تعقيدات تحيط بإعادة فتح معبر نصيب أمام صادرات لبنان

TT

تعقيدات تحيط بإعادة فتح معبر نصيب أمام صادرات لبنان

رغم إعلان وزارة النقل السورية إنهاء الاستعدادات اللوجيستية لإعادة افتتاح معبر نصيب الحدودي مع الأردن في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي والبدء باستقبال حركة عبور الشاحنات والترانزيت، فلا تزال تعقيدات كثيرة تحيط بموضوع استفادة لبنان من إعادة افتتاح المعبر في ظل استخدامه من قبل دمشق ورقة ضغط على المسؤولين اللبنانيين لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين.
ووصف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مؤخرا ما يحصل في هذا الملف بـ«الابتزاز»، لافتا إلى أن لبنان أبقى حدوده مفتوحة كما مطاره أمام كل السوريين بغض النظر إذا كانوا مؤيدين أو معارضين للنظام، كما لم يمنع دخول البضائع السورية إليه.
ويتولى مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم المشاورات في هذا الملف، وقد زار الأردن مؤخرا لتحريك الأمور كما ينسق مع السلطات السورية، بتكليف من رئيس الجمهورية. وهو أشار في تصريح له أمس إلى أن «الموضوع لا يزال يحتاج لبعض الوقت باعتبار أن الاتصالات الدولية والإقليمية لا تزال ناشطة، على أمل أن نتوصل إلى نهايات سعيدة».
ولا تقتصر الاتصالات مع الجانب السوري في هذا الملف على الأمن العام، إذ يتابع وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري عن كثب المستجدات وبشكل مباشر مع المسؤولين السوريين، لافتا إلى أن التواصل دائم لكن حسم الموضوع يستلزم أسابيع قليلة. وقال خوري لـ«الشرق الأوسط»: «المعبر حيوي ومهم للبنان باعتبار أنه يؤمّن عمليات تصدير بمئات ملايين الدولارات».
وأشار خوري إلى أنه يتفهم موقف الرئيس الحريري من الموضوع، لكن هذا لا يعني أننا نوافق على عدم التواصل مع الدولة السورية لتأمين مصلحة لبنان الاقتصادية، خاصة أنها مصلحة كل اللبنانيين وليس فئة منهم. وأضاف: «الملف وطني بامتياز ويجب تحييده عن السياسة، فحتى في خضم الحروب كانت بعض دول أوروبا تفتح قنوات اتصال بخصوص الموضوع التجاري باعتبار أنه يشكل مصلحة لهذه البلاد، فكيف إذا كنا نتحدث عن بلد لنا علاقات دبلوماسية معه». ونفى خوري أن تكون الدولة السورية تبتز لبنان في هذا الملف، إلا أنه شدد على أن طلب التنسيق أمر طبيعي، فعلى أي أساس سيسمحون إذن بمرور شاحناتنا عبر الأراضي السورية كي تصل إلى المعبر؟
ولا تخفي مصادر في قوى 8 آذار مقربة من «حزب الله» أن النظام في سوريا يطلب التنسيق الرسمي بين الحكومتين لإعادة فتح المعبر أمام الصادرات اللبنانية، لافتة إلى أن «دمشق وافقت على بحث ملف النازحين وإعادتهم عبر الأمن العام، من منطلق أن الملف بشكل أساسي ملف أمني، لكننا هنا بصدد ملف اقتصادي يتطلب قراراً واضحاً من الحكومتين، على أن يتم التنسيق بشكل علاقة ثنائية مباشرة أو من خلال الانتظام بعلاقة ثلاثية مع الأردن». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «قد يشهد الملف حلحلة محدودة بانتظار تشكيل الحكومة اللبنانية لتبت في الموضوع رسميا، لكن إعادة النظر بالرسوم المفروضة من قبل سوريا على البضائع اللبنانية أمر مطروح، ولا شك سيشكل إشكالية كبيرة».
وقد بدأت ملامح أزمة في هذا الملف تلوح في الأفق، وإن كان كل المعنيين حريصين تماما على التأكيد أن الموضوع لا يزال قيد البحث والنقاشات. وأشار نقيب أصحاب الشاحنات شفيق القسيس إلى أن رفع الدولة السورية رسوم عبور الترانزيت البري على الشاحنات اللبنانية سيؤدي تلقائيا لطلب اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل، خاصة أن هناك اتفاقيات واضحة بين البلدين في هذا الخصوص، لافتا إلى أن «نحو نصف الشاحنات التي تنطلق من لبنان هي شاحنات سورية وبالتالي الضرر لن يلحق فقط بأصحاب الشاحنات اللبنانية إنما أيضا بالسوريين، إلا إذا كان هناك قرار بالتمييز بيننا وبينهم».
وقال القسيس لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس عون يشرف شخصيا على الملف وقد كلف اللواء عباس إبراهيم بالمهمة، والرئيس الحريري كان واضحا تماما أنه لا يعارض استفادة لبنان من إعادة فتح المعبر، وموقفه هذا وطني بامتياز، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يفرض عليه التنسيق مع النظام». وأضاف: «صحيح أن من شأن إعادة فتح المعبر تحقيق نوع من الانفراج الاقتصادي، لكننا في النهاية لن نموت من الجوع إذا أصر الطرف السوري على إقفاله بوجهنا».
وأعلنت وزارة النقل السورية الشهر الماضي رفع رسوم عبور الترانزيت البري لشاحنات النقل السورية والعربية والأجنبية المحملة والفارغة عند عبور الأراضي السورية، مع الحفاظ على قيمة رسوم المنافذ البحرية. وأوضحت الوزارة أن قرار رفع الرسوم يعتبر «استراتيجيا ونوعيا»، ويحافظ على التنافس مع المرافئ البحرية المجاورة ويهدف لتحقيق الربحية وإيرادات مناسبة للعبور البري للترانزيت العابر للأراضي السورية.



​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
TT

​اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا... وتكتم حوثي على الإصابات

تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)
تشغيل مركز حورة الطبي بشبوة اليمنية أسهم في مواجهة انتشار الكوليرا (الأمم المتحدة)

كان الصياد اليمني محمد يحصل بسهولة على رزقه اليومي، وتوفير احتياجات أسرته الغذائية، حيث يذهب إلى البحر في سواحل محافظة شبوة الواقعة إلى الشرق من مدينة عدن، لكن هذا الأمر أصبح صعباً بعد أن اضطر للجلوس بجوار طفله الذي أصيب بالكوليرا.

تعلّم محمد الصيد في سن مبكرة، وورث معرفة البحر من أسلافه، ويُكافح لتوفير احتياجات أسرته المكونة من تسعة أفراد، حيث تقع قرية حورة التي يسكنها على بُعد 50 كيلومتراً من أقرب مركز طبي، وكانت هذه الرحلة تمثل سفراً مرعباً لمعظم القرويين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التنقل أو العلاج. ويقول الرجل إنه عندما يمرض أحد من السكان، يصبح توفير الرعاية الصحية اللازمة له عبئاً ثقيلاً.

اليمن يكافح لمواجهة الكوليرا بعد تسجيل أكثر من 100 ألف إصابة (الأمم المتحدة)

وتؤكد الأمم المتحدة أن عودة انتشار الكوليرا تسبب في تسجيل عشرات الآلاف من حالات الاشتباه، منها أكثر من 30 ألف حالة منذ بداية العام، ورصدت ازدياد عدد الحالات في محافظة شبوة بشكل مُلاحظ ضمن أكثر الفئات ضعفاً ممن لديهم وصول محدود للخدمات الصحية الأساسية أو ليس لهم القدرة على الوصول إلى هذه الخدمات أصلاً.

وفي حين أن الأمطار الغزيرة والفيضانات زادت من انتشار الكوليرا، يذكر الصياد أنه شهد وفاة امرأة في الطريق إلى أقرب مركز صحي بسبب توقف الحركة بفعل الفيضانات الأخيرة، ولهذا ذكرت المنظمة الدولية للهجرة أنها استجابت لهذه الأزمة وقامت بإعادة فتح مركز «حورة» الطبي الذي صُمم لمعالجة مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، مع التركيز بشكل رئيسي على الكوليرا.

