعات المعادية للأسد بما فيها تلك المرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، بدأت في التحول إلى أساليب إرهابية كلاسيكية لتقويض الوضع القائم. الشهر الماضي، كانت العمليات التي جرت في اللاذقية وهي واحدة من المحافظات التي يعتقد أنها موالية للأسد في معظمها، مثالا على ذلك. وبالأمس، وقع تفجير ضخم قرب حلب أكبر مدن سوريا من حيث عدد السكان.
وقد حددت الاستخبارات الروسية على الأقل 20 «وحدة عمليات» تستعد لشن هجمات داخل مناطق حضرية وضد أهداف عسكرية، تبعاً لما ذكرته وسائل إعلام روسية.
كما أن هناك سخطا متزايدا في صفوف الرأي العام الروسي تجاه مشاركة موسكو في صراع يبدو بلا نهاية. وفي الوقت الذي يتركز الاهتمام العالمي على 18000 سوري نصفهم تقريباً من المدنيين، قتلوا في غارات قصف روسية، يتركز الاهتمام داخل روسيا نفسها على 3000 فرد عسكري وفني روسي على الأقل قتلوا هناك.
الأسوأ عن ذلك فإن ادعاء بوتين في فترة مبكرة من الحرب بأن تدخله في سوريا سوف يوقف تدفق مسلمين مسلحين من المجتمع المسلم الروسي على مناطق الصراعات، ثم عودتهم إلى الوطن، لم يتحقق على أرض الواقع. وطبقا لما ذكرته مصادر روسية، فإن آلاف المقاتلين من الجمهوريات الروسية ذات الأغلبية المسلمة، خاصة تتارستان وإنغوشيا والشيشان وداغستان، انتقلوا إلى سوريا عبر إيران أو جورجيا وتركيا. ومن المعروف أن إيران ألقت القبض على عدد من الجهاديين المحتملين القادمين من روسيا لكن من الواضح أنها عاجزة عن وقف تدفق هذه العناصر عبر أراضيها إلى سوريا. والمؤكد أن بوتين لا تروق له فكرة إمكانية عودة أعداد ضخمة من المقاتلين المتمرسين إلى روسيا على مر السنوات.
أيضا تؤثر سوريا على خطط بوتين للتقارب مع الولايات المتحدة، لكن بشروطه هو. وطبقا لما ورد في تحليل صادر عن مجلس العلاقات الخارجية، فإن إدارة ترمب «تنظر إلى إيران، وليس روسيا، باعتبارها التهديد الأمني الأكبر في الشرق الأوسط. وترى الإدارة أن روسيا مرنة نسبياً بخصوص النتائج في سوريا وتشارك واشنطن عدم ارتياحها تجاه النفوذ الإيراني المتزايد هناك. ولا تزال الرؤية الأميركية قائمة على أن روسيا البديل الأقل ضرراً بين حلفاء النظام السوري وتملك نفوذا كافيا للتأثير عليه إذا ما اختارت ذلك».
ومع ذلك فإن واشنطن تستلزم من أجل الاستمرار في صياغة سياساتها بناء على هذا التحليل، أن تلتزم روسيا بالمطلب المحوري لترمب الخاص بطرد القوات الإيرانية من سوريا.
أما المشكلة، فهي أنها رغم أن بوتين قد يفضل رؤية الإيرانيين خارج سوريا فإنه بحاجة إلى طهران لسببين. أولاً أن الجمهورية الإسلامية المصدر الأكبر للدعم المالي لنظام الأسد. وتشير تقديرات إيرانية رسمية إلى أن طهران تنفق أكثر من 6 مليارات دولار سنويا على رواتب أفراد عسكريين ومدنيين في صف الأسد. وتقدم طهران إسهاماً أهم يتمثل في القوات على الأرض التي يحتاجها بوتين لتعزيز سيطرته على الملف السوري.
داخل سوريا، تتألف الوحدات المقاتلة تحت سيطرة إيران من أكثر من 80000 رجل بينهم مرتزقة من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان. وربما تجد القيادة الإيرانية صعوبة في نقل هذا العدد الضخم من المقاتلين الأجانب إلى داخل إيران ـ وهو إجراء قد يهدد أمن الجمهورية الإسلامية نفسها. وقد يتمثل أحد الحلول الممكنة، في إعادة تنظيم هذه القوات لتصبح نسخة إيرانية من الفيلق الفرنسي الأجنبي وتحديد مقره في سوريا تبعاً لاتفاق مع نظام الأسد. وقد أثيرت هذه الفكرة بالفعل خلال زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي الأخيرة لدمشق. إلا أن الرئيس الأسد يرفض حتى الآن منح طهران حق الإبقاء على قوات داخل سوريا بصورة دائمة.
في الوقت ذاته فإن انتقال القوات الخاضعة لسيطرة إيران بعيدا عن الحدود مع إسرائيل ولبنان، من الواضح أنه لم يرض واشنطن التي ترغب في رحيل كامل لهذه القوات عن سوريا.
من ناحيته ينظر بوتين إلى توسيع نطاق المشاركة الدولية في سوريا باعتبارها وسيلة لتخفيف الضغوط عن الموارد الروسية. ويعني ذلك عقد مؤتمر دولي للدول المانحة لصياغة خطة لإعادة الإعمار لسوريا التي مزقتها الحرب.
ومع ذلك، ثمة عقبة كبرى في طريق بناء مثل هذا التحالف تحت قيادة روسية، وذلك لأن الأوروبيين يطالبون بمحو الرئيس الأسد من الحياة السياسية السورية في إطار جدول زمني معقول قبل إعلان أي تعهدات مالية.
من جهتها أكدت مارغوت لايت البروفسورة بكلية لندن للاقتصاد، أن «مصلحة روسيا لا تتطابق مع مصلحة الأسد». وأعرب عن الفكرة ذاتها ريتشارد ريف الذي يترأس «برنامج الأمن المستدام»، وهي منظمة بريطانية يجري النظر إليها باعتبارها المصدر الرئيسي والمعتبر للتحليلات المتعلقة بالصراع في سوريا.
ونظرا لإدراكه أن مكاسبه الواضحة في سوريا من الممكن أن تتحول بسهولة إلى خسائر كبرى، يقف بوتين في مواجهة خيارات صعبة في سوريا.



مصر: الإفراج عن الناشط السوري ليث الزعبي وترحيله

سوريون يغادرون مصر بعد سقوط بشار (مواني البحر الأحمر)
سوريون يغادرون مصر بعد سقوط بشار (مواني البحر الأحمر)
TT

مصر: الإفراج عن الناشط السوري ليث الزعبي وترحيله

سوريون يغادرون مصر بعد سقوط بشار (مواني البحر الأحمر)
سوريون يغادرون مصر بعد سقوط بشار (مواني البحر الأحمر)

أفرجت السلطات الأمنية المصرية عن الناشط السوري الشاب ليث الزعبي، بعد أيام من القبض عليه وقررت ترحيله عن مصر، و«هو ما توافق مع رغبته»، بحسب ما كشف عنه لـ«الشرق الأوسط» صديقه معتصم الرفاعي.

وكانت تقارير إخبارية أشارت إلى توقيف الزعبي في مدينة الغردقة جنوب شرقي مصر، بعد أسبوع واحد من انتشار مقطع فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي تضمن مقابلة أجراها الزعبي مع القنصل السوري في القاهرة طالبه خلالها برفع علم الثورة السورية على مبنى القنصلية؛ ما تسبب في جدل كبير، حيث ربط البعض بين القبض على الزعبي ومطالبته برفع علم الثورة السورية.

لكن الرفاعي - وهو ناشط حقوقي مقيم في ألمانيا ومكلف من عائلة الزعبي الحديث عن قضية القبض عليه - أوضح أن «ضبط الزعبي تم من جانب جهاز الأمن الوطني المصري في مدينة الغردقة حيث كان يقيم؛ بسبب تشابه في الأسماء، بحسب ما أوضحت أجهزة الأمن لمحاميه».

وبعد إجراء التحريات والفحص اللازمين «تبين أن الزعبي ليس مطلوباً على ذمة قضايا ولا يمثل أي تهديد للأمن القومي المصري فتم الإفراج عنه الاثنين، وترحيله بحرياً إلى الأردن ومنها مباشرة إلى دمشق، حيث غير مسموح له المكوث في الأردن أيضاً»، وفق ما أكد الرفاعي الذي لم يقدّم ما يفيد بسلامة موقف إقامة الزعبي في مصر من عدمه.

الرفاعي أوضح أن «أتباع (الإخوان) حاولوا تضخيم قضية الزعبي والتحريض ضده بعد القبض عليه ومحاولة تصويره خطراً على أمن مصر، وربطوا بين ضبطه ومطالبته برفع علم الثورة السورية في محاولة منهم لإعطاء القضية أبعاداً أخرى، لكن الأمن المصري لم يجد أي شيء يدين الزعبي».

وشدد على أن «الزعبي طوال حياته يهاجم (الإخوان) وتيار الإسلام السياسي؛ وهذا ما جعلهم يحاولون إثارة ضجة حول قضيته لدفع السلطات المصرية لعدم الإفراج عنه»، بحسب تعبيره.

وتواصلت «الشرق الأوسط» مع القنصلية السورية في مصر، لكن المسؤولين فيها لم يستجيبوا لطلب التعليق، وأيضاً لم تتجاوب السلطات الأمنية المصرية لطلبات توضيح حول الأمر.

تجدر الإشارة إلى أن الزعبي درس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وبحسب تقارير إعلامية كان مقيماً في مصر بصفته من طالبي اللجوء وكان يحمل البطاقة الصفراء لطلبات اللجوء المؤقتة، وسبق له أن عمل في المجال الإعلامي والصحافي بعدد من وسائل الإعلام المصرية، حيث كان يكتب عن الشأن السوري.

وبزغ نجم الزعبي بعد انتشار فيديو له يفيد بأنه طالب القنصل السوري بمصر بإنزال عَلم نظام بشار الأسد عن مبنى القنصلية في القاهرة ورفع عَلم الثورة السورية بدلاً منه، لكن القنصل أكد أن الأمر مرتبط ببروتوكولات الدبلوماسية، وأنه لا بد من رفع عَلم الثورة السورية أولاً في مقر جامعة الدول العربية.

ومنذ سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ولم يحدث بين السلطات في مصر والإدارة الجديدة بسوريا سوى اتصال هاتفي وحيد بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ووزير خارجية الحكومة المؤقتة السورية أسعد الشيباني، فضلاً عن إرسال مصر طائرة مساعدات إغاثية لدمشق.