العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس

بعد حسم هويات شاغليها

العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس
TT

العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس

العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس

حُسمت في العراق هذا الأسبوع مسألة شغل «الرئاسات الثلاث» مع انتخاب الدكتور برهم صالح رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس المنتهية ولايته الدكتور فؤاد معصوم، وتكليف صالح بُعيد انتخابه عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العتيدة. وجاء ملء رئاستي الحكومة والجمهورية المحجوزتين للمكوّنين الشيعي والكردي في أعقاب انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب، ممثلا المكوّن السنّي. ويعتبر مراقبون أن النقلة من المحاصصة إلى الفضاء الوطني نقلة اختبرت بها العملية السياسية العراقية نفسها في محاولة منها لإصلاح أحد أهم ما تسميه النخب العراقية «عيوب التأسيس».

بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، ولدت ولادة شوهاء تجربة سياسية جديدة في العراق، أخذت من تجارب الديمقراطية في العالم قشورها الخارجية فقط، بينما احتفظت للبيوت والعوائل والمكوّنات والقبائل والجماعات المسلحة وكل أشكال الدولة العميقة بحضورها الفاعل في المشهد السياسي.
كان هذا المشهد المُلتبس عبر عن نفسه من خلال ثلاث دورات برلمانية نتجت عنها ثلاث حكومات قادها كلها حزب واحد، هو حزب الدعوة (الإسلامي الشيعي) من خلال حكومات قادته الثلاثة (الدكتور إبراهيم الجعفري 2005 ـ 2006 ونوري المالكي 2006 ـ 2014 والدكتور حيدر العبادي 2014 ـ 2018). وكانت قد سبقت إقرار الدستور (2005) حكومة انتقالية برئاسة الدكتور إياد علاوي (2004 ـ 2005) التي كانت ورثت مجلس الحكم (2003) أيام كان الحاكم المدني الأميركي بول بريمر (2003 ـ 2004) الحاكم بأمره في العراق.
ورغم محاولات حزب الدعوة - حتى اللحظات الأخيرة - الاحتفاظ بالسلطة لدورة رابعة، فإن الصراع الحاد بين جناحي الحزب (الأول بقيادة المالكي، والثاني بقيادة العبادي) أفشل هذه المحاولات. إذ سعت قيادة الحزب، ممثلة بمجلس الشورى، عقد مصالحة بين الرجلين بعد منافسة اتخذت طابعاً شخصياً، إلى حد كبير، مع رفض المالكي دعم العبادي لولاية ثانية، حتى مع استمرار الحزب، ولو شكلياً، بالاحتفاظ بالسلطة.
ثم، رغم أن خسارة حزب الدعوة رئاسة الحكومة، ما يعني إبعاده عن المشهد، أمكن التوصل إلى مجموعة تسويات جاءت بصيغة «توافقات». وهذه التوافقات أوصلت ثلاثة وجوه جديدة ـ قديمة (الوجه الجديد حقاً هو محمد الحلبوسي) إلى «الرئاسات الثلاث» (الجمهورية للكرد، والحكومة للشيعة، والبرلمان للسنة) فكانت خياراً بدا مقبولاً، إلى حد كبير، لجهة الخروج من «عنق زجاجة» المحاصصة إلى الفضاء الوطني.
انقسام البيوت الرئيسة
المتغير المهم، الذي بدا مختلفا عن السياقات السابقة، ظهر قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت خلال شهر مايو (أيار) الماضي، حين شهدت البيوت الرئيسية (الشيعية ـ السنية ـ الكردية) انقسامات حادة.
الكتلة الشيعية، التي كانت ممثلة بـ«التحالف الوطني» انقسمت إلى خمس كتل، هي: «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الحكمة» بزعامة عمار الحكيم. أما الكتلة السنّيّة، التي كانت ممثلة بـ«تحالف القوى العراقية»، فانقسمت بدورها إلى «تحالف القرار» بزعامة أسامة النجيفي، و«تحالف القوى» بزعامة جمال الكربولي و«المشروع العربي» بزعامة خميس الخنجر. وأخيراً، وليس آخراً، شهدنا تفتت الكتلة الكردية التي كان يمثلها «التحالف الكردستاني» وعاد كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينتمي إليه الدكتور برهم صالح، وحركة التغيير... لتمثيل نفسه أمام بغداد.

- ترميم «المحاصصة»
قُبيل الانتخابات البرلمانية رفعت معظم القوى الرئيسية شعار الغالبية السياسية أو المشاركة الوطنية، التي تقوم على أساس ألا تتمثّل المكوّنات بوصفها مكوّنات، بل يكون هناك تمثيل أحزاب وقوى من المكوّنات بحيث تنشأ حكومة موالاة وقوة معارضة. غير أن الوضع تغير في ظل المقاطعة الكبيرة للانتخابات (بنسبة تزيد على الـ70 في المائة) وظهور نتائج متقاربة للكتل البرلمانية الفائزة، تصدّرتها «سائرون» بـ54 مقعداً، وهي مقاعد لا تؤهل أي كتلة... لا لتشكيل الحكومة أو حتى فرض شروط صارمة على الشركاء.
بناءً عليه، وجد الجميع أنفسهم بحاجة إلى إعادة ترميم «المحاصصة» باتجاه خلق فضاء أوسع اسمه «الفضاء الوطني»... لكن محتواه الحقيقي هو التوافق بين الأطراف المختلفة من أجل تسهيل مهمة تشكيل الحكومة. ومن ثم، بدت الدورة معكوسة بين الانتقال من «المحاصصة» فـ«التوافق» إلى «الفضاء الوطني»، ثم العودة إلى «التوافق» ثانية، لكن عبر عدة ولادات بدت طبيعية في الظاهر، لكنها قيصرية في الداخل. والمفارقة، أن الأصعب فيها كانت ولادة منصب رئيس الجمهورية الذي كان طوال السنوات الـ15 الماضية هو الأسهل حسماً بين المناصب.
هذه المرة اختلف الأمر بسبب تفتت «البيوت» (الفئوية)، ما جعل عملية الترميم صعبة إلا من خلال الصفقات والتوافقات والمساومات.
كردياً، مثلاً، كان الاعتراض الأساسي على ترشيح الدكتور برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني (الذي يتزعمه بارزاني)، وهو ما يلخصه القيادي في الحزب ماجد شنكالي في حديث لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «المنصب من حصّة المكون الكردي، لكن داخل هذا المكوّن أحزاب، ولقد جاء ترتيب الحزب الديمقراطي الكردستاني من حيث عدد المقاعد في المقدمة بالقياس إلى مقاعد الحزب الذي ينتمي إليه برهم صالح وهو الاتحاد الوطني. وبالتالي، كان ينبغي أن يحسم المنصب داخل المكوّن ومن ثم نذهب إلى بغداد موحّدين». ويضيف شنكالي أن «الأمر يختلف عمّا حصل للعرب السنة الذين، وإن كانت هناك منافسة داخل البرلمان بين عدة شخصيات سنّية، فإن محمد الحلبوسي - الذي فاز برئاسة البرلمان كان قد حصل على الغالبية داخل نواب المكوّن السنّي أولاً، وبالتالي حظي بدعمنا داخل البرلمان حتى مع وجود منافسين له». ويستطرد «كان ينبغي أن تحصل انتخابات داخل البيت الكردي بين المرشحين الرئيسيين برهم صالح وفؤاد حسين، ومن ثم مَن يحصل على أعلى الأصوات داخل المكوّن نذهب به إلى البرلمان الاتحادي حتى بوجود منافسين كرد آخرين لا مانع من أن يجربوا حظهم».
ورداً على سؤال بشأن انتخاب الرئيس صالح عبر الفضاء الوطني، يجيب شنكالي بأن «الذي حصل توافقات وليس فضاء وطنياً عن طريق قوى وكتل لم تلتزم بتعهداتها معنا، وهو ما أدى إلى حصول هذه المشكلة داخل البيت الكردي، لأننا لن نتعامل مع رئيس الجمهورية لكونه من وجهة نظرنا لم يعُد يمثل الكرد».

- تحديات منتصف المسافة
وحقا، لم تكن مشكلة العرب السنة مع مرشحهم لرئاسة البرلمان بحجم المشكلة الكردية ـ الكردية على صعيد اختيار رئيس الجمهورية. ذلك أن النواب السنة البالغ عددهم نحو 70 نائباً موزعون بين عدة كتل، لكن الكتلة التي يمثلها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي هي الأكبر تقريباً (تمثل نحو 45 نائبا) بينما توزّع الباقون على كتل أصغر. في حين أن عدد النواب الكرد نحو 60 نائباً لكن الحصة الأكبر منهم حصة الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني (25 مقعداً) يليه الاتحاد الوطني (حزب برهم صالح) وله (18 مقعدا) بينما تتوزع الأخرى بين «التغيير» و«الجيل الجديد» والجماعة الإسلامية. ومن هنا غضب الحزب الديمقراطي على صيغة انتخاب الدكتور صالح أدى إلى خلق مشكلة تمثل تحدياً في منتصف المسافة أمام الرئيس الجديد.
بالنسبة للحالة الشيعية، بدا الأمر، لأول وهلة أكثر سلاسة، لكنه مع ذلك يحمل في داخله تناقضات ستمثل هي الأخرى تحديات جدية أمام رئيس الوزراء المكلّف عادل عبد المهدي. إذ أن المجيء به كان على أساس كونه مرشح «تسوية» بعد إخفاق المرشحين الآخرين (العبادي والعامري) ومرشح نصف التسوية (فالح الفياض) من الحصول على إجماع يؤهل أحدهم للترشح. وهكذا، جاء عادل عبد المهدي نتيجة توافق صعب بين أهم كتلتين شيعيتين في البرلمان العراقي، أي «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و«الفتح» بزعامة هادي العامري... مع أنهما تنتميان إلى تحالفين عريضين مختلفين يدعي كل واحد منهما أنه الكتلة الأكبر (هما تحالف «الإصلاح والإعمار» وتحالف «البناء»). وبالتالي، كانت حصيلة التفاهم بين الصدر والعامري ولادة ترشيح عبد المهدي، الذي كلّفه بتشكيل الحكومة رئيس الجمهورية الجديد برهم صالح بعد أقل من ساعة على أدائه اليمين الدستورية.
تحديات منتصف المسافة أمام عادل عبد المهدي يجملها الخبير الاستراتيجي الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» بقوله «إطلاق الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الأميركية على إيران، تاريخ يتواطأ مع نيل حكومة عبد المهدي الثقة. وبالتالي، هناك تحديات معقدة أمام هذه الحكومة التي كان لإيران اليد الطولى في تسهيل التوافق عليها بين الأحزاب الممثلة للمكوّنات العراقية في البرلمان». وتابع «أهم التحديات هي جدولة وجود قوات التحالف الدولي على الأراضي العراقية، وخاصة القوات الأميركية التي تتواجد في 9 معسكرات مشتركة مع القوات الاتحادية العراقية وبوظائف عسكرية وأمنية واستخبارية وتقنية مختلفة، وقروض صندوق النقد الدولي، فضلا عن الموقف من الفصائل العابرة للحدود والفصائل غير منضوية تحت ألوية قوات الحشد الشعبي».
ويضيف «ثمة تحديات تتعلق بالإدارة المشتركة للمناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وسلاح العشائر، وأزمة المياه مع إيران وتركيا، والموقف من العقوبات الأميركية على إيران... وجدية الالتزام بها أو العمل على استثناء العراق».

- برهم أحمد صالح... الرئيس الثامن للعراق
> مع أن برهم أحمد صالح من مواليد مدينة السليمانية عام 1960. فإنه ينتمي بالأصل إلى مدينة كويسنجق التي تعود إداريا إلى محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان - العراق. واللافت أن رؤساء العراق الأكراد الثلاثة الذين تولوا المنصب بعد عام 2003 (جلال طالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح) ينتمون إلى هذه المدينة الجبلية الصغيرة نسبياً.
صالح ابن أسرة ميسورة الحال، فوالده قاضٍ معروف في السليمانية تعرّض للنفي على عهد صدام حسين إلى محافظة المثنى (جنوبي العراق) في سبعينات القرن الماضي نتيجة مواقفه المناوئة للنظام العراقي السابق. وكان برهم صالح متفوقاً في دراسته، إذ حصل في الثانوية العامة على معدل 96 في المائة وحل عاشرا على العراق. وآنذاك دخل كلية الهندسة المدنية في جامعة كارديف البريطانية وتخرج فيها بتفوق في علوم الحاسوب عام 1983. وبعدها واصل صالح، الذي كان تعرض للاعتقال والتعذيب إبان حكم صدام حسين مرتين، دراسته وسافر مجدداً إلى بريطانيا حيث حصل على شهادة الدكتوراه في تطبيقات علوم الحاسوب من جامعة ليفربول.
أثناء الدراسة خارج العراق، واصل صالح نشاطه في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وهو الحزب الذي أسسه عام 1975 سلفاه جلال طالباني وفؤاد معصوم في دمشق إثر انهيار الثورة الكردية بعد «اتفاقية الجزائر» التي كان وقعها آنذاك الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشاه إيران في الجزائر.
وبعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 تولى صالح رئاسة حكومة إقليم كردستان - إدارة السليمانية للفترة من 2001 – 2004. كما تولى مناصب تنفيذية مهمة في الحكومة الاتحادية في بغداد حيث شغل منصب نائب رئيس الوزراء العراقي عام 2004. ثم صار وزيراً للتخطيط في الحكومة العراقية الانتقالية عام 2005. ثم نائباً لرئيس الوزراء في أول حكومة عراقية منتخبة 2006.
من بين أهم إنجازات صالح في الحقل العلمي والأكاديمي تأسيس الجامعة الأميركية في مدينة السليمانية عام 2008. كما تولى رئاسة حكومة الإقليم للفترة من 2009 - 2011. وعام 2014، رشح مع الدكتور فؤاد معصوم من قبل حزبه لشغل منصب رئاسة الجمهورية العراقية، لكن لم يحالفه الحظ. وفي انتخابات عام 2018 فاز على منافسه الكردي الآخر فؤاد حسين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني.
برهم صالح متزوج، وله ابنتان متزوجتان، إحداهما تعمل صحافية في إحدى وسائل الإعلام البريطانية، والأخرى موظفة في إحدى المنظمات الدولية.

