خامنئي يقر بمشكلات إيران الاقتصادية ويتوعد بمواجهة العقوبات

من أعلى نقطة في معلب آزادي وأمام ما يقارب ثمانين ألفا من منتسبي الباسيج وقيادات «الحرس الثوري»، أقر المرشد الإيراني علي خامنئي بأن بلاده تمر بصعوبات اقتصادية، نافيا أن يكون النظام الإيراني في «مأزق» تحت وطأة العقوبات الأميركية.
ووجه خامنئي تحذيرا لأطراف داخلية من ارتكاب «الخيانة» إذا ما تحدثت عن وجود «مأزق» في إيران، وقال «يجب أن نوصل رسالة قوة إلى الأعداء وليس رسالة ضعف» محذرا المسؤولين الإيرانيين من «الضعف» والخلافات الداخلية. وشدد أيضا على «قدرة» الاقتصاد الإيراني على «إلحاق الهزيمة بالعقوبات» غير أنه عاد للقول «لا شكّ في أنّنا لدينا مشاكل اقتصاديّة؛ لدينا اقتصاد نفطي هو عيبٌ كبيرٌ في حدّ ذاته».
وأبدى خامنئي حرصا في خطابه على توظيف مفردات يستخدمها بشكل روتيني في مخاطبة المسؤولين الأميركيين، ووصف ما قاله بومبيو وبولتون بـ«العربدة والتصريحات السخيفة والتصورات الواهية» متهما إياها بالسعي وراء رسم صورة «مقلوبة» عن واقع الأرض في إيران غير أنه قال إن بلاده تواجه فترة حساسة بسبب الضغوط الأميركية والمصاعب الاقتصادية وقال إن «ظروف البلاد وظروف المنطقة والعالم ظروف حسّاسة؛ خاصّة بالنّسبة إلينا نحن الشّعب الإيراني».
وعزا خامنئي أسباب حساسية الأوضاع في إيران إلى سياسات الإدارة الأميركية. وتطرق بمرارة إلى ما تشهده إيران هذه الأيام من المشكلات الاقتصادية والمعيشية، ونقلت عنه رويترز «أننا من ناحية لدينا صياح القوى المتعجرفة وساسة الإمبريالية الأميركية... ومن ناحية أخرى لدينا المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الأمة وتضييق العيش على قطاع كبير من الضعفاء في البلاد».
ولم يتطرق خامنئي لحلول واقعية يمكن تطبيقها لتجاوز المشكلات الاقتصادية مع اقتراب العقوبات، لكنه أشار إلى «عيوب» مثل «فقدان ثقافة التوفير» و«الإسراف» قبل أن يوجه انتقادات مبطنة لجهات تريد الانفتاح الاقتصادي على الغرب بقوله إن «العيب الحقيقي هو أن يظنّ الشاب داخل البلاد بأنه لا سبيل للحل سوى الارتماء في حضن العدو». كما اتهم «الأعداء» بتقديم صورة «مغلوطة» عن إيران لافتا إلى أن (الأميركيين) يحاولون «الإيهام بأنّهم في موضع القوّة؛ بيدَ أنّهم ليسوا في موضع القوّة» وأضاف «الصورة المغلوطة الأخرى هي تصورهم عن إيران. مؤخرا قال الرئيس الأميركي لزعماء أوروبا: تريّثوا شهرين أو ثلاثة ستنتهي إيران».
قبل أسبوعين، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال مؤتمر صحافي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن «إيران سوف تلجأ إلي وستطلب أن تعقد اتفاقا جيدا معي سوف يحدث ذلك. هم يعانون كثيرا الآن».
وكان ظهور خامنئي، أمس، بمثابة هجمة مرتدة ضد مواقف كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية وآخرها تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، أول من أمس، هاجما سياسات النظام الإيراني بأشد العبارات. أول من أمس، وبعد ساعات من إعلان قرار محكمة العدل الدولية بشأن العقوبات الإيرانية، خرج وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مؤتمر صحافي ودعا قادة إيران إلى «إنفاق الأموال على الشعب الإيراني بدلا من إثارة الرعب في العالم». وقال بولتون إن إيران «البنك المركزي للإرهاب» لافتا إلى أن التهديد الإيراني «لا يقتصر على ترسانة الصواريخ والطموحات النووية وإنما رعاية الإرهاب».
وفي تصريحات صحافية في جنيف، قال المبعوث الأميركي إلى مؤتمر نزع السلاح روبرت وود «نريد أن نرى إيران وقد انتهى دورها في سوريا... وسوف نستمر في تشديد العقوبات على إيران - سوف ترون بعض الخطوات الجديدة في نوفمبر (تشرين الثاني)، وسوف نستمر من هذه النقطة».
وقال خامنئي إن «الولايات المتحدة لا سبيل لها سوى فرض العقوبات» مضيفا أن طهران «ستصفع الولايات المتحدة وستهزمها من خلال هزيمة العقوبات».
وجاء خطاب خامنئي غداة حكم صدر من محكمة العدل الدولية ردا على شكوى إيرانية، اتهمت فيها الولايات المتحدة بخرق معاهدة الصداقة التي وقعها النظام الإيراني السابق في 1955. وكان وزير الخارجية الإيراني في منتصف يوليو (تموز) الماضي أعلن عن تسجيل شكوى رسمية ضد واشنطن بسبب انسحاب من الاتفاق النووي وعودة العقوبات.
ولم تحصل طهران على حكم يبطل العقوبات الأميركية إلا أن المحكمة أمرت الولايات المتحدة بضمان عدم تأثر السلع الإنسانية بالعقوبات، واعتبرت كل من إيران والولايات المتحدة أنه الطرف الفائز في القرار. ورحبت طهران على لسان وزير الخارجية والمتحدث باسم الخارجية لكن وزير الخارجية الأميركي اعتبره «هزيمة» للإيرانيين. وسارع بومبيو للتأكيد على أن الولايات المتحدة لم تفرض حظرا على سلع تشمل الجانب الإنساني ومنها الأدوية والغذاء.
وهذه المرة الأولى التي يقابل فيها زعيم النظام الإيراني أمام المستطيل الأخضر الأكبر اتساعا للجماهير في البلاد، لتوجيه كلمة أمام أنصاره ويعد ملعب «آزادي» من معالم طهران ومن تراث النظام السابق. وقال خامنئي إن «زبدة الكلام» في خطابه «عظمة إيران» أولاً، و«صلابة النظام» ثانياً وثالثاً «استعصاء إلحاق الهزيمة بالشعب الإيراني» وأشار إلى ما اعتبره سحق إيران في مختلف المجالات على مدى 200 عام خلال مرحلتي حكم القاجاريين والنظام البهلوي.
ولم يعلق خامنئي على الجدل الإيراني_الأميركي حول القرار كما أنه تجاهل التعليق على إطلاق صواريخ باليستية باتجاه شرق الفرات بداية الأسبوع الحالي وفسرتها طهران على أنها رسالة للإدارة الأميركية.
ومع ذلك، دعا خامنئي مخاطبيه من قوات «الحرس الثوري» والباسيج إلى «معرفة ساحة الهجوم. أين تكمن حربنا مع العدو؟ ينبغي علينا تحديد هذا بشكل صحيح. ينبغي علينا فهم تهديد العدوّ بشكل صحيح. ينبغي عليكم أن تعلموا من أي جهة يشنّ العدوّ هجومه. ينبغي على جميع النّاس أن يمتلكوا فهماً صحيحاً».
وتزامن ظهور خامنئي بهذه الطريقة مع حملة إعلامية أطلقتها السلطات الإيرانية في المواقع الرسمية لتقديم صورة مغايرة عن تفاعل السوق والعملة الإيرانية مع العقوبات، قبل العد العكسي لدخول الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية حيز التنفيذ في مطلع نوفمبر.
في هذا الشأن، شبه خامنئي وسائل الإعلام بـ«السلاح الكيماوي في الحرب العسكرية» لافتا إلى أن هذا النوع من السلاح يستخدم «عندما تضرب الدبابات والمعدات والقوات وتسقط القدرة على استخدام الوسائل» وصرح «كذلك شأن وسائل الإعلام، اليوم يستخدم التلفزيون والإنترنت وشبكات التواصل ضد الرأي العام (الإيراني)» محذرا من «استخدام هذا السلاح الكيماوي ضد الإيرانيين».
ودعا في هذا الصدد قوات «الباسيج» إلى اتخاذ سياسة «حرية إطلاق النار» في شبكات التواصل الاجتماعي.
ويعود أول استخدام لمصطلح «حرية إطلاق النار» إلى أول خطابات خامنئي عقب فوز روحاني بولاية رئاسية ثانية في مايو (أيار) 2017، حينذاك كان خامنئي ينتقد الأوضاع الثقافية، ودعا «الأجهزة الثورية إلى اتخاذ زمام المبادرة إذا ما رأت تقاعسا لدى الأجهزة المعنية في معالجة القضايا الثقافية» ضد ما اعتبره «التغلغل الثقافي».
ويملك «الباسيج» جيشا إلكترونيا من «الهاكرز» وآخرين يعملون في سياق حملات ينظمها «الباسيج» ضد حراك نشطاء المجتمع المدني والمعارضين لسياسات النظام.
وكانت شركات غوغل وتويتر وفيسبوك أعلنت الشهر الماضي عن إغلاق مئات الحسابات الإيرانية.
وبحسب معلومات تداولها ناشطون فإن أكثر من 20 ألفا من عناصر الأمن تحت إشراف فريق حماية خامنئي، تكفل بتأمين حضور قوات الباسيج في ملعب آزادي، وقالت وكالة «إسنا» الحكومة في وصف الحشود إنها «جماعات جهادية» من قوات «الباسيج» التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني.