أسبوعان على اتفاق إدلب والأمور على الأرض تراوح مكانها

TT

أسبوعان على اتفاق إدلب والأمور على الأرض تراوح مكانها

بعد أسبوعين من اتفاق روسي - تركي سمح بإرجاء هجوم كان النظام السوري ينوي شنه على محافظة إدلب، لا تزال شروط الاتفاق غامضة ولم يتبدل شيء على الأرض في آخر معقل للفصائل المعارضة والمتطرفة في سوريا.
ونص الاتفاق الروسي - التركي على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام والفصائل عند أطراف إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة وتحديداً ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي.
وبموجب الاتفاق، على جميع الفصائل سحب سلاحها الثقيل من المنطقة العازلة بحلول العاشر من الشهر الحالي، وينسحب المتطرفون تماماً منها بحلول منتصف الشهر، على أن تتولى قوات تركية وشرطة روسية الإشراف عليها. وإذ جنّب الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 17 سبتمبر (أيلول)، إدلب، هجوماً واسعاً لوحت به دمشق على مدى أسابيع، فإن مصير المنطقة لا يزال مجهولا وخصوصا أن المهلة المحددة لتطبيقه أوشكت أن تنتهي.
وأعلنت فصائل مقاتلة رفضها الاتفاق فيما اعترضت أخرى على بعض نقاطه وخصوصا تلك المتعلقة بتسيير دوريات للشرطة العسكرية الروسية من أجل مراقبة المنطقة المنزوعة السلاح.
ويقول الباحث في معهد شاتام هاوس حايد حايد: «على الأرض الآن بشكل أساسي، ليس هناك أي تحرك، ليس هناك تسليم أي مناطق أو سلاح».
وما يجري الآن عملياً هو تفاوض واجتماعات ونقاش بين روسيا وتركيا والفصائل المقاتلة لبحث تفاصيل بنود الاتفاق وانضمام الجهاديين إليه.
وثمة تساؤلات عدة تتصل بمكان إنشاء المنطقة العازلة ومن سيقوم بمراقبتها، وعما إذا كانت الفصائل ستنقل أسلحتها الثقيلة إلى مناطق أخرى تابعة لها أم ستسلمها لأنقرة.
ولدى التوصل إلى تسوية لهذه المسائل سيتم التنفيذ سريعا، بحسب حايد. وأضاف: «أعتقد أنه سيتم تطبيق الاتفاق في موعده لكن مع بعض التعديلات». وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان أعلنا، عقب قمة ثنائية جمعتهما في منتجع سوتشي، الاتفاق على إقامة «منطقة منزوعة السلاح» في إدلب. ورحبت القوى الكبرى والأمم المتحدة بالاتفاق معربة عن أملها بتجنب كارثة إنسانية غير مسبوقة في محافظة إدلب. ولم يتم إعلان تفاصيل الاتفاق باستثناء المهل المحددة لتطبيقه. وأشار حايد إلى وجود احتمالين: «الأول، أن روسيا وتركيا اتفقتا على كل التفاصيل لكنهما لم تعلناها. والاحتمال الثاني هو أنهما اتفقتا على الخطوط العريضة لكن من دون تفاصيل»، ما يسمح لأنقرة بتفكيك العقد مع الفصائل المقاتلة في إدلب. وأعلن بوتين الأربعاء أن موسكو لا تزال «تعمل بالتعاون مع تركيا» حول إدلب. وأضاف: «إننا نجد أنهم جادون وسيفون بالتزاماتهم».
وتحدث الرئيس الروسي بعد ساعات من دخول رتل عسكري تركي جديد إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال غربي سوريا وتمركزه في نقاط مراقبة في المنطقة.
وينص الاتفاق على أن تتولى تركيا المحاذية حدودها لمحافظة إدلب التي تدعم الفصائل المقاتلة منذ اندلاع النزاع السوري في 2011 العمل على تنفيذ بنود الاتفاق. لكن الصعوبة تكمن في إقناع المتطرفين وبينهم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) بالقبول بالاتفاق.
وتسيطر هيئة تحرير الشام ومجموعات جهادية أخرى أقل نفوذاً منها، على نحو 70 في المائة من المنطقة العازلة المرتقبة، وفق المرصد.
ولم تعلن هيئة تحرير الشام حتى الآن موقفا من الاتفاق، ما يشير إلى أنها قد تكون تتفاوض مع تركيا للحصول على شروط أفضل.
ولفت حايد إلى أن «عدم ورود أي نبأ قد يكون إيجابيا أكثر منه سلبيا»، مضيفا: «هذه المنطقة مهمة جداً لهيئة تحرير الشام، فيها فوائد اقتصادية وهي تضمن استمرارية الهيئة. إذا سلّمت هذه المنطقة، ماذا يبقى لها؟». لكن موسكو اتهمت هيئة تحرير الشام و«مقاتلين متشددين» بمحاولة تقويض الاتفاق.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا الخميس إنهم «يخشون أن يجدوا أنفسهم معزولين نتيجة الاتفاق الروسي التركي، ويرتكبوا كل أنواع الاستفزازات ما يزيد من تفاقم الوضع». كما تجري أنقرة محادثات مع فصائل مقاتلة أخرى تعارض بنودا في الاتفاق. ورفضت الجبهة الوطنية للتحرير التي سبق أن أعلنت ترحيبها بالاتفاق، أي وجود روسي في المنطقة العازلة التي أعلن بوتين أن الشرطة العسكرية الروسية والقوات التركية ستسير دوريات فيها. وقال المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير ناجي مصطفى: «ليس هناك أي تقدم في الاتفاق إلا في موضوع الدوريات التي ستكون من الجانب التركي فقط». وأضاف: «بالنسبة إلى المنطقة المنزوعة السلاح، لا يوجد لدينا سلاح ثقيل في المنطقة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.