- عادل عبد المهدي... الاستقالة لا تزال في جيبي
> قبل شهور من تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة (2018) كتب السيد عادل عبد المهدي (يفضل لقب السيد على صفة الدكتور التي لم يحصل عليها برغم وصوله مرحلة مناقشة رسالته في الاقتصاد من جامعة باريس) مقالا في جريدة «العدالة» التي يشرف عليها اعتذر فيها مقدما عن تولي منصب رئاسة الوزراء فيما لو تم تكليفه بها.
السبب الذي جعل عبد المهدي يعتذر ولا يرفض هي مجموعة الشروط التي رأى أنها يجب أن تتوافر لدى المرشح لتولي هذا المنصب في ظل التوازنات العراقية الصعبة والتي وجد أنها لا تنطبق عليه بسبب المحاصصة واللااستقلالية والصراعات وغياب الرؤية والخطة والمنهج. وعليه كتب قائلا «أعتذر فالشروط غير متوفرة». لكن الطبقة السياسية العراقية، بعدما وصلت إلى طريق مسدودة لاختيار مرشح مناسب لتحمل عبء هذا المنصب، هرعت إليه معتبرة ما عده شروطاً لا تناسبه بمثابة «برنامج حكم عليه تنفيذه». وهكذا تم تكليفه بعدما توافقت عليه الكتلتان الفائزتان بالانتخابات الأخيرة «سائرون» و«الفتح». وقبل عبد المهدي التكليف مع أن أيدي الجميع على قلوبهم كون الرجل، وهو رجل تسويات مقبول لدى الجميع، لا يحب المصادمات والمناكفات... وسبق له أن استقال من منصبه وزيرا للنفط، وهدد بالاستقالة أكثر من مرة مما يجعل إمكانية استقالته من منصبه المهم هذه المرة أمرا واردا في حال لم يمنح استقلالية كاملة في تنفيذ برنامجه ورؤيته.
يؤخذ على عبد المهدي تقلبه بين التيارات والأحزاب. ويروي عنه صديق طفولته وصباه إياد علاوي أنه كان من المنتمين لحزب البعث العربي الاشتراكي في ستينيات القرن الماضي. ومع أن عبد المهدي المولود عام 1942 لأسرة أرستقراطية شيعية في محافظة ذي قار (جنوبي العراق) وخريج ثانوية «كلية بغداد» الراقية مع صديقيه إياد علاوي والراحل الدكتور أحمد الجلبي - وثلاثتهم ينتمون إلى الأسر الأرستقراطية في العراق - فإنه بعد تخليه عن فكر البعث انتمى إلى أقصى اليسار الشيوعي لفترة قصيرة في سبعينيات القرن الماضي. غير أنه انضم عام 1982 رسمياً إلى «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» الذي أسس في إيران.
تولى عبد المهدي عدة مناصب بعد عام 2003 من بينها تعيينه وزيرا للمالية ووزيرا للنفط ونائبا لرئيس الجمهورية. كما بقي مرشحا ساخنا لرئاسة الوزراء طوال أكثر من عشر سنوات... لكن مرشحي حزب الدعوة كانوا يحظون بالمنصب حتى جاءه أخيرا عن طريق التوافق لا التنافس.

- محمد الحلبوسي... وجه «الإزاحة الجيلية»
> طبقا لمنهج المحاصصة التي طبقت في العراق بعد عام 2003 فإن منصب رئاسة البرلمان أصبح من حصة العرب السنة. وطوال السنوات الخمس عشرة الماضية توالى على هذا المنصب عدد من الشخصيات السنّية البارزة والمتقدمة في السن وفي العمل السياسي. أولهم كان الدكتور محمود المشهداني الذي ولد في أربعينات القرن الماضي وإياد السامرائي أحد الأمناء العامين للحزب الإسلامي العراقي المولود في الأربعينات هو الآخر وأسامة النجيفي المولود في الخمسينات والدكتور سليم الجبوري المولود في السبعينات. لكن القفزة التي لم تكن محسوبة هي التي تحققت بوصول الشاب محمد الحلبوسي (مواليد 1981) إلى هذا المنصب الهام في ظل نظام برلماني تكون فيه السلطة التشريعية هي السلطة العليا رقابة وتشريعا.
في عام 2014 فاز محمد الحلبوسي الذي يحمل شهادة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة المستنصرية ببغداد (ومنها أيضا حاز البكالوريوس) لأول مرة في عضوية البرلمان العراقي. أصبح عضوا في لجنة حقوق الإنسان في البرلمان ومن ثم انتقل إلى عضوية اللجنة المالية فرئيسا لها في مرحلة لاحقة. وفي عام 2017 تولى منصب محافظ الأنبار. وخلال انتخابات عام 2018 فاز ثانية عن محافظة الأنبار لعضوية البرلمان العراقي محرزا أعلى الأصوات بين مرشحي المحافظة (37 ألف صوت).
وخلال عملية الترشح لرئاسة البرلمان الحالي تنافس الشاب محمد الحلبوسي مع 9 من الشخصيات السنية من بينهم أسامة النجيفي (رئيس البرلمان الأسبق) وخالد العبيدي (وزير الدفاع السابق) ومحمد تميم (وزير التربية الأسبق) وآخرون لكنه تفوق عليهم جميعا مترجما ما بات يعرف بالعراق بـ«الإزاحة الجيلية» كناية عن رغبة النخب الفكرية والسياسية العراقية بإزاحة كبار السن من سياسيي العراق عن المشهد السياسي وإحلال زعامات شابة محلهم.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.