فرية «الاشتراكية الإسلامية»

خطورة الخلط بين اتفاق المقصد واختلاف المنهجية

TT

فرية «الاشتراكية الإسلامية»

أخذت حركة الإصلاح في العالم العربي - الإسلامي مناحي متعددة وتوجهات مختلفة اتصالاً بالخريطة الآيديولوجية التراثية والدولية، ومن هذه التيارات التيار اليساري الذي رأى في الاشتراكية وتطبيقاتها وسيلة التقدم المنشود، فتعددت الحركات والأحزاب اليسارية في العالم العربي، وهو أمر مفهوم لارتباطه بالجدل الفكري والآيديولوجي السائد في الغرب آنذاك. ولكن كثيراً منهم سعى للتوفيق بينها وبين الإسلام، خصوصاً مع وجود بعض الجذور الماركسية التي لفظت الدين من الأساس. ولذا وجدنا تياراً يسعى للربط بين الاشتراكية والإسلام، فأنجبوا لنا مصطلحات عجيبة؛ على رأسها «الاشتراكية الإسلامية» بهدف «أسلمة» الاشتراكية أو العكس. وحقيقة الأمر أنه كان تياراً سابقاً لتدشين الأنظمة السياسية الاشتراكية في منطقتنا، فوجدنا صداه بين بعض المشايخ والمفكرين الإسلاميين والشعراء وحفنة من اليساريين على حد سواء، حتى إن أمير الشعراء أحمد شوقي يقول في قصيدته في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم):
الاشتراكيون أنت إمامهم
لولا دعاوى القوم والغلواء
وقد تطور هذا المفهوم تدريجياً وزاد زخماً عندما ادعت أنظمة سياسية عربية صراحة أن «الإسلام تجسيدٌ للروح الاشتراكية» لإضفاء مزيد من الشرعية على نفسها. وقال الشيخ مصطفى السباعي في أحد كتبه إن «حق التملك في اشتراكية الإسلام يخضع لمصلحة الجماعة، بينما في النظم الرأسمالية تخضع الجماعة لمصلحة الرأسمالية». وزاد آخرون على هذا النحو بالاستدلال الزمني بأن بوادر «الاشتراكية» في الإسلام كانت ظاهرة في مجتمع البداوة ذاته، وأن مطالبة الرسول عليه الصلاة والسلام بالإخاء بين المهاجرين والأنصار تعدّ نوعاً من مبادئ الاشتراكية، لا سيما أن القرآن الكريم قد أقرّ أن المال والأرض ملك للمولى عز وجل. واستزاد آخرون في هذا التوجه مقرّين بأن القرآن الكريم والسيرة النبوية لا يتضمنان أي مبادئ تتناقض مع النظام الاشتراكي وهو ما يؤكد قبول الإسلام الاشتراكية؛ بل الدعوة لها من خلال تطبيق التكافل داخل المجتمع الإسلامي.
وسرعان ما ركبت حركة «الإخوان المسلمين» هذه الموجة في حربها مع الملكية في مصر، حتى أصبح هذا التوجه سلاحاً سياسياً مهماً، ولكن مفهوم «الاشتراكية الإسلامية» تراجع بشكل جذري بانتهاء حكم عبد الناصر في مصر، وتبني النظم الرأسمالية في العالم العربي، ولكن ليس قبل أن يترك لنا حتى اليوم نوعاً من «النوستالجيا» أو الحنين داخل كثير من الطبقات الاجتماعية.
وتقديري أن هذه الفرية المفاهيمية التي التصقت بالإسلام لتنعته بالاشتراكية تحتاج لإعادة نظر فورية لأسباب عدة؛ منها:
أولاً: أن الاشتراكية بمفهومها الواسع وتطبيقاتها المتشعبة ومنهجها الفكري المرتبط بالجدلية المادية تختلف شكلاً وموضوعاً عن جذور المفاهيم الإسلامية وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز استخدامها «لشرعنة» نظام أو تطبيق سياسي، لأن هذا يعني بالضرورة تثبيت الإسلام زمنياً ومكانياً في زمن تتعدد فيه الأنظمة السياسية وتتطور، وهذا يعد أكبر خطيئة في حق دين الله الحنيف، لأنه صالح لكل زمان ومكان، فالأنظمة السياسية متغيرة، ومبادئ الإسلام ثابتة، كما أن مثل هذا السلوك الفكري العابث من شأنه أن يضفي قداسة على آيديولوجية لا قداسة لها لأنها من صناعة البشر.
ثانياً: يحمل هذا المفهوم لبساً منهجياً وخلطاً مفاهيمياً خطيراً، فعدم وجود تعارض بين مبادئ الاشتراكية والنص الإلهي أو التطبيق الرسولي ليس معناه الانطباق أو التطابق مع الاشتراكية، فالإسلام لم يحض في أي موضع على الملكية العامة لوسائل الإنتاج سواء للتكافل أو توحيد الطبقات الاجتماعية، فهو بعيد كل البعد عن هذا، بل إنه قنن الملكية الفردية لكن لم يضع لها سقفاً، ولكنه وضع لها قدراً كبيراً من التهذيب يبدأ بالسلوك وينتهي بحق المجتمع في الزكاة، كما أن هناك نماذج رأسمالية صريحة مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، ومع ذلك فلم تتأثر وضعيتهما.
ثالثاً: قد تتفق الآيديولوجية الاشتراكية والإسلام في مقصد مشترك وهو مفهوم «التكافل الاجتماعي»، ولكن هذا ليس معناه التطابق أو حتى التشابه الذي يسمح ببناء صرح مفاهيمي على هزل منهجي كهذا، فهناك بالفعل المفهوم نفسه على الخريطة السياسية اليوم في أكبر الدول الرأسمالية، ويطلق عليه «دولة الرفاهية أوWelfare State» بل ويتم تطبيقه بشكل ناجح جداً، فهل سنخوض اليوم حرب صبغ الإسلام بالرأسمالية أو العكس؟ وهنا تكمن خطورة الخلط المفتعل أو العفوي بين اتفاق بعض المقاصد وتناقض المنهجية أو الآيديولوجية ذاتها مع الدين.
حقيقة الأمر أننا أمام ظاهرة سياسية واجتماعية متكررة مرتبطة بالسعي لتطويع الدين لخدمة الأغراض السياسية أو تسويق آيديولوجية، وهو خطر داهم ليس فقط على ديننا الحنيف، ولكن على المجتمع ككل، لأنه يفرز حالة من التشكك لدى بسطاء العلم عندما تفشل التجربة السياسية، وهذا مجرد نموذج مصغر لظاهرة مستمرة بجعل الدين عنصراً متغيراً في المعادلة السياسية لشرعنة نظام محدد أو زعامة سياسية... ألم يئن الأوان أن ندرك أن الدين أخطر عناصر المعادلة السياسية، واستخدامه هكذا يمثل في النهاية افتراءً عليه وتشويشاً على المواطن، ومعضلة فكرية ودينية للمفكرين.

