ارتفعت حدّة التصعيد بين القوى الانفصالية في كاتالونيا والدولة الإسبانية إلى درجة عالية أمس (الخميس) بعد أن طالب حزب الأكثرية الذي يتزعّمه الرئيس السابق كارليس بوتشيمون خلال الجلسات العامة للبرلمان الإقليمي، بإلغاء مؤسسة النظام الملكي وتأنيب العاهل الإسباني الملك فيليب السادس بسبب الخطاب الذي ألقاه في مثل هذا اليوم من العام الماضي بعد الاستفتاء غير الشرعي الذي دعت إليه الحكومة الإقليمية في كاتالونيا. ويُذكر أن فيليبي السادس كان قد وجّه كلمة إلى مواطنيه في 3 أكتوبر (تشرين الأول) من العام ٢٠١٧، تضمّنت انتقادات شديدة للحكومة الإقليمية التي اتهمها بانتهاك القوانين المرعيّة وتمرّدها على سلطة الدولة.
وقد أثار ذلك الخطاب سخطا واسعا في أوساط الانفصاليين لأنه لم يتضمّن أي إشارة إلى أعمال العنف التي وقعت خلال المواجهات بين قوات الأمن والمواطنين الذين كانوا يصرّون على الانتخاب في الاستفتاء الذي كانت المحكمة الدستورية قد أبطلته. وتقاطع السلطات الإقليمية، منذ ذلك التاريخ، كل المناسبات الرسمية التي يرأسها فيليبي السادس في كاتالونيا وخارجها.
ويعتبر الانفصاليون أن العاهل الإسباني بذلك الخطاب قد «بارك العنف الذي تعرّض له المواطنون على يد الشرطة»، ويؤكدون أن غالبية الكاتالونيين تناهض النظام الملكي وتطالب بإلغائه. وقد لفت الانتباه أن حزب بوتشيمون لم ينسّق هذا الطلب مع شريكه في الحكومة (حزب اليسار الجمهوري)، ما يدلّ على اتساع الخلاف بينهما حول مقاربة الأزمة الانفصالية.
وكشفت مصادر إعلامية كاتالونية أن رئيس الحكومة الإقليمية كيم تورّا قد وجّه رسالة إلى البابا فرنسيس والرئيس الأميركي دونالد ترمب في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي، يطلب منهما التوسّط لحلّ الأزمة في كاتالونيا. وجاء في الرسالة التي بعث تورّا بنسخ منها إلى رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانتشيز ورؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي والصين وكوسوفو وأوكرانيا، أن الطرف الكاتالوني لا ينوي المطالبة بالاستقلال الفوري للإقليم، بل يطالب بإجراء «استفتاء شرعي، ملزم وعادل، يتعهد فيه الطرفان بالامتثال لنتائجه احتراما لإرادة الشعب الكاتالوني».
ويطلب تورّا من البابا وترمب التوسّط لدى الحكومة الإسبانية من أجل إجراء الاستفتاء والإفراج عن القياديين الانفصاليين المعتقلين «لأن ذلك من شأنه أن يمهّد للبحث في كل الخيارات الممكنة والاتفاق على مرحلة انتقالية لمصلحة الجميع». ومع ارتفاع حدة التصعيد والتوتر حول الأزمة الكاتالونية التي باتت تشكّل خطرا محدقا على الاستقرار السياسي في إسبانيا، تنادت أصوات كثيرة من الدستوريين والمراقبين والمحللين المحايدين تدعو الأحزاب والقوى الرافضة للمطلب الانفصالي إلى الاتفاق حول برنامج موّحد لمواجهة التحدي الكاتالوني، وقطع الطريق أمامه لفرض الأجندة السياسية في إسبانيا.
وتخشى هذه الأوساط من أن المؤسسات السياسية والإعلامية والإدارية الكاتالونية قد تحولّت إلى مجرّد مختبرات وأبواق في خدمة المطلب الانفصالي الذي يرفضه أكثر من نصف الكاتالونيين، وتكاد تُغرِق البلاد في دوّامة واحدة تدور حول موضوع استقلال إقليم كاتالونيا. ودعت أحزاب اليمين واليسار، في الحكومة والمعارضة، إلى اتخاذ موقف موحّد مفاده أن سياسة الدولة من الحركة الاستقلالية لن تتغيّر أيا كانت الحكومة.
وكان رئيس الحكومة الإقليمية الباسكية خوسيه أنطونيو آغيرّي قد ناشد أمس رئيسي الحكومة المركزية والإقليمية التوصّل إلى اتفاق سريع لتنفيس الاحتقان والعودة إلى الحوار قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، ودعا الطرفين إلى تبدية معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والكفّ عن التصريحات والمواقف التصعيدية.
وفي برشلونة بدأت الأزمة المتفاقمة بين القوى الانفصالية تهدد استقرار الحكومة التي يرأسها تورّا، الذي يتهمه حلفاؤه في حزب اليسار الجمهوري بالتفرّد في اتخاذ قرارات تصعيدية مرتجلة وعشوائية تسيء إلى القضية الاستقلالية. ولا يستبعد مراقبون أن يقرر اليسار الجمهوري سحب تأييده لتورّا وإسقاط الحكومة قبل الانتخابات المقبلة التي ينتظر أن تشهد منافسة شديدة حول مركز القوة الانفصالية الرئيسية في كاتالونيا.
انفصاليو كاتالونيا يثيرون غضب مدريد
انفصاليو كاتالونيا يثيرون غضب مدريد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة