مصادر بعبدا: هيكلية الحكومة جاهزة بنسبة كبيرة

رجحت إعلانها بعد عودة عون من أرمينيا نهاية الشهر

TT

مصادر بعبدا: هيكلية الحكومة جاهزة بنسبة كبيرة

لم تحمل الأيام القليلة الماضية مواقف واضحة للقيادات السياسية المعنية بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، إلا أنها حملت انطباعات إيجابية جداً توحي بقرب ولادة الحكومة، بخلاف الأجواء القاتمة التي أعقبت كلام وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال (رئيس التيّار الوطني الحرّ) جبران باسيل، يوم الجمعة الماضي، الذي وضع فيه معايير لتوزيع المقاعد الوزارية والحقائب، لاقت اعتراض معظم القوى السياسية، ورأت فيها انقلاباً على التفاؤل الذي أشاعه الرئيس المكلّف سعد الحريري، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، حيث توقّع ولادة الحكومة خلال عشرة أيام.
ويبدو أن الانطباع الذي خرج به الحريري بعد لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، يوم الأربعاء الماضي، لا يزال على حاله، إذ أعلنت مصادر القصر الجمهوري أن «المناخ العام يؤشر إلى حلحلة تبشّر بولادة الحكومة قبل نهاية الشهر الحالي». وكشفت لـ«الشرق الأوسط»، أن «هيكلية الحكومة باتت جاهزة بنسبة كبيرة جداً، وتبقى مسألتان فقط، الأولى تنتظر الاتفاق على الحقائب التي ستسند إلى (القوات اللبنانية)، والاتفاق على اسم الشخصية الدرزية الثالثة التي ستوزّر من خارج (الحزب التقدمي الاشتراكي)». وأكدت مصادر بعبدا أنه «بعد عودة الرئيس عون من أرمينيا يوم الجمعة المقبل، قد نشهد ترجمة فعلية للمناخ الإيجابي، وقد نزفّ إلى اللبنانيين حكومتهم الجديدة في وقت قريب، وعلى الأرجح قبل نهاية الشهر الحالي على أبعد تقدير».
ورغم غياب أي موقف للرئيس المكلّف، بعد حديثه التلفزيوني، أوضحت مصادر مقرّبة منه أن الحريري «لا يزال عند تفاؤله بقرب تشكيل الحكومة». وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس الحكومة «يراهن على حكمة الرئيس ميشال عون، وحرصه على إخراج الأزمة من دوامة التعطيل»، مشيرة إلى أن الحريري «لا يزال يتلقّى إشارات إيجابية من بعبدا، ويتوقّع عقد لقاء آخر مع رئيس الجمهورية فور عودة الأخير من زيارته الرسمية إلى أرمينيا».
وأسفرت الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون في 23 مايو (أيار) الماضي، إلى تسمية الحريري رئيساً لحكومة ما بعد الانتخابات بـ111 نائباً، ولا يزال الحريري منذ خمسة أشهر يحاول تقريب وجهات النظر، للاتفاق على حكومة وحدة وطنية تراعي التوازنات السياسية في البلاد، والنتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة.
ورغم السقف المرتفع لكلام باسيل يوم الجمعة الماضي، الذي فُسّر على أنه انقلاب على تقارب عون الحريري، كشفت مصادر مطلعة على المشاورات ترجيحها أن «ينطوي كلام باسيل في مقابلته التلفزيونية بعد غدٍ الخميس، على تهدئة تترجم التفاهمات السياسية التي انتعشت في الأيام الأخيرة». وأشارت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن باسيل «سيشرح موقفه الأخير، الذي قرأه البعض تخطياً لأجواء التفاؤل التي أرساها لقاء بعبدا الأخير بين عون والحريري، من دون أن يتخلّى رئيس (التيار الحرّ) عن حقّه في إبداء رأيه بالملف الحكومي، لكن من دون تعطيل أو عرقلة».
ولا يزال رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، يبعث برسائل تحثّ الأطراف على تخطي المصالح الشخصية، وتقديم التنازلات التي تسهّل مهمة الرئيس الحريري، وأكدت مصادر «الحزب الاشتراكي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب «لا يزال على إيجابياته، وهناك مواقف وليد جنبلاط المتتالية، التي تشدد على محاولة إحداث خرق في عملية تأليف الحكومة». وقالت المصادر: «نحن معنيون بالمساعدة في عدم ترك البلد ينزلق في الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وتركه في مهبّ الريح». وأوضحت مصادر «الحزب الاشتراكي»، أن «مواقف جنبلاط الإيجابية تنتظر ترجمتها بالتشاور مع الرئيس المكلّف والجهات المعنية بعملية تأليف الحكومة، عبر طروحات رسمية محددة، لم نحصل عليها حتى هذه اللحظة».
من جهته، رأى عضو «تكتل لبنان القوي» النائب ماريو عون، أن «ملف تشكيل الحكومة بات في مربعه الأخير، حيث إن الأجواء تفاؤلية بقرب ولادة الحكومة ضمن مهلة نحو عشرة أيام أو أكثر، كما أعلن الرئيس المكلف أخيراً». واعتبر أن «طرح الوزير جبران باسيل بأن كل خمسة نواب يعادلون وزيراً في الحكومة قريب إلى الواقع، مع بعض الاستثناءات، ويستحق الدراسة»، مؤكداً أن «مرشح كتلة ضمانة الجبل في منطقتي الشوف وعاليه لا يزال النائب طلال أرسلان». وعن العقدة المسيحية، توقع ماريو عون «الوصول إلى حل، إذ إن لا مشكلة بحصول (القوات اللبنانية) على أربعة وزراء».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.