«دار الصياد» ضحية مزاج الأحفاد

إمبراطوريات صحافية تتصدّع بفعل الميراث

الأخوة فريحة
الأخوة فريحة
TT

«دار الصياد» ضحية مزاج الأحفاد

الأخوة فريحة
الأخوة فريحة

على عكس ما يشاع، ليس شح المال هو الذي دفع بأبناء سعيد فريحة إلى الإعلان عن إقفال «دار الصياد» العريقة، بعد 67 سنة من العمل الدؤوب، وإيقاف إصدار مطبوعاتها كافة، بدءاً من الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2018. صحيح أن الدار تخسر منذ 10 سنوات، وأن الأبناء كانوا يغطون التكاليف «لكن الخير كثير، وليس عندنا مشكلات مالية».. تقول إلهام سعيد فريحة، التي أدارت مع أخويها بسام وعصام تركة والدهما منذ وفاته عام 1978. السبب الأساس وراء اتخاذ القرار الموجع هو أن الحمل بات ثقيلاً، وليس بين الجيل الجديد في العائلة مَن بمقدوره مواصلة العمل في هذه المهنة «كان لسعيد فريحة الحظ بأبناء أكملوا مسيرته، لكن الله لم ينعم علينا نحن بذرية تستطيع أن تكمل الطريق». تقول فريحة إن «أبناء بسام الثلاثة كل منهم ناجح في ميدانه، وهم بعيدون عن الصحافة، وابن أخي سعيد يعمل في المجال المالي، وهو بارع في مجاله أيضاً، أما ابنتي فقد تسلمت مجلة (فيروز) لمدة ثم انشغلت بعائلتها وأولادها». تتحدث إلهام فريحة آسفة عن جيل حرب تربى خارج لبنان، لا يجيد العربية كما يجب: «هم يتكلمونها، ولكن كم من أبنائنا يكتبونها بمهارة، ويتعاطون معها مثلنا. هذا جيل يكتب بلغات أجنبية. ليت أولادنا كانوا قادرين على الاستمرار. نأمل أن يتمكن أحفادنا يوماً من فعل شيء، ولكن من يعرف كيف سيكون الوضع في لبنان في أيامهم؟»، ثم «إن الصحافة مهنة تحتاج من يأخذها بدمه، تلزمها الموهبة. نعم، هي مهنة المتاعب، تحتاج من يتابع ويقرأ ويتفانى، ويتابع دورة يومية لا تتوقف ولا تحتمل هدنة أو استراحة. وهذا لم يعد متوفراً».
هكذا، اتفق الأخوة على وضع حد للمشوار الذي اجتازوه معاً، لحظة أدركوا أن ليس بين أبنائهم من يستطيع أن يحمل الشعلة من بعدهم، وعليهم أن يجعلوا أمورهم تنتظم في الوقت المناسب، بدل أن يتركوها عرضة للفوضى من بعدهم. وهو بالطبع ما لا يوافق عليه عاملون في «دار الصياد»، ومن سرحوا منهم على مراحل في السنوات الأخيرة؛ هؤلاء يتهمون آل فريحة بالتفريط في إرث كبير، كان يتوجب أن يحافظوا عليه برموش العين.
«العمر له حق».. تقول إلهام فريحة وهي تشرح في أي ظروف اتخذ القرار: «أخي بسام كان (دينامو) في العالم العربي؛ أخذ محل سعيد فريحة. وفي الثمانينات، كنت أنا أشرف على المجلات المتخصصة في بيروت، حيث كان في الدار 1500 موظف، وأشحنها، وبسام يهتم بالإعلان والتوزيع. وصلنا إلى أغلى سعر لإعلان في تلك الفترة، حيث بلغ سعر الصفحة 10 آلاف دولار؛ كان ذلك عصراً ذهبياً، وكانت تلك المجلات التي نصدرها من (الشبكة) إلى (سمر) وغيرها رائدة، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة العربية. اليوم، وبعد كل هذا الجهد، حان الوقت لأن نرتاح. حين يقول لي أخي بسام إنه متعب، وأرى كيف أنه يعاني من السكري، وأعرف أي جهد بذله من أجل الدار طوال 56 عاماً، فأنا أتفهمه، وأرى أن من حقه في عمر معين أن يرتاح».
فكرة تحويل الدار إلى مؤسسة لم تكن مشروعاً وارداً، لأن الأخوة كانوا من التماسك بحيث إنهم لا يريدون شركاء معهم. ليس قرار إغلاق دار عريقة سهلاً: «هذه المطبوعات أولادنا، وليس من اليسير التخلي عنها. هناك غصة كبيرة، ولا أحد يعرف ما سيحمله الغد، قد نشكر الله أننا اتخذنا هذه الخطوة في وقتها المناسب. لا أعرف ما الذي يقال عنا؟ لكن سعيد فريحة لم يخذله أولاده طوال 40 سنة، إنما هو الوطن الذي خذله. كرامة سعيد فريحة اليوم أن نعطى كل شخص حقه».
