لماذا غابت الرواية التاريخية في الأدب العراقي؟

أحداث وشخصيات لا تزال قابعة في الخفاء

عبد الله صخي  -  نادية هناوي  -  نجم عبد الله كاظم
عبد الله صخي - نادية هناوي - نجم عبد الله كاظم
TT

لماذا غابت الرواية التاريخية في الأدب العراقي؟

عبد الله صخي  -  نادية هناوي  -  نجم عبد الله كاظم
عبد الله صخي - نادية هناوي - نجم عبد الله كاظم

إن المفهوم المتعارف عليه للرواية التاريخية، الذي يشكل العامل المشترك لأغلب التعريفات عن هذا الجنس الإبداعي، هو أنها عمل فني يتّخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفي له، حيث تحمل الرواية تصوّر الكاتب عن المرحلة التاريخيّة وتوظيفه لهذا التصوّر في التعبير عن المجتمع أو الإنسان في ذلك العصر، أو التعبير عن المجتمع في العصر الذي يعيشه الروائي، ولكنه يتخّذ من التاريخ ذريعة وشكلاً مغايراً للحكي.
وعرفت الرواية الغربية هذا النوع، ابتداء من ستيفن كرين برواية «شارة الشجاعة الحمراء»، مروراً بوالتر سكوت الاسكوتلندي، الذي يعد أبو الرواية التاريخية برواية «ويفرلي» سنة 1814، ثم ألكسندر ديماس وآخرين. ويشكل أمين معلوف في الأدب العربي علامة مهمة في الرواية التاريخية على مستوى الثقافة العربية والعالمية، وقد ألف روايات كثيرة ترجمت إلى لغات كثيرة منها: «سمرقند»، و«ليون الأفريقي»، و«حدائق النور»، وغيرها، ورواية «موانئ المشرق» التي أرخت لتاريخ القضية الفلسطينية. وما يميزه عن غيره من الروائيين العرب نظرته العالمية ورؤيته الكوزموبولتنية ودعوته للحوار بين الشرق والغرب وإيمانه بفكرة التسامح بين شعوب العالم.
ورغم بروز الرواية العراقية خلال العقدين الأخيرين، ومحاولاتها إزاحة أجناس إبداعية أخرى من التسيد في المشهد الإبداعي، خصوصاً بعد أن أكد من الأعمال الروائية حضورها اللافت واستحواذها على عدد من أهم الجوائز الأدبية، فإنها لم تقترب بشكل كبير من هذا النوع الروائي.
وإذا فهمنا الرواية التاريخية أنها سرد قصصي طويل يقوم على أحداث حقيقية، أي أحداث وقعت في حقبة تاريخية معينة، وتجسدها شخصيات حقيقية أو متخيلة، والغالب حقيقية ومتخيلة، فإننا نستطيع أن نقول إن العراق شهد روايات كهذه، كما يقول الناقد د. نجم عبد الله كاظم: «ولعل أقدمها يدخل ضمن مرحلة أو مراحل المحاولات الروائية، لا سيما في عقود العشرينات - الخمسينات، وهي، وكما غالبية المحاولات، لا ترقى إلى أن تكون روايات فنية، نذكر منها: (يزداندوخت الشريفة الأربيلية) - 1934 - لسليمان الصائغ، و(سبي بابل) - 1955 - لعبد المسيح بلايا، وأظن (المسلم الثائر) - 1956 - لطاهر العميد، وغيرها قليل. أما بعد هذه الفترة فلا يكاد يحضر إلا عدد محدود جداً، ولعل أهمها بعض روايات عبد الخالق الركابي، مثل (من يفتح باب الطلسم)، مع ما قد يكون من خلاف حول كونها تاريخية أو لا».
ويتساءل الناقد كاظم: «لماذا يقل عدد الروايات التاريخية في العراق؟ فلا أجد شخصياً من أسباب غير أن الرواية العراقية، وتحديداً الفنية، ظهرت منتصف الستينات لتزدهر بعد ذلك، وهي الفترة التي بظني انحسرت فيها الرواية التاريخية عالمياً وعربياً. ولكن يجب ألا يُفهم من هذا اختفاء التاريخ من الرواية، فهناك اليوم ما أراها ظاهرة، لا في الرواية العراقية فحسب، بل في الرواية العربية عموماً، تتمثل في استحضار التاريخ وربطه غالباً بالحاضر، ولكن ليس من خلال الأحداث التي يقدمها التاريخ عادة، نعني أحداث السلطات والحروب والتحولات السياسية الكبرى، مع حضورها عادة في خلفيات هذه الروايات». ويرى كاظم، أن «من خلال ما نسميه المسكوت عنه الاجتماعي، وفيه تعتمد الروايات لا على التاريخ الرسمي المسجل، بل على ما قد نسميها الوثائق والمصادر الثانوية المنزوية جانباً مثل الصحف المحلية والروايات الخاصة والأخبار المتناقلة شفهياً. نذكر من هذه الروايات، مثلاً، (ملائكة الجنوب) - 2009 - لنجم والي، و(مدينة الصور) - 2011 - للؤي حمزة عباس، و(عشاق وفونوغراف وأزمنة) - 2017 - للطفية الدليمي، و(خاتون بغداد) - 2017 - لشاكر نوري، وبعض روايات علي بدر، وغيرها». ولا خلاف أن التاريخ الرسمي حين وثق أرشيف الأخبار وسجل الوقائع وجمع السير ودوّنها، فإنه تجاهل أحوال الهامشيين وأحجم عن ذكر أخبار المقموعين. وهنا يبزغ التحدي الذي على الروائي أن يكون مستعداً له، عارفاً كيف يعيد المركزية لهؤلاء كي تكون لهم في الحياة مكانة ورتبة.
وليس مطلوباً - كما تقول الناقدة نادية هناوي - من الروائي أن يجعل عمله وثيقة تضاف إلى وثائق التاريخ الرسمي، ولا أن يتعامل مع التاريخ بالطريقة التي كان جورجي زيدان يتعامل بها جاعلاً السرد في خدمة التاريخ، وإنما نريد من الروائي أن يتعامل مع التاريخ من منظور ما بعد حداثي، مستعملاً موضوعات جديدة تماشي النظريات التاريخية المعاصرة، التي ترى أن الإفادة من التاريخ الرسمي لا تتم إلا بالاستعانة بالمخيلة بغية صنع محكي تاريخي ينهض جنباً إلى جنب التاريخ الوقائعي ليصنع سرداً تاريخياً بمخيال يستحضر حدثاً أو سيرة شخصية تاريخية، ليعالجها برؤية واقعية مستجدة.
والهدف ردم الهفوات وملء الفراغات التي تركها مؤرخو التاريخ مما يسميه المؤرخ آر جي كولينجوود «تشييد التاريخ»، وهذه مسؤولية تتطلب وعياً عميقاً في كيفية استحضار التاريخ سردياً من خلال تفكيكه أولاً، ثم إعادة كتابته آخراً ليكون المتحصل تاريخاً بديلاً أو بالأحرى تاريخاً جديداً، كما يسميه المفكر الفرنسي جاك لوغوف.
وتضيف نادية هناوي: «في التاريخ الإنساني عموماً والإسلامي تحديداً كثير من الأحداث والشخصيات القابعة في الخفاء التي يمكن استنهاضها على المستوى الإبداعي، لتكون بمثابة زاد سردي يستثمره كتّابنا وروائيونا نابشين في خفايا تلك الأحداث والشخصيات نافضين الغبار عنها، معيدين إياها إلى الحياة بطريقة لا تكون فيها للأزمنة حدود أو حواجز، منتجين أعمالاً روائية لا توضع في خانة (الرواية التاريخية) وإنما توضع في باب (رواية التاريخ)، وبذلك يصبح التاريخ حياً في الماضي ونابضاً في الحاضر ومتجهاً صوب المستقبل».
الروائي عبد الله صخي يقول عن أسباب غياب الرواية التاريخية إن «الأعمال التي أنتجها جورجي زيدان ونجيب كيلاني وسليم البستاني لم يكن دافعها إعادة خلق الواقعة التاريخية استجابة لمعطى حياتي راهن، إنما أغلبها كتب بدوافع تعليمية أو قومية أو محاولة لاستعادة مجد غابر». إذ يجد صخي أن هذه الروايات استعادية أو تعليمية، ويقول إن «غايتها الأساسية، كما أحسب، هي التذكير بالتجارب الحربية والسياسية أثناء الحكم الإسلامي حتى الاستعمار العثماني».
ويتساءل الروائي عبد الله صخي تساؤلاً ضمن مضمار الاهتمام بالرواية التاريخية ويقول: «لمن نحتكم؟ للتاريخ أم للنص الذي كتب عنه ومنه؟ وإلى أي مدى يلتزم الكاتب بالواقعة التاريخية لجهة دقة الأحداث وحجم الخيال الذي يؤطرها؟»، مُشيراً إلى أن النقد العربي اهتم بهذين السؤالين فتنافرت الأجوبة.
هناك من يرجح الخيال على التاريخ أو من يرجح التاريخ على الخيال. إن أحد أسباب ضعف الاهتمام بالرواية التاريخية اليوم قد يكون غياب مفهوم دقيق لمصطلح الرواية التاريخية وجوهره وتكوينه. ويرى صخي أن «السبب الآخر هو الانتشار واسع النطاق للمسلسلات التلفزيونية العراقية والعربية التي استقت من التاريخ جل أحداثه وشخصياته البارزة للحد الذي سلبت من الروائي فرصة إعادة كتابة تلك الأحداث وإعادة بناء تلك الشخصيات في رؤية سردية جديدة. وقد أضيف سبب آخر هو أن الواقع العراقي، على سبيل المثال، يزخر بمادة يومية ثرية قد تغني الروائي عن البحث في بطون الكتب والوثائق للحصول على مادة يضاهي بها اللحظة الراهنة أو يماثلها».



احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».