السلطة تهاجم واشنطن وتتهمها بالسعي لخلق فوضى عالمية

بعد قرار انسحاب أميركا من الملحق الإضافي لاتفاقية فيينا

TT

السلطة تهاجم واشنطن وتتهمها بالسعي لخلق فوضى عالمية

شنَّ مسؤولون فلسطينيون أوسع هجوم ضد الإدارة الأميركية، بعد قرارها الانسحاب من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية «فيينا للعلاقات الدبلوماسية»، في محاولة لسد الطريق أمام دعوى فلسطينية، قائلين إن الولايات المتحدة، بانسحابها هذا، تمارس العربدة وتسعى لخلق فوضى عالمية، وتتحول إلى دولة خارجة على القانونين الدولي والإنساني، وتصبح في مواجهة مباشرة مع حرية الفلسطينيين، وحقهم في تقرير المصير.
وأصدر وزير الخارجية رياض المالكي، بياناً قال فيه إن إعلان الإدارة الأميركية الانسحاب من البروتوكول الإضافي باتفاقية فيينا، يؤكد من جديد، ازدراءها للقانون الدولي، والنظام الدولي القائم على القانون.
واتهم المالكي، إدارة الرئيس دونالد ترمب، بتعمد «تقويض وتدمير النظام الدولي، بسبب إصرارها على مواصلة دعم المشروع الاستعماري الإسرائيلي بلا هوادة، وعدائها لفلسطين، وشعبنا، وبالتالي تتبنى هذه الأجندة العدائية على حساب التعاون الدولي، وحماية مكانة المعايير الدولية، وهيبتها».
وكان جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، أعلن أن بلاده ستنسحب من البروتوكول الاختياري الملحق بـ«معاهدة فيينا»، مؤكداً أن الأمر «يتصل بشكوى ما يسمى دولة فلسطين ضد الولايات المتحدة، في تحدٍّ لنقل سفارتنا من تل أبيب إلى القدس».
وأكد بولتون، أن واشنطن «ستظلّ عضواً في هذه الاتفاقية، ولكن سوف تراجع جميع الاتفاقيات الدولية التي تهدد بتعريض الولايات المتحدة للاختصاص الإلزامي المزعوم، لمحكمة العدل الدولية في حل الخلافات». وأضاف: «لن تبقى الولايات المتحدة مكتوفة اليدين حيال شكاوى مسيَّسة لا أساس لها ضدنا». ويدور الحديث عن القضية التي رفعتها فلسطين ضد الولايات المتحدة الأميركية في محكمة العدل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، بسبب نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس.
ورفعت فلسطين الدعوى أمام الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، بسبب انتهاك الولايات المتحدة للقانون الدولي. لكن فلسطينيين يقولون إن هذا الانسحاب لن يغير شيئاً.
وكان الدكتور عمر عوض الله، رئيس دائرة الأمم المتحدة في وزارة الخارجية قد أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الولايات المتحدة حين تسلمت الدعوى، كانت عضواً في البروتوكول، ولذلك لا يُحدِث انسحابها الآن فرقاً.
وجاءت هذه التطورات لتضيف مزيداً من التوتر في العلاقة بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأميركية، بعد رفض الفلسطينيين قرار نقل السفارة إلى القدس، وما تبعه من قرارات أميركية متعلقة بوقف كل المساعدات للفلسطينيين.
ووصفت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حنان عشراوي، ما يحدث بأنه هجوم أميركي على المنظومة الدولية. وقالت إن انسحاب الولايات المتحدة، المتكرر، من هيئات المنظومة الدولية، يُسهِم في عزلها هي دولياً، ويحولها إلى دولة خارجة على القانون الدولي والإنساني، وفي مواجهة مباشرة مع حرية الفلسطينيين، وحقهم في تقرير المصير.
وكانت الولايات المتحدة، إضافة إلى انسحابها من البروتوكول الإضافي لاتفاقية «فيينا»، انسحبت، قبل ذلك، من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، ومجلس حقوق الإنسان.
وقالت عشراوي: «إذا ما استمرَّت الإدارة الأميركية في انسحابها من المنظمات والمؤسسات الدولية التي تعترف بفلسطين وتدافع عن حقوق الفلسطينيين، فإنها ستجد نفسها خارج معظم الهيئات الدولية ذات التأثير، وهذه العزلة ستؤدي إلى خسارتها نفوذها وعلاقاتها مع بقية العالم».
وتابعت عشراوي: «إن الهجمة الشرسة التي تشنها الإدارة الأميركية على المؤسسات الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والجمعية العامة للأمم المتحدة، تؤكد انحيازها المطلق لدولة الاحتلال، وشراكتها بجرائم الحرب التي ترتكبها بحق شعبنا، واستماتتها في توفير الغطاء اللازم لإسرائيل، وتجنيبها المساءلة والمحاسبة على تنكرها للقانون الدولي والدولي الإنساني، وذلك على حساب مصالح الشعب الأميركي».
وأشارت إلى أن منظمات الأمم المتحدة، لا تعمل ضد إسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها تقف ضد انتهاك القانون الدولي والإنساني والمعايير الدولية، وتواجه الظلم والاستبداد، وجميع الممارسات غير الأخلاقية التي تنتهك حقوق الضعفاء في هذا العالم.
كما هاجم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، الولايات المتحدة على موقفها، وقال إن إدارة ترمب «لا تحترم القانون الدولي، وتسعى لخلق فوضى قانونية عالمية، الأمر الذي يتطلب تغيير تعامل العالم مع هذه الإدارة، ووضع حد لتصرفاتها التي تشكل خطراً على الأمن والاستقرار العالميين».
وأضاف مجدلاني: «على إدارة ترمب تحمل نتائج سياستها الخاطئة والمدمرة للسلام في المنطقة، وأن تتعامل كدولة بعيداً عن سياسة العربدة، والانسحاب من الشراكة والتطابق الكامل مع سياسات الاحتلال».
وعد مجدلاني الانسحاب الأميركي دليلاً على الخوف من الإدانة، وعلى أن تلك الإدارة أصبحت محامي الدفاع عن الاحتلال.
أما حركة فتح، فقالت، على لسان منير الجاغوب، رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم، إن الانسحاب الأميركي الذي سيؤدي إلى مزيد من العزلة، «يثبت أن الملاحقة القانونية لأميركا وإسرائيل، هي نوع من أنواع المقاومة الفعّالة، في تصدّينا لما يتعرض له شعبنا من عدوان».
ورأت الحكومة الفلسطينية انسحاب أميركا من الاتفاق: «يثبت نظرية قوة الحق التي هي بيد القيادة الفلسطينية». وقال ناطق حكومي: إن «ما تقوم به إدارة ترمب، على صعيد التنصل من الاتفاقات الدولية، يعني باختصار، استبدال تلك القوانين البشرية بشريعة الغاب».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».