تتحدث الابنة عن أسرة «دار الصياد» الكبيرة، عن أجيال مرت وأسماء لمعت على صفحات هذه المطبوعات، عن رئيس تحرير جريدة «الأنوار» رفيق خوري، الذي قضى 50 سنة في الدار، وودعته وقد أنهى عمله وهي تذرف الدموع، وهو يفعل مثلها، وكيف أنها طلبت منه، رغم كل ما حصل، أن يأتي كل يوم إلى مكتبه ويداوم كما تعوّد. تتحدث عن موظف السنترال الذي يعمل معها منذ عشرين سنة، عن أفراد تجاوزوا السبعين، وقضوا أعمارهم في المؤسسة، وتود إكرامهم بما يفوق مستحقاتهم لأنهم لن يجدوا عملاً بديلاً. تتذكر المكاتب العامرة لـ«دار الصياد» في لندن ومصر وباريس وغيرها، وأنه بعد أسبوعين فقط، ستفرغ حتى المكاتب في بيروت، وتقفل الأبواب دون الأسرة التي كانت تشعل المكان بالنبض والحركة. نعم تقول إلهام فريحة: «نريد أن نحفظ كرامة والدنا بأن نعطي لكل ذي حق حقه، لأن والدي عاش الفقر واليتم، وتعلم وحده كيف يفك الحرف، وبنى بعصاميته هذه الإمبراطورية الصحافية، وأسس لمدرسة ونهج في الكتابة الصحافية. كانت مؤسسته الأولى من نوعها في لبنان والعالم العربي، وبقي طوال حياته كريماً معطاءً نبيلاً. ومع أنني أبدو ظاهرياً قوية، فإن أبي زرع فينا تلك العواطف الإنسانية التي تجعلنا نعيش بصعوبة مع ما يحدث معنا هذه الأيام».
نقطة النهاية الموجعة التي وضعها ورثة سعيد فريحة، وهم ينهون 67 عاماً من حياة واحدة من أقدم المؤسسات الصحافية في العالم العربي، تطرح السؤال حول إمكانية استمرار أي مؤسسة صحافية بالاعتماد على الإرث العائلي وحده. ففي نهاية عام 2016، وبعد 42 سنة من الحياة المفعمة بالمواقف والنضالات، سكتت جريدة «السفير»، وقيل كلام كثير يومها عن رغبة أبناء المؤسس طلال سلمان في عدم إدارة إرث صعب يتركه لهم والدهم، وموظفين ومسؤوليات لا يريدون تحمل أعبائها. وفضّل طلال سلمان على ما يبدو أن ينهي مغامرته الصحافية بنفسه، وصحيفته التي أعطى عمره لها، ولا يترك لأولاده مهمة التصرف بها.
وسبق ذلك عام 2011 أن قرر ورثة ملحم كرم إنهاء عمل مؤسسة صحافية كبيرة وقديمة تركها والدهم. وكان الرجل قد ورث مهنة الصحافة عن أبيه القاص المعروف كرم ملحم كرم، واشترى جريدة «البيرق» في ستينات القرن الماضي، وأسس دار «ألف ليلة وليلة»، التي ضمت مجلة «الحوادث» ومجلة الـ«Revue Du Liban» باللغة الفرنسية، و«المونداي مورنينغ» بالإنجليزية. لكن ما إن ودع ملحم كرم هذه الفانية، حتى دب الخلاف بين من يريد أن يواصل مسار الأب ومن رأى في المؤسسة ورطة يستحسن التخلص منها، واستقر الرأي بعد طول نزاعات على أن السبيل الأسهل لحل كل المشكلات هو التصفية النهائية، رغم توفر الأموال.
وتبقى جريدة «النهار»، التي أسسها جبران تويني (الجد) عام 1933، وتسلمها من بعده ابنه غسان، فجبران الحفيد الذي اغتيل بعبوة أودت به عام 2005. وتعيش «النهار» اليوم تحدياً لم تصمد أمامه المؤسسات الأخرى. ورغم الانتقادات التي توجه إلى رئيسة التحرير نايلة جبران تويني بسبب تخليها عن عدد كبير من المحررين الذين اعتبروا من أركان الصحيفة، وتأخرها في دفع المستحقات، فإنها تنوع المحاولات والمبادرات، مصرّة على الاستمرار. فقد أصدرت عددين استثنائيين: أحدهما بمشاركة نجوم وشخصيات لبنانية، كتب كل في ميدانه، وعدداً آخر رأس تحريره رئيس «الجامعة الأميركية» في بيروت فضلو خوري، وكتب فيه أكاديميون ومثقفون «خريطة طريق» لخلاص لبنان، ولم تعد الصحيفة اليومية في أي حال متاحة إلكترونياً من دون اشتراكات.
ما حل بـ«دار الصياد»، رغم بعده الجارح، يكاد يكون مجرد حلقة جديدة من مسلسل المؤسسات الصحافية العائلية التي تذوي، بعد أن شهدت أوجها في النصف الثاني من القرن الماضي. وكان المؤسسون يرون في الصحافة سنداً فكرياً ورسالة وطنية، فكل منهم كان مناضلاً على طريقته، وسعيد فريحة تحديداً أصدر العدد الأول من مطبوعته الأولى (مجلة الصياد) بالتزامن مع استقلال لبنان، وهو المعروف عنه مناهضته الشديدة للانتداب، ونزعته الحرة، وأسلوبه الشيق.
ومع ارتفاع التكاليف، وشح الإعلانات، والتحول الرقمي، ثمة اليوم من لم يعد يرى في الصحافة ما كان يراه هؤلاء الرواد المؤسسون. ومع ذلك، تشجع إلهام فريحة، رغم قرارها توقيف المطبوعات، واكتفائها بأن تنشر مقالها «أونلاين»، كما يفعل طلال سلمان، وتشد على يد كل أصحاب الصحف ليستمروا، مع معرفتها بالمعاناة الكبيرة. وتقول وهي تنظر إلى الوراء: «بقيت أربعين سنة أدير الدار، ولم أتغيب يوماً، كنت مسؤولة عن 9 مطبوعات، ولا أعرف كيف تمكنت من ذلك. كنت أعمل في اليوم 15 ساعة، ولا أعرف كيف سأكتفي بعمل ساعتين فقط، وكتابة مقال. هذا ليس أنا».


