مسيرة عمالية مناهضة للحكومة في تونس

TT

مسيرة عمالية مناهضة للحكومة في تونس

تعبيراً عن تمسكها بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية في المفاوضات التي تقودها مع الحكومة التونسية، نظمت نقابة العمال يوم أمس مسيرة في شوارع مدينة الحامة (نحو 500 كلم جنوب شرقي تونس)، رفع خلالها النقابيون شعارات منددة بعزم الحكومة التفريط في بعض المؤسسات العامة وشعارات أخرى منددة بارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لمعظم التونسيين، وردد المشاركون في المسيرة هتافات من نوع: «يا حكومة عار عار، الأسعار شعلت نار»، و«التشغيل استحقاق يا عصابة السراق»، و«شغل، حرية، كرامة وطنية».
وقاد نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل (نقابة العمال) هذه المسيرة التي نظمت على هامش إحياء الذكرى الـ90 لوفاة الزعيم الوطني النقابي محمد علي الحامي أحد القادة التاريخيين للعمل النقابي في تونس. وألقى الطبوبي الذي دعم حزب «النداء» في دعوته للإطاحة بحكومة الشاهد ضمن نقاشات وثيقة «قرطاج 2»، خطاباً دعا من خلاله إلى مواصلة القيام بتحركات عمالية دفاعاً عن مؤسسات القطاع العام والتصدي لمخططات حكومية هادفة إلى إفادة القطاع الخاص.
في غضون ذلك، انعقدت الهيئات الإدارية الجهوية للاتحاد العام التونسي للشغل استعدادا لتنفيذ الإضرابين العامين في القطاع العام يومي 24 أكتوبر (تشرين الأول) و22 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وكانت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل قررت يوم 20 سبتمبر (أيلول) الماضي، تنفيذ إضرابين في القطاع العام.
وكان سامي الطاهري، المتحدث باسم نقابة العمال في تونس، أكد اتفاق الطرف النقابي مع الحكومة على استئناف المفاوضات حول القطاع العام خلال الأسبوع الحالي. والتقى الطبوبي رئيس النقابة مع يوسف الشاهد رئيس الحكومة وتم التطرق إلى تعطل المفاوضات الاجتماعية وعدم وجود مقترحات جدية، علاوة على الوضع الاجتماعي المتدهور للفئات الاجتماعية التونسية، إضافة إلى عدم التزام الحكومة بتطبيق الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين.
وفي هذا الشأن، قال جمال العرفاوي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد الدولي كان قد أوصى السلطات التونسية بضرورة تخفيض كتلة الأجور من أكثر من 14 في المائة إلى 12 في المائة فقط، وهذه التوصية بالذات شكلت ولا تزال ضغوطاً إضافية على الحكومة التي منعت الانتدابات في القطاع العام خلال سنتي 2018 و2019 استجابة لشرط صندوق النقد لتلبية أقساط قرض متفق عليه قدره نحو 2.9 مليار دولار تحصل عليه تونس خلال الفترة بين 2016 و2020،
وتوقع أن تكون المفاوضات بين الطرفين عسيرة للغاية ذلك أن «الطرف العمالي متمسك بمراجعة الأجور والرفع فيها تماشيا مع ارتفاع نسبة التضخم والزيادات المتتالية على مستوى الأسعار، فيما يسعى الطرف الحكومي إلى الضغط على المصاريف وعلى النفقات خاصة الموجهة نحو القطاع العام الذي يعمل بأكثر من طاقته الفعلية».
حركة «النهضة»
على صعيد آخر، أكد عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى حركة «النهضة» أن الحزب قدم موقفا أكثر وضوحا حول مسألة ترشيح يوسف الشاهد وأعضاء الحكومة إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من السنة المقبلة. وأوضح أن «كل عضو في الحكومة يريد الترشح للانتخابات المقبلة عليه المغادرة والتفرغ لذلك، لأننا نريد اليوم من رئيس الحكومة وأعضائها الانكباب على العمل الحكومي دون غيره»، على حد تعبيره.
ويتماشى مضمون هذا التصريح مع الموقف الرسمي لحركة «النهضة» التي دعت يوسف الشاهد إلى إعلان نيته عدم الترشح إلى الانتخابات في حال رغب في مواصلة رئاسة الحكومة التونسية الحالية، وأعلنت في المقابل عن دعمها لحكومة الشاهد ورفضت الإطاحة بها حفاظاً على الاستقرار السياسي.
يذكر أن «النهضة» عقدت يومي السبت والأحد اجتماعا لمجلس الشورى تناولت من خلاله عددا من الملفات من أهمها علاقة التوافق السياسي بين رئيس «النهضة» ورئيس الجمهورية، ومصير الدعم الذي تقدمه «النهضة» لرئيس الحكومة يوسف الشاهد علاوة على الاتهامات التي وجهتها لها «الجبهة الشعبية» اليسارية على خلفية الاغتيالين السياسيين للقيادي اليساري شكري بلعيد والنائب البرلماني محمد البراهمي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.