تطوع مجتمعي

بينت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث أنه وفي سبيل تمكين المجتمعات أسهمت جهودها في مكافحة الكوليرا بأكثر من مجرد تقديم الخدمات الطبية، حيث حشدت فريقها من متطوعي المجتمع المحلي لرفع الوعي بمكافحة الوباء، والالتزام بمساعدة المجتمعات في إدارة مواجهة تفشيه.

وتقول المتطوعة جميلة إنها تأثرت بشدة بمعاناة المجتمع، لذا قررت أن تصبح عاملة صحية لمساعدتهم. وذكرت أنه وطوال فترة تفشي الكوليرا تضمنت الأهداف الرئيسية تقديم الخدمات الصحية الأساسية، وتحسين الثقافة الصحية للمجتمع، والترويج لممارسات الصحة العامة، من خلال المتطوعين الذين ساعدوا بشكل كبير في تقديم الإرشادات الصحية العامة.

متطوعون يمنيون يتولون توعية السكان بطرق الوقاية من الكوليرا (الأمم المتحدة)

ووفق التقرير الأممي، فإن تغيير ممارسات المجتمع والتأسيس لعادات جديدة كانت مهمة مليئة بالتحديات، ولكن هِمّة المتطوعين كانت عالية، وإنه ومن خلال الزيارات المنزلية، شجعوا العائلات على تنفيذ أنشطة تحمي صِحتهم وسلامتهم، ابتداء من الترويج للوعي بنظافة اليدين وانتهاء بالدعوة لتطبيق ممارسات المياه النظيفة، وتعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية.

وبحسب الهجرة الدولية بدأت فرق التطوع أنشطتها في مركز «حورة» الطبي، ولكن تفشي الكوليرا تعدى سكان القرية، حيث أثر أيضاً على المهاجرين من القرن الأفريقي الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، وللتعامل مع هذه الاحتياجات طلبت المنظمة مساعدة فرقها الطبية المتنقلة الموجودة على طرق الهجرة الرئيسية.

تعاون وثيق

طبقاً لما ذكرته منظمة الهجرة الدولية، فإنها وبالتعاون الوثيق مع وزارة الصحة العامة والسكان في اليمن والمكاتب الصحية المحلية، وسّعت جهودها بشكل مستمر لتقديم المساعدات الفورية للمناطق المتأثرة بالكوليرا والإسهال المائي الحاد.

وتضمنت استراتيجية المنظمة إيجاد خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة داخل المراكز لمنع انتقال العدوى بين المرضى والطاقم الطبي. وتقديم أجهزة الكلورة ذاتية العمل، ومواد معالجة المياه، وحقائب النظافة والتعامل مع الكوليرا للمجتمعات الضعيفة.

وزير الصحة اليمني يتفقد مركز عزل الكوليرا في محافظة أبين (إعلام حكومي)

وتبين «الهجرة الدولية» أن المتطوعين في مركز «حورة» الطبي تعاملوا مع المشاكل الصحية الفورية بخاصة الكوليرا، ولم يقتصر دورهم على إحداث تغيرات إيجابية لتعزيز الرعاية الصحية للجماعات الضعيفة فحسب، ولكن ومنذ بدء التفشي، كان المتطوعون يقدمون خدمات الرعاية الصحية والجلسات التثقيفية للنساء والأطفال والرجال الذين لطالما حُرموا من هذه الخدمات في السابق.

وتواصل الحكومة اليمنية الكفاح بالتعاون مع المنظمات الدولية لمواجهة هذا الوباء، خاصة مع بدء موسم الأمطار الحالي، إذ سارعت إلى افتتاح مراكز لعلاج حالات الإصابة بالكوليرا في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرتها، إلا أن الحوثيين يواصلون التكتم على أرقام الإصابات ويرفضون تخصيص مراكز لعلاج هذا الوباء.

وتظهر أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية أن عدد الإصابات في مناطق سيطرة الحوثيين بلغت أكثر من 93 ألف حالة، حتى مطلع شهر يوليو (تموز) الحالي، فيما تم تسجيل بقية الحالات وتمثل نسبة 17 في المائة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.