مقالات ذات صلة

«الأبحاث والإعلام» ووزير الإعلام الباكستاني يبحثان آفاق التعاون الإعلامي

يوميات الشرق تناول اللقاء تطورات المشهد الإعلامي المتغير وسبل تنويع المحتوى الإبداعي التنافسي لتلبية تطلعات المتابعين (تصوير: سعد الدوسري)

«الأبحاث والإعلام» ووزير الإعلام الباكستاني يبحثان آفاق التعاون الإعلامي

استقبلت المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) في مقرّها بالرياض، وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار، لبحث فرص التعاون في المجال الإعلامي وتطوير المحتوى.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق فوز أيمن الغبيوي عن مسار «التقرير الصحافي» بجائزة «المنتدى السعودي للإعلام» (إندبندنت عربية)

«إندبندنت عربية» تحصد ثامن جوائزها في عامها السابع

فازت «إندبندنت عربية»، الجمعة، بجائزة «التقرير الصحافي» في «المنتدى السعودي للإعلام» 2025، عن تقرير «مترو الرياض... رحلة فلسفية للتو بدأت فصولها».

الولايات المتحدة​ صورة ملتقطة في 20 فبراير 2025 تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدّث خلال فعالية شهر تاريخ السود في البيت الأبيض بالعاصمة الأميركية واشنطن (د.ب.أ) play-circle

ترمب عن وكالة «أسوشييتد برس»: «منظمة يسارية راديكالية»

اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكالة «أسوشييتد برس» بأنها «منظمة يسارية راديكالية»، في أحدث انتقاداته حيالها على خلفية عدم التزامها بتغيير اسم «خليج المكسيك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق 
إحدى جلسات المنتدى السعودي للإعلام (المنتدى)

«المنتدى السعودي» يبحث دور الإعلام في تشكيل الهويات الثقافية

شهدت أعمال اليوم الثاني من «المنتدى السعودي للإعلام» في نسخته الرابعة بالرياض، أمس، جلسات نقاش وورش عمل أثرتها مشاركة إعلاميين وأكاديميين وخبراء ومتخصصين

