حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

تصنيف «نصرة الإسلام» إرهابية يجفف مصادرها ويشل قدرتها الميدانية

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها
TT

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

حصار أذرع «القاعدة» يمتد إلى شمال أفريقيا وغربها

رغم محاولات تنظيم «القاعدة» الإرهابي تطوير آلياته عبر الجماعات والتنظيمات الموالية له، لتثبيت جذوره من جديد، والعودة للمشهد على أنقاض «داعش» الذي ما زال يعاني من هزائمه في سوريا والعراق، تواجه هذه الجماعات حصاراً وضغوطاً دولية قوية خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، بواضعهم على قوائم الإرهاب، وآخرهم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تضم أكبر تحالف «قاعدي» في شمال أفريقيا وغربها.
هذه الخطوات سوف تعزز الجهود التي تبذلها الدول لتقليص قدرة التنظيمات الإرهابية على شن مزيد من العمليات المتطرفة في المنطقة. وقال خبراء، إن «قرار الإدراج كـ(حركة إرهابية) سوف يؤثر على تحركات الجماعة، وسوف يشل حركتها الميدانية؛ نظراً لتجفيف مصادر تمويلها». وأضاف الخبراء لـ«الشرق الأوسط» أن «الإدراج يتبعه قرارات أخرى ضد جماعات وتنظيمات تابعة لـ(القاعدة) مثل (جند الإسلام)، (والشباب»، و(شباب الإسلام)، غيرهم».
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، إدراج «نصرة الإسلام والمسلمين» (وهو التحالف الإرهابي الرئيسي في منطقة الساحل الأفريقي) إلى القائمة السوداء لـ«المنظمات الإرهابية»... ووفق القرار، يتم تجميد أي ممتلكات أو مصالح في الولايات المتحدة لهذه الجماعة الإرهابية، ولم يعد بإمكان المواطنين الأميركيين منذ ذلك الحين التعامل معها أو تقديم أي دعم مادي لها.
وظهر اسم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001 في العراق، حين نُشر البيان التأسيسي لتشكيل «أنصار الإسلام في كردستان»، الذي تشكل من اندماج تنظيم «جند الإسلام، وجمعية الإصلاح، وحماس الكردية، وحركة التوحيد»، معلنة ولاءها لـ«القاعدة»، ونفذ التنظيم أو الجماعة الكثير من العمليات في ذلك الوقت. وبرزت الجماعة عام 2011 ودعت لما أسمته «الجهاد» في غرب أفريقيا، وتمركزت سيطرتها في مدينة «غاو» الواقعة على نهر النيجر شمال شرقي مالي. وفي عام 2016، أعلنت مجموعة متطرفة أخرى، تشكيل تنظيم حمل الاسم ذاته في بوركينا فاسو. لكن الظهور الأقوى للجماعة في مارس (آذار) 2017 عندما انصهرت كبريات الجماعات الإسلامية المسلحة النشطة في الصحراء الكبرى، ودول الساحل الأفريقي في جماعة جديدة حملت اسم «نصرة الإسلام والمسلمين» وضمت الجماعة الجديدة، جماعة «أنصار الدين، وإمارة الصحراء الكبرى» (وهي عبارة عن 6 كتائب تابعة لـ«القاعدة» ببلاد المغرب الإسلامي)، وكتيبة «المرابطون» (وهي جناح الجزائري مختار بلمختار، الذي يتبعه هشام عشماوي «مصري»)، وكتائب «ماسينا»... وبايع قادتها أمير جماعة «أنصار الدين» ويدعى إياد آغ غالي، أميراً للجماعة الجديدة باسمها الحالي، وأعلنت الجماعة الجديدة بعد ذلك مبايعتها لأمير تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، وأبو مصعب عبد الودود، أمير تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي... ومعظم هذه الجماعات والتنظيمات تتضمنها القائمة السوداء للولايات المتحدة.
وأعلنت الجماعة الإرهابية مسؤوليتها في مارس الماضي، عن هجومين في واغادوغو استهدفا مقر رئاسة أركان الجيش والسفارة الفرنسية وخلفا نحو 30 شخصاً بين قتيل وجريح... كما تبنت هجوماً أوقع 11 قتيلاً في صفوف الجيش المالي.
وفى يوليو (تموز) 2017 بثت الجماعة شريط فيديو ظهر فيه 6 رهائن غربيين لديها، وأيضاً في شريط آخر بثته في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، ظهر 11 عسكرياً مالياً اختطفوا في الفترة ما بين يوليو 2016 وحتى مارس 2017.
وقدرت الاستخبارات الفرنسية عدد أفراد جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» في نهاية 2017 بنحو 500 عنصر، نفذوا منذ تشكيلها الكثير من العمليات التي استهدفت القوات المالية والفرنسية. وسبق أن تبنت الجماعة هجوم «الواحات» الذي وقع في الصحراء الغربية بمصر، وأدى إلى مقتل عدد من أفراد الشرطة في أكتوبر الماضي، مستغلة في ذلك معرفة عناصرها بالطرق الصحراوية الوعرة في هذه المنطقة.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس (آب) الماضي، استعداد بلاده لشن عمليات عسكرية على الجماعة خلال الأشهر المقبلة، بالتعاون مع القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل، التي تتشكل من جيوش «موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر». وتعد منطقة الساحل والصحراء إحدى أهم مناطق نفوذ تنظيم «القاعدة»، بسبب الانتشار التنظيمي الواسع؛ وهو ما يعود إلى تعدد مجموعاته وحرصها على التمدد في أنحاء مختلفة، التي يأتي على رأسها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وبعض المجموعات التي تنشط في المنطقة الجبلية والوعرة بين تونس والجزائر مثل تنظيم «عقبة بن نافع». وفي مارس الماضي، حذرت دراسة لمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، من أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» باتت تشكل أحد أهم معاقل تنظيم «القاعدة» في الغرب الأفريقي. وقال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن تنظيم «القاعدة» ينظر باهتمام للشمال الأفريقي ودول الصحراء، وله تواجد في عدد من هذه البلدان.