نماذج من شعر ابن عربي في الديوان الكبير:
فَمَنْ هَامَ فيما هِمْتُ فِيهِ فَعَارِفٌ
وَمَنْ هَامَ في غَيْرِ الهَوَى فَمُضَلَّل
كقيس بِلُبْنَى أو كُثَيِّرِ عَزَّةٍ لَقَوْا
في الهوى ما ليس في النّاسِ يُجهَلُ
وأصحابنَا أَهْلُ الهَوَى في هَواهمُ
أَلِبَّاءُ ساداتٌ هُداةٌ وكُمَّلُ
بهذا الذي قلتُهُ وشَرحتُهُ
تبيّنَ للمعروفِ مَنْ هو أفضل
أريدُ المعاني، غيرَها لا أريدُه
وإن كان في الأعراض ما لا يُعَلَّلُ

وقال أيضاً:
واللَّه ما شَهِدَتْ عيني سِوَى الأَثَرِ
مِمَّنْ أُحِبُّ وما للعين من خَبَرِ
فصرتُ أقفو طريقَ العين أطلُبُها
في كلِّ ما يَتَجَلَّى لي مِنَ الصُّوَرِ
أقول هاذي، يقالُ ما هنا أحد
فحرتُ فيها وفي أمري وفي الأثَر
فقيلَ لي إن ما تَبْغِيهِ ليسَ هُنَا
اُنْظُرْهُ تَظْفَرْ به في صورةِ القَمَرِ
إذا علا فسَناهُ عينٌ مانِعةٌ
فليس يحجُبُهُ عن رُؤْيَةِ البَصَرِ
وإنما قلتُ هذا في تَصَوُّرِهِ
مِنْ اسمِهِ مَهبلند لا مِنَ النَّظَرِ
فما لفكرٍ مجالٌ في حقيقَتِها
لأنها خرجَتْ عن رُتْبَةِ البَشَر
بالوَهْمِ يلقاها مَنْ يَبْغِي النَّعِيمَ بها
فقد تعالتْ عن الإدراكِ بالفِكَرِ



«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
TT

«هيئة المكتبات» السعودية تنظم معرضاً لمجموعة نادرة من المخطوطات التاريخية

يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)
يتضمن المعرض مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى (واس)

تنظم هيئة المكتبات «معرض المخطوطات السعودي» في العاصمة الرياض خلال الفترة من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي إلى 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تحت شعار «حكايات تُروى لإرث يبقى»، الذي يتضمن مجموعة فريدة ونادرة من المخطوطات التاريخية التي تُعرض لعموم الجمهور والمهتمين للمرة الأولى، التي تغطي مجالات معرفية متعددة.

ويضمُّ المعرض باقة متنوعة من الفعاليات المصاحبة، تشمل ورش عمل يقدمها نُخبةٌ من العلماء والباحثين، وتحظى بمشاركة المهتمين بالتراث المخطوط؛ لمعرفة أهمية المخطوطات، وتقنيات حفظها وترميمها، ورقمنتها وأرشفتها، إلى جانب دراستها وتحليلها.

كما يُقدم المعرض تجربةً إثرائية فريدة للزائر عبر أقسامه المختلفة، وعبر التجارب الرقمية وصناعة المحتوى، والاطلاع على جدارية المخطوطات.

ويسعى «معرض المخطوطات السعودي» إلى استضافة كثير من الزوار والمهتمين بالمخطوطات على مستوى محلي وإقليمي ودوليّ، سواءً كانوا من القُرّاء والباحثين، أو مُلّاك المخطوطات من الأفراد والمؤسسات، أو صناع المحتوى الذي يتناسب مع هذا المجال، بالإضافة إلى منسوبي المكتبات السعودية والعالمية، والجهات ذات العلاقة، وذلك لتوسيع دائرة التركيز على هذا المجال الفريد، وإضفاء مزيد من التواصل للإبقاء على رونقه والاهتمام به.

يأتي تنظيم هيئة المكتبات للمعرض بهدف إبراز دور السعودية في الاهتمام بحفظ التراث الثقافي المخطوط محلياً ودولياً، وعكس أهمية حفظ التراث المخطوط، وتيسيره، ونشره محلياً وعربياً، والإسهام في النمو الثقافي والاقتصادي للقطاع في مجال المخطوطات، وتسليط الضوء على الخبرات الوطنية في علم المخطوطات وترميمها، وتعزيز الوعي المعلوماتي حول قيمة المخطوطات وتاريخها الثقافي بوصفها إرثاً ثقافياً مُمتداً.