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق جانب من اجتماع الجمعية العمومية لاتحاد غرب آسيا للصحافيين في الرياض (واس)

السعودية تفوز برئاسة اتحاد صحافيي غرب آسيا... وعضوان الأحمري رئيساً

انتخبت الجمعية العمومية لاتحاد غرب آسيا للصحافيين عضوان الأحمري، رئيس مجلس هيئة الصحافيين السعوديين، رئيساً، وذلك خلال اجتماع أقيم الخميس في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

لماذا عاقب ترمب وكالة «أسوشييتد برس»؟

ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)
ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)
TT

لماذا عاقب ترمب وكالة «أسوشييتد برس»؟

ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)
ترمب ..وبجانبه خارطة تحمل مسماه البديل لخليج المكسيك ( سي إن إن)

لم يمر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب منع مراسلي وكالة «أسوشييتد برس» من تغطية أخبار «المكتب البيضاوي» و«صعود» الطائرة الرئاسية، من دون ردود فعل من وسائل الإعلام الأميركية.

وعلى الرغم من أن الوسائل والمؤسسات الإعلامية المحسوبة على المحافظين الجمهوريين، تعاملت مع الخبر بـ«حذر»، فإن إجماعاً رأى القرار إجحافاً بحق الوكالة، يتنافى مع حرية التعبير، التي يضمنها الدستور الأميركي، والتي ألقى نائبه أخيراً جي دي فانس، دروساً على الأوروبيين في كيفية احترامها.

الوكالة، تعدّ واحدة من أهم وكالات الأنباء العالمية، ومصدراً «موثوقاً» لمئات، إن لم يكن آلاف الوسائل الإعلامية، داخل الولايات المتحدة وخارجها. ثم إنها وكالة الأنباء الوحيدة التي، من خلال شبكة مراسليها، باتت المصدر الأول والموثوق لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والعامة الأميركية.

شعار وكالة "أسوشييتد برس" (آب)

ماذا وراء قرار ترمب؟

فما الذي دفع الرئيس ترمب إلى تقييد وصول مراسلي «أسوشييتد برس»، منذ الأيام الأولى لتسلّمه منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي؟ وما القيود التي فُرضت عليها فضلاً عن تبعاتها على عمل الوكالة؟

حسب قرار ترمب، فإن السبب يعود إلى إصرار الوكالة على استخدام اسم «خليج المكسيك»، الذي تعود تسميته إلى أكثر من 400 سنة، بدلاً من «خليج أميركا» وفق الأمر التنفيذي الذي وقَّعه في اليوم الأول من رئاسته.

لكن الوكالة ردّت قائلةً بلسان لورين إيستون، نائبة رئيس الاتصالات، إنها «منظمة إخبارية عالمية قائمة على الحقائق، وغير حزبية، ولديها آلاف العملاء في جميع أنحاء العالم الذين يمتدون عبر الطيف السياسي».

وفي 23 يناير، قالت «أسوشييتد برس» في «دليل الأسلوب»، الذي أصدرته بشكل استباقي لتوجيه العملاء، إن ترمب «وقّع على أمر تنفيذي لإعادة تسمية خليج المكسيك إلى خليج أميركا، وهو مسطح مائي يتقاسم حدوداً مشتركة بين الولايات المتحدة والمكسيك... وفي حين أن أمر ترمب لا يحمل سلطة إلا داخل الولايات المتحدة، فإن المكسيك، وكذلك البلدان الأخرى والهيئات الدولية، ليست مضطرة للاعتراف بتغيير الاسم». وأشارت إلى أن الوكالة ستشير إليه باسمه الأصلي مع الاعتراف بالاسم الجديد الذي اختاره ترمب. وقالت الوكالة في الإعلان نفسه إنها ستتبع الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب لإعادة اسم جبل ماكينلي في ألاسكا، الذي تم تغييره إلى دينالي عام 2015. فالجبل يقع فقط داخل الولايات المتحدة، و«ترمب لديه السلطة لتغيير الأسماء الجغرافية الفيدرالية».

وحول منع مراسلي الوكالة من تغطية كثير من الأحداث مع ترمب الأسبوع الماضي، قال البيت الأبيض يوم الجمعة، إنه نظراً لأن الوكالة «تستمر في تجاهل تغيير الاسم الجغرافي القانوني لخليج أميركا»، فإن أماكن مراسليها في المكتب البيضاوي وعلى متن طائرة الرئاسة «ستكون الآن مفتوحة» لمراسلين آخرين.

ويوم الجمعة الماضي، مُنع بالفعل مراسل ومصوّر الوكالة من ركوب طائرة الرئاسة في رحلة ترمب خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى فلوريدا. ومع ذلك، قال البيت الأبيض إن صحافيي الوكالة «سيحتفظون بأوراق اعتمادهم في مجمع البيت الأبيض».

ما الذي يعنيه هذا «التوضيح»؟

يقول مصدر في الوكالة، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار المنع لا يشمل تغطية نشاطات البيت الأبيض، بما في ذلك الإحاطات الصحافية اليومية للناطقة باسمه أو أي مسؤول كبير، بمن فيهم الرئيس ترمب نفسه من على المنصة الصحافية للبيت الأبيض. وأضاف أنه على الرغم من منع مراسلي الوكالة من تغطية نشاطات الرئيس في المكتب البيضاوي والطائرة الرئاسية، فإن تقليداً متبعاً بين وسائل الإعلام الكبرى، يتلقّى من خلاله أحد مندوبي هذه الوسائل دورياً، وبالتناوب كل أسبوعين أو شهر، الأسئلة وتجميعها من قبل ممثلي الوسائل الأخرى، وتقديمها معاً خلال إحاطات الرئيس، والسماح لها بنشرها.

لكن وسائل إعلام أميركية، قالت إن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت ترمب إلى تقييد وصول مراسلي «أسوشييتد برس» إلى البيت الأبيض، هو الاحتجاج على ما يراه كثير من مساعديه «سنوات من اختيارات الكلمات الليبرالية» التي نشرها «دليل أسلوب» الوكالة المؤثر عبر وسائل الإعلام الرئيسية. وهذا ما جعل الوكالة هدفاً له من خلال تسليط الضوء عليها وتضخيم الانتقادات الجمهورية والمحافظة لـ«دليل الأسلوب»، لأنه المرجع الأول لمعظم المؤسسات الإخبارية الأميركية، وتشكّل الكلمات والعبارات المتعلّقة بالجنس والهجرة والعِرق وإنفاذ القانون المستخدمة فيه، النقاش السياسي في البلاد.

ليس فقط خليج أميركا...

أيضاً، نقل موقع «أكسيوس» عن تايلور بودويتش، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، قوله: «لا يتعلق الأمر فقط بخليج أميركا، بل بتسليح وكالة (أسوشييتد برس) للغة من خلال دليل أسلوبها لدفع نظرة عالمية حزبية، على النقيض من المعتقدات التقليدية والراسخة لكثير من الأميركيين وكثير من الناس في جميع أنحاء العالم».

وحقاً، بعد خمسة أيام من إصدار الوكالة دليلها بشأن تغيير اسم الخليج، عقدت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أول إحاطة لها، متوقعةً المعركة التي سيخوضها البيت الأبيض مع وسائل الإعلام التقليدية. وقال أحد مستشاري ترمب: «إنها لن تكذب وستوبّخ المنظمات الإعلامية التي تكذب... كنا نعلم أن وكالة (أسوشييتد برس) ستستمر في تسمية خليج أميركا بخليج المكسيك، وهذا تضليل».

ولجذب أقصى قدر من الاهتمام لتغييره، وقّع ترمب أمراً أمام المراسلين على متن طائرة الرئاسة في أثناء تحليقه فوق الخليج في طريقه إلى حضور مباراة الـ«سوبر بول»، (كرة القدم الأميركية)، يوم 9 فبراير (شباط)، معلناً «أول يوم لخليج أميركا على الإطلاق».

ويقول المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إن الخلاف مع الوكالة، قديم ولا يقتصر على الرئيس ترمب، بل على كثير من القيادات المحافظة. كما جاء في تقرير الموقع الإخباري، الذي أشار إلى أنه جزء من جهد أوسع نطاقاً يبذله ترمب لتشويه سمعة وسائل الإعلام التقليدية وثقة الجمهور في الصحافة، «التي وصلت بالفعل إلى أدنى مستوى لها».

وفي حين التزم معظم وسائل الإعلام الأميركية بالتسمية التي أطلقها ترمب على الخليج، فإنها حرصت على الإشارة إلى أن «الولايات المتحدة أعادت تسميته من خليج المكسيك»، ودافعت عن وكالة «أسوشييتد برس» بالقول إن الحكومة ينبغي ألّا تملي كيف تتخذ المؤسسات الإخبارية قراراتها التحريرية، لأن ذلك هو الأساس للصحافة الحرة والديمقراطية.