بينما أشار عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إلى أن التنظيمات التابعة لـ«القاعدة» كثيرة، وهي: «القاعدة في بلاد المغرب العربي، والقاعدة في جزيرة العرب، والقاعدة والجهاد في العراق، والقاعدة والجهاد في اليمن، والقاعدة والجهاد في أفريقيا»، ثم أسماء كثيرة مثل «أنصار بيت المقدس» قبل مبايعة «داعش»، وأيضاً «شباب الإسلام»، و«الشباب» في الصومال، و«أرض الدولة»، قبل الانشقاق عن «القاعدة» والانضمام إلى «داعش». وكان لـ«القاعدة» تواجد في شبه القارة الهندية... ومنذ عام 2013 بدأ التعامل مع التيارات الجهادية باعتبارها رافداً واحداً، وجميعها تمثل «بيتاً للإرهاب» لا بد من إدراجهم على قوائم «الإرهابيين» والتحفظ على أموالهم.
مضيفاً: أن تنظيم «القاعدة» أدرج على قوائم الإرهاب، وسبق أن صرح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأن «حدود الأمن القومي الأميركي أي مكان في العالم»... وبعد ذلك، تعامل الرئيس الأسبق جورج بوش الابن مع «القاعدة» باعتبارها تنظيماً إرهابياً وأخطر التنظيمات الإرهابية.
وقال مراقبون، إن «المجموعات (القاعدية) الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، تمتلك قدرات نوعية قد تمكّنها من شن هجمات واسعة، وبخاصة أن عناصرها يستطيعون التحرك على شكل مجموعات صغيرة، وهو ما يسمح لها بشن هجمات نوعية».
وعن تأثير قرار الإدراج على نشاط الجماعة مستقبلاً، أكد الزعفراني أن «قرار الإدراج يؤثر على تحركات الجماعة، وبخاصة من دول تكون أكثر حزماً في التعامل مع القرار مثل (فرنسا، والجزائر، والمغرب، وتونس، ومالي)، وأيضاً لمحاصرة الجماعة، ومصادر تمويلها، ولتجفيف التبرعات التي تصل إليها سواء من الدول أو الأفراد». لافتاً بأن سلاح «القاعدة» في هذه المنطقة، هو معرفة عناصر التنظيم بالطرق الوعرة والكهوف والجبال والدروب الصحراوية، التي تمكنهم من التدريب على استخدام الأسلحة الثقيلة وصناعة المتفجرات. موضحاً أن تصنيف أي جماعة بأنها إرهابية يحظر التعامل مع أي عضو من أعضائها، والتصنيف يفرض عليها حصاراً؛ لأنها جماعة ليست ديمقراطية؛ بل تحاول فرض آرائها بالقوة. مشيراً إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى حرمانها من الموارد اللازمة لتخطيط وتنفيذ الهجمات الإرهابية على أرض الواقع ميدانياً، وهو ما سوف تكون له تداعيات مباشرة على الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية معنية بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
ويشار إلى أن «نصرة الإسلام» لم تقم بأي عمليات إرهابية منذ صدور قرار إدراجها على قوائم الإرهاب؛ مما يرجح تأثيرها بفقد الموارد المالية – بحسب مراقبون - . وأشار المراقبون إلى أن تنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل والصحراء تمكن من تكوين مصادر مختلفة لتمويل عملياته الإرهابية، وذلك عبر العمل بالتجارة غير المشروعة، مثل «المخدرات، والآثار، وتهريب البضائع، إضافة إلى تهريب البشر (عبر الهجرة غير الشرعية)». وأكد عبد المنعم، أن إدراج «نصرة الإسلام» سوف يتعامل مع المسمى الجديد للجماعة؛ لأنه محط الأنظار الآن، يتبعه مواجهات «فكرية، وجغرافية، وأمنية، واستراتيجية، وإلكترونية».
مشيراً إلى أن الإدراج يحقق مكاسب كثيرة، والقرار سوف يستتبعه قرارات أخرى للجماعات الوليدة التابعة لـ«القاعدة»؛ لأنه ثبت أن التعامل مع التيارات الجهادية هو تعامل عنقودي مثل «الضفائر» يسلمون بعضهم بعضاً. مرجحاً أن تكون هناك قرارات مستقبلية ضد جماعات أخرى مثل: «جند الإسلام، وأنصار الإسلام، والشباب، وشباب القاعدة في المشرق العربي، والتوحيد والجهاد غرب أفريقيا وغيرهم».
في السياق ذاته، قال عمرو عبد المنعم، إن «القاعدة» يطور نفسه تطويراً رهيباً؛ لذلك لا بد من المواجهة الفكرية مع التنظيم، حيث يعد «أشبال القاعدة» في رحم الأمهات، وهناك بعض قادة لـ«القاعدة» تزوجوا فتيات في أفريقيا، ثم أرسلوهن إلى بعض المناطق النائية، ويترك معهن وصية ليكون هذا الجيل – في رحم الأمهات - حاملاً للراية فيما بعد، ويتم تربيتهم على عقيدة «الجهاد والمواجهة»، وهذا الجيل الجديد لـ«أطفال القاعدة» بعيد عن التخيل، وأبعاده لم تظهر حتى الآن.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».