مسؤولو الرقابة على الكتب والمثقفون وجهاً لوجه في ندوة رابطة الأدباء الكويتية

جمعت «التشريع والأدب والقانون والإعلام» في أسخن قضية ثقافية في البلاد

مسؤولو الرقابة على الكتب والمثقفون وجهاً لوجه في ندوة رابطة الأدباء الكويتية
TT

مسؤولو الرقابة على الكتب والمثقفون وجهاً لوجه في ندوة رابطة الأدباء الكويتية

مسؤولو الرقابة على الكتب والمثقفون وجهاً لوجه في ندوة رابطة الأدباء الكويتية

جمعت رابطة الأدباء الكويتيين مسؤولي الرقابة في الجهاز الثقافي الحكومي، والمثقفين الذين طالما اشتكوا مما يسمونه «فرض الوصاية على فكرهم»، وجهاً لوجه في ندوة ساخنة أُقيمَت في مبنى الرابطة، مساء أول من أمس، قبل نحو شهر من موعد معرض الكتاب الذي يصادف 14 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
اللافت في الموضوع هذه المرة أن الموضوع أثير مبكراً. فحتى قبل أن يُطرح موضوع الرقابة في مواقع التواصل الاجتماعي بعدة شهور، سبق أن طرح موضوع الرقابة بقوة في رابطة الأدباء الكويتيين، خلال استضافتها لوزير الإعلام، ووزير الدولة لشؤون الشباب رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد ناصر الجبري، حيث تركز النقاش يومها بمجمله عن الرقابة رغم أن اللقاء لم يكن معداً لهذا الخصوص، إلا أن الحديث مع الوزير أخذ هذا المنحى من قِبَل الأدباء الذين حضروا اللقاء.
أما في الندوة التي أقامتها الرابطة، مساء أول من أمس، فحملت عنوان مباشر هو «الرقابة بين آمال المبدع واشتراطات الواقع». وتحدث فيها كل من عضو مجلس الأمة د. عودة الرويعي، ووكيل وزارة الإعلام المساعد لقطاع المطبوعات محمد العواش، والمحامي الدكتور نواف الياسين، والروائي عبد الله البصيص، وأدار الجلسة الكاتب فهد القعود. وبذلك نجد أن الرابطة اختارت التنوع من مختلف فئات المجتمع المدني.
في البداية تحدث الروائي عبد الله البصيص الذي له تجربة مع سابقة مع الرقابة، فأشار إلى أنه لا جدوى من المنع إذ إن معظم الكتب الممنوعة أصبحت متاحة للجميع بفضل وسائل التواصل الحديثة، ولذلك فالرقابة (حسب تعبيره) لا تقدِّم لكنها تؤخر، وهذا الأمر يساعد على تنشيط قرصنة الكتب وهضم حقوق المؤلف. واعتبر البصيص أن العالم يقوم على أفكار من النقائض والاختلاف، وبالتالي فنحن بحاجة إلى أفكار مخالفة. وتساءل البصيص: «هل المنع يحمي الأفكار»، وأجاب بالنفي معتبراً أنه من خلال الهاتف الجوال فقط يمكن الدخول إلى فضاءات العالم.
واستدرك البصيص بأن المنع مطلوب في حدود ضيقة، فلا يجوز بيع الكتب التي تزدري الأديان أو الطوائف أو التي تدعو للإلحاد والإباحية. وعاد البصيص للتساؤل: «ولكن هل الكتب التي منعتها الرقابة هي من هذا النوع؟».
وأجاب: «بالتأكيد لا»، موضحاً أن هناك شخصيات في الرواية، مثلاً من أجل العبرة وليس للترويج لها، وهو ما يجب أن يدركه الرقباء الذين اعتبرهم البصيص غير متفرغين لهذا العمل، بل هم يقومون بذلك على هامش وظائفهم الأساسية، كما أن عددهم قليل لا يتجاوز الـ12 رقيباً؛ فكيف لهم أن يقرأوا كل هذه الكتب، ثم اعتبر أن المشكلة ليست مع قانون المطبوعات الصادر عام 2006، ولكن المشكلة مع آلية تنفيذ هذا القانون.
وانتقلت الندوة إلى الجانب القانوني، حيث تحدث المحامي د. نواف الياسين عن المادتين 36 و37 من الدستور، وتساءل عما إذا كان قانون عام 2006 يخالف هاتين المادتين من جانب الحريات. ذهب إلى أبعد من ذلك حين تساءل في ما إذا كان هذا القانون يخالف الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الكويت عن الحريات والحقوق، وهل هذا القانون ينسجم مع الدساتير في الدول المتقدمة الأخرى؟!
وأشار إلى أن هناك قوانين دولية تتيح حرية التعبير ما لم تتعارض هذه الحرية مع النظام العام والأهداف العامة، وبأن محكمة العدل الدولية عرفت هذا النظام العام والأهداف العامة من ناحية المصالح الواجب حمايتها للحفاظ على صحة المجتمع، بينما هناك قوانين أخرى عرفت ذلك بالمحافظة على أمن المجتمع وعاداته وتقاليده.
وخلص د. نواف الياسين إلى أن ليس هناك تعريف للقواعد والآداب العامة والأمر متروك للمحاكم. وأشار إلى أن الرقابة المسبقة معمول بها في الكويت، ولكن في بعض الدول الأخرى لا تأتي الرقابة مسبقة؛ فالأصل فيها الفسح إلى أن يثبت العكس. كما أنه في الغرب توضع شروط وضوابط لطريقة عرض المواد التي لا تتفق مع جميع الأهواء، كأن يكون لها ركن خاص بها أو أمكنة معينة لبيعها.
وأشركت الندوة ممثلاً عن السلطة التشريعية من خلال النائب في مجلس الأمة د. عودة الرويعي الذي اعتبر أن الأصل يتمثل بالإفساح، والاستثناء بالمنع، وتساءل هل الرقابة في الكويت سليمة؟ بحيث نجد صعوبة في التعامل مع الكتب، خصوصاً في الثالوث المتعارف عليه. وأوضح أن هناك أعمالاً تمنع في دول تُعتبر أجنبية، وسبق أن قام ستالين بمنع عمل أدبي اعتبره مساساً به، كما تُمنع في الهند الكتب التي تمس الطوائف نتيجة للتعددية الطائفية الكبيرة في الهند، ثم قال إن وزير الإعلام يبحث عن الحصانة من خلال منعه للكتب، ويؤيده أو يقف إلى جانبه حتى أعضاء من المجلس التشريعي. ودعا د. عودة الرويعي إلى دعم المشرع، معتبراً أن حرية التعبير ناجمة عن حرية التفكير، التي يجب أن تكون محمية، واستشهد د. الرويعي بالتصرف الهادئ للنبي محمد عليه الصلاة والسلام حين يختلف شخص معه.
وأوضح د. الرويعي إلى أن على الكاتب مراعاة رقابته الداخلية أولاً قبل أي شيء، مشيراً إلى أن الاختلافات في الأفكار سبيل للتطور، مشيراً إلى أن القضاء ينتصر للحق دائماً، وبالتالي فيجب اللجوء إليه.
وأشار إلى أن هناك مئات الكتب ممنوعة في العالم، ولكن يجب أن يكون هناك دور للمجتمع المدني في مسألة الرقابة، وعلى المشرع أن يفتح باب التشريع في هذا المجال.
ثم جاء ختام الندوة من ممثل وزارة الإعلام الوكيل المساعد لقطاع المطبوعات محمد العواش الذي ابتدأ كلامه بأن من ضمن أهداف وزارة الإعلام تشجيع الأدب والثقافة بشكل عام والفن، ثم قال: «نحن أمام قانون لم تسنه وزارة الإعلام أصلاً بل سنَّه المجلس التشريعي بأغلبية ساحقة بلغت 42 صوتاً، وبالتالي فالوزارة تطبق هذا القانون وهي لا دخل لها في تشريعه أصلاً». وأضاف: «الوزارة لا تتعسف في تطبيق القانون سواء ما يتعلق بالنشر أو المرئي والمسموع أو الإلكتروني؛ فهي تخضع للمعاير نفسها على صعيد المحاذير الموجودة في القانون»، واعتبر محمد العواش أن نسبة المسموح أكثر من نسبة الممنوع، وبالتالي فالأصل هو الفسح والاستثناء هو المنع، وليس كما ذكر بعض المشاركين في الندوة. وأضاف أن الوزارة تتفق مع حرية اختلاف الآراء، مؤيداً كلام الروائي عبد الله البصيص بأن الوزارة ستقوم فعلياً بزيادة عدد الرقباء المتخصصين في شتى المجالات كي يتسنى لهؤلاء قراءة متأنية وتصنيف موضوعي ومنصف للجميع. وأوضح أن الوزارة تمد يدها لمؤسسات المجتمع المدني ليكونوا شركاء في الرأي والتقييم.



يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
TT

يوناني في الثمانينات من عمره يبدأ الدراسة بعد حياة كادحة

اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)
اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة (موقع بانايوتاروبولوس)

كثيراً ما كان اليوناني فاسيليس بانايوتاروبولوس متعطشاً للمعرفة، لكنه اضطُر لترك التعليم عندما كان في الثانية عشرة من عمره لمساعدة والده في العمل بالحقل.

ويقول بانايوتاروبولوس: «كل شيء أتعلمه مثير للاهتمام، ووجودي هنا أمر ينير العقل».

وفي تمام الساعة 7:45 مساءً، رن الجرس في فصل آخر، وها هو عالَم اليونان الكلاسيكي يستدعي الرجل المتقاعد الذي وضع حقيبته المدرسية وكتبه على مكتب خشبي صغير.

وببدلته الداكنة وحذائه اللامع، لا يبدو بانايوتاروبولوس أنيقاً فحسب في الغرفة التي تزين جدرانها رسومات الجرافيتي، بل هو أيضاً أكبر طالب يحضر في المدرسة الليلية الثانية في وسط أثينا.

فعلى الأقل نصف زملائه في الصف هم في عمر أحفاده، وقد مر ما يقرب من 70 عاماً منذ آخر مرة ذهب فيها الرجل الثمانيني إلى المدرسة.

ويقول التلميذ الكبير وهو يسترجع ذكريات طفولته في إحدى قرى بيلوبونيز: «تركت المدرسة في سن الثانية عشرة لمساعدة والدي في الحقل، لكن كان لدي دائماً في عقلي وروحي رغبة في العودة، وتلك الرغبة لم تتلاشَ قط».

وعندما بلغ الثمانين، أخبر التلميذ الحالي وصاحب المطعم السابق زوجته ماريا، وهي خياطة متقاعدة، بأنه أخيراً سيحقق رغبته، فبعد ما يقرب من 5 عقود من العمل طاهياً وفي إدارة مطعم وعمل شاق وحياة شاقة في العاصمة اليونانية، دخل من بوابات المدرسة الليلية الثانية في العام الماضي.

واليوم هو مُسجَّل في صف من المفترض أن يحضره المراهقون في سن الخامسة عشرة من عمرهم، وهي الفكرة التي جعله يبتسم قبل أن يضحك بشدة ويقول: «آه، لو عاد بي الزمن للخامسة عشرة مرة أخرى، كثيراً ما كان لديَّ هذا الحلم بأن أنهل من نبع المعرفة، لكنني لم أتخيل أن يأتي اليوم الذي أعيش الحلم بالفعل».