«عيار ناري»... فيلم يواجه الجمهور بالمسكوت عنه في ثورة يناير

صناع العمل لـ«الشرق الأوسط»: فكرته لا تدعم معسكراً بعينه

لقطة من فيلم «عيار ناري»
لقطة من فيلم «عيار ناري»
TT

«عيار ناري»... فيلم يواجه الجمهور بالمسكوت عنه في ثورة يناير

لقطة من فيلم «عيار ناري»
لقطة من فيلم «عيار ناري»

«كل شيء له وجهان وربما أكثر»، بهذه الجملة يلخص صناع «عيار ناري»، ما يريدون أن يرسله الفيلم من رسائل، طارحين كثيراً من الأسئلة حول مفهوم الحقيقة التي يراها البعض شائكة، ويراها كاتب السيناريو مشروعة.
الفيلم الذي شهد مهرجان الجونة السينمائي عرضه العالمي الأول الأسبوع الماضي، تدور أحداثه بالتوازي مع اشتباكات لاظوغلي التي تكررت كثيراً بجوار وزارة الداخلية المصرية خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وتبدأ بوصول جثة علاء أبو زيد، الذي يجسده الممثل الشاب أحمد مالك، إلى المشرحة، ليقوم بالتعامل معها طبيب سكير يعاني من مشكلات عائلية يجسده أحمد الفيشاوي (بطل الفيلم)، فيثير بتقريره جدلاً وهوساً شعبياً وإعلامياً، وتطاله الاتهامات السياسية والأخلاقية، لمجرد أنه يبرّئ قناصة الداخلية من قتله، ويكشف عن أن القاتل كان يقف بالقرب من الضحية، فيبدأ الطبيب رحلته بمعاونة صحافية متحمسة تجسّدها «روبي»، لإثبات صحة تقريره، وعندما يكتشف الحقيقة بأن القاتل هو الأخ وليس الشرطة، وأن موقع الحادث كان المنزل وليس أمام وزارة الداخلية كما ادّعت أسرة الضحية، يتراجع الطبيب عن الانتصار لشرفه المهني، ويرفض أن ينتزع من الضحية لقب «شهيد».
«الشرق الأوسط» تحدثت إلى صناع فيلم «عيار ناري» بعد طرحه رسمياً في دور العرض، أول من أمس (الأربعاء)، لتسألهم عن الفيلم، ولماذا اختاروا الدخول في هذه المنطقة الشائكة.
يقول هيثم دبور مؤلف الفيلم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يعتبر الأسئلة التي يطرحها بالفيلم شائكة، قناعةً منه بأن التناول الدرامي للأحداث السياسية والاجتماعية ملك للجميع، فلا يوجد قداسة لأحداث، حتى نتعلم من الأخطاء.
وأضاف دبور أن الفيلم يطرح أسئلة أبعد من التأريخ لفكرة الطرف الثالث التي أثارت كثيراً من الجدل في فترة الثورة، فجدلية «عيار ناري» مرتبطة بالشرف المهني وشرف الفكرة الثورية، إلى أيهما ستنتصر إذا تعارضا؟ وهل يكون الإنسان فاسداً إذا انتصر لشرف الفكرة الثورية على حساب شرفه المهني، وإذا حدث العكس هل يكون أنانياً؟ وأكد دبور أن شرف الفكرة الثورية ينجح عندما تتم المحاسبة، وأن ننظر إلى كل ما حدث من دون تخوين أو تشنج، كما يقول الشاعر الراحل صلاح جاهين في قصيدته التي كتبها بعد نكسة 67 ويقول مطلعها «وقف الشريط في وضع ثابت دلوقت نقدر نفحص المنظر... مفيش ولا تفصيلة غابت وكل شيء بيقول وبيعبّر».
وأوضح مؤلف «عيار ناري» أنه اختار إثارة قضية إنسانية تمسّ جدلية الضمير لدى المشاهد، دون الخوف من التابوهات أو من الجمهور، قناعةً منه بأن الاستجابة للآراء التي تُردّد مثل لماذا تحكي عن هذه القصة دون غيرها؟ نوع من دفن الرؤوس في الرمال.
وتابع: «رأيي الشخصي أن الثورة ليس على رأسها (بطحة) حتى نتحدث فقط عن جماليات وننكر ما دون ذلك، كما أن الثورة حدث شارك فيه الجميع وليس لها عرّابون أو أوصياء عليها ليحتكروا الحديث باسمها، فهي أكبر مني وأكبر من الذين يزايدون على ما أطرحه».
أما المخرج كريم الشناوي الذي يخوض بهذا الفيلم أولى تجاربه في السينما الروائية الطويلة، فأكد أن أول مسودة لفيلم «عيار ناري» كتبها دبور عام 2012، واستمر العمل عليها حتى تم الوصول للسيناريو في نسخته النهائية التي تم تصويرها في 2017، مشيراً إلى أن صعوبة تقديم الفيلم كانت تتمثل في أنه ينتمي إلى نوع أدبي غير منتشر بصورة كبيرة ولا يتم تقديمه كثيراً في السوق المصرية، ولذلك كان هناك اتفاق على أن الهدف هو تقديم فيلم سهل الهضم والفهم للمشاهد وليس نخبوياً، مع الحفاظ على طبقات التلقي أو القراءات المتعددة.
وأكد كريم الشناوي أن الفيلم لا يبحث عن القاتل وإنما يبحث بشكل أكبر عن حقيقة ما حدث، وهو السؤال الذي تواجهه الشخصيات طوال أحداث الفيلم ويغيّر مفهومهم عن فكرة الحقيقة، مشيراً إلى أن رؤية الفيلم للقضية التي يناقشها لا تدعم معسكراً بعينه، بل تشتبك مع كل الاتجاهات، مشدداً في الوقت نفسه على أنه متحمس لما سيخلقه «عيار ناري» من حالة نقاش، ويتوقع بعض الاعتراضات أيضاً عليه.
وكشف الشناوي أنه تم بناء ديكور مشابه تماماً لمشرحة زينهم في الجامعة العمالية، مع إضافة تعديلات لجعل المشاهد غنية، أما في ما يتعلق بالتصوير في المحاجر، فأكد أنه اختار المحجر الموجود في المنيا لأنه يحقق الصورة التي يرغب فيها وتخيّلها بالفعل، وتمسك بذلك رغم وجود مقاومة أو تردد من جانب فريق العمل للتصوير في منطقة منعزلة، حيث كان أقرب فندق يبعد عن هذا المحجر نحو 4 ساعات، لكن الجميع اقتنع بعد أن شاهدوا الصور، وفي المقدمة منهم محمد ممدوح وروبي، وقد استغرق التصوير هناك يوماً كاملاً.
من جانبه قال الناقد السينمائي محمد عدوي، لـ«الشرق الأوسط»: «إن البعض يميل إلى تقييم الأعمال الفنية بعيداً عن محتواها السياسي في حين يميل البعض الآخر إلى التركيز على الرسالة التي يقولها الفيلم حتى لو كانت رمزاً»، مشيراً إلى أن فيلم «عيار ناري» من الأعمال التي لا تستطيع أن تراها فعلاً بعيداً عن رسالتها السياسية وفي نفس الوقت لا يمكن أن تغفل التقييم الفني لها. فالفيلم الذي يعد تجربة مخرجه الروائية الطويلة الأولى وثانية تجارب مؤلفه بعد فيلم «فوتو كوبي»، قدم صورة جدلية لشهداء الثورة المصرية في 25 يناير، وقدم حكاية أصر على أنها واقعية عن مقتل شاب أظهرت تقارير الطب الشرعي أنه توفي في مكان وأحداث مغايرة لما حاولت عائلته وجيرانه أن يكرّسوا له واعتباره شهيداً، لكن الطبيب المتهم يكشف في نهاية العمل أن الشاب مات مقتولاً على يد شقيقه.
ويؤكد عدوي أن الرسالة التي حاول صناع الفيلم توصيلها للجمهور هي أنه ليس كل مَن مات في أحداث يناير شهيداً. وهذه القناعة ألقت بظلالها على مجريات الفيلم الفنية، فأغلب الظن أن صناعه فكّروا في ردود الأفعال قبل أن يفكروا في تقديم عمل فني متكامل، فخرج «عيار ناري» مشوشاً فنياً بنفس قدر رسالته السياسية، كأن صناعه اكتفوا بالمردود السياسي على حساب النجاح الفني.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

لماذا يستعين مطربون بنجوم الدراما في كليباتهم؟

تامر حسني وأسيل عمران في لقطة من كليب حوا (حساب تامر بفيسبوك)
تامر حسني وأسيل عمران في لقطة من كليب حوا (حساب تامر بفيسