مسلسل الاغتيالات يطال ضحيتين في البصرة

16 مذكرة اعتقال ضد ناشطين بتهم حرق مقار أحزاب والقنصلية الإيرانية

TT

مسلسل الاغتيالات يطال ضحيتين في البصرة

رغم تراجع موجة الاحتجاجات الشعبية في البصرة وتوقفها شبه التام في الأيام الأخيرة، فإن ارتدادات تلك المظاهرات التي انطلقت في البصرة مطلع يوليو (تموز) الماضي، لا تزال متواصلة وتلقي بظلال من الشك حول كل ما يحدث في المحافظة، إن لجهة عمليات مطاردة الناشطين ومذكرات القبض التي صدرت وتصدر بحقهم، أو لجهة عمليات الاغتيال التي تطال نشطاء وشباباً... وطال مسلسل الاغتيالات في المحافظة شابين ذهبا ضحيته أمس.
وعلى صعيد ملاحقة الشباب المتظاهرين، صدرت، أول من أمس، مذكرة قبض بحق 16 ناشطاً مدنياً، وقامت الشرطة بعمليات مداهمة لمنازلهم، على خلفية اتهامهم بالضلوع في عمليات حرق مقرات الأحزاب والفصائل المسلحة والقنصلية الإيرانية مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي.
وسألت «الشرق الأوسط» الناشط وائل الزامل عما إذا كان اسمه ورد ضمن لائحة المطلوبين، فأجاب: «لا، لحسن الحظ، يبدو أن الدور لم يصل إليّ بعد. أعتقد أن مذكرات القبض كيدية وطالت متظاهرين لا شأن لهم بعمليات حرق مقرات الأحزاب أو غيرها». ويعتقد الزامل أن «العدالة في البصرة باتت في خطر نتيجة خضوعها لبعض الجهات السياسية في قضية إصدار مذكرات القبض ضد الناشطين من دون أن تأخذ بنظر الاعتبار مدى دقة المعلومات التي تقدمها تلك الجهات إلى القضاء».
واتهم الزامل «جهات سياسية» لم يسمها بالاسم، بالوقوف وراء إصدار مذكرات القبض بحق الناشطين، فيما أصرّ ناشط فضل عدم نشر اسمه وطلب الاكتفاء بذكر الحرفين الأولين منه؛ «أ.ب»، على أن زعيم ميليشيا «ثأر الله» ويدعى يوسف ثناوي المقرب من إيران، هو من يقف وراء دعوى الاتهام بحرق المقرات الحزبية في البصرة.
وأكد «أ.ب» في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المحتجين أحرقوا مقرا لميليشيا «ثأر الله»، مشيراً إلى «خلافات شخصية بين زعيمها يوسف ثناوي وبعض الناشطين، لأنهم رفضوا رغبته في تصدر المشهد الاحتجاجي عام 2015، نظرا لمعرفتهم بصلاته مع إيران والعمليات المشبوهة التي قام بها في البصرة».
وأشار «أ.ب» إلى أن «مذكرات القبض بحق الناشطين، إضافة إلى عمليات الاغتيال المتواصلة، هدفها خلق جو من الرعب داخل البصرة وردع الشباب عن المطالبة بحقوقهم عبر الاحتجاجات».
وفي أحدث فصول مسلسل الاغتيالات التي تطال النشطاء ومختلف الشخصيات الاجتماعية في البصرة، أفادت مصادر مطلعة، أمس، بأن شابين قتلا بإطلاق نار عليهما من قبل مجهولين.
ولم يصدر عن الشرطة أي بيان يوضح ملابسات الحادث الذي وقع بالقرب من الجسر الأحمر في منطقة الطويسة وسط البصرة.
ودفعت المخاوف ومجمل عمليات إلقاء القبض والاغتيالات التي وقعت في البصرة مؤخرا، جماعات الحراك الاحتجاجي إلى عقد مؤتمر صحافي وإصدار بيان شديد اللهجة أول من أمس، يندد ويحتج على ما حدث من «ضياع العدالة وانتهاك حقوق المواطنين».
ويتحدث بيان الحراك عن وأضاع مدينتهم المنكوبة بسوء الخدمات والفساد، التي «زاد من أوجاعها السلوك الوحشي الذي قامت به بعض القوات الأمنية تجاه المتظاهرين، يقابله صمت رهيب من القضاء العراقي تجاه الانتهاكات الكبيرة التي تعرض لها المتظاهرون، والموثقة من مفوضية حقوق الإنسان في البصرة»، في إشارة إلى قيام مفوضية البصرة برفع دعاوى قضائية، عبر الادعاء العام، نظراً لأنها جهة حكومية، حول الانتهاكات التي ارتكبتها أجهزة الأمن ضد المتظاهرين وأودت بحياة نحو 25 منهم وأدت إلى إصابة أكثر من 500 متظاهر خلال المظاهرات التي جرت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في البصرة.
وأبدى البيان أسفه الشديد لـ«التزام الادعاء العام الصمت عن دماء الشهداء وعن الاعتقالات والتعذيب وعن الجرحى، والاعتقالات التي طالت حتى الجرحى في المستشفيات». وقال البيان: «نرى اليوم موجة جديدة من الاستهداف لناشطين مدنيين، عملوا على تهدئة الأوضاع، ورفضوا حالة الحرق أو التخريب، وساهموا في عودة الهدوء والسلمية للمظاهرات في البصرة من خلال نشاطهم الميداني ومن خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية، لكن هذا الهدوء لم يرق لمجاميع مسلحة حاولت وتحاول الضغط على الأجهزة الأمنية والتأثير على القضاء العراقي، من خلال نفوذها وتهديداتها، بهدف إبعاد الناشطين المدنيين السلميين عن مظاهرات البصرة».
وطالب البيان الادعاء العام العراقي بتحريك دعاوى قضائية باسم الشهداء والجرحى والمعذبين في المعتقلات، كذلك طالب «مجلس النواب بالتدخل الفوري لإيقاف البطش والاعتقالات بحق المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية والقوى السياسية التي باتت تتحكم بالقضاء في البصرة».
وجدّد مطالبته بمحاكمة قائد عمليات البصرة السابق جميل الشمري، «نظرا لما اقترفه من جرائم بحق الإنسانية تجاه المتظاهرين»، ومضى البيان يقول: «نطالب الأجهزة الأمنية وعلى رأسها قائد العمليات وقائد الشرطة الجديد بفرض هيبة الدولة وإبعاد تأثير المجاميع المسلحة على الأجهزة الأمنية».
ولوّح البيان الاحتجاجي في حال عدم تلبية المطالب المشروعة، بـ«انطلاق مظاهرات كبرى وغاضبة تضم كل أطياف الشعب البصري العشائرية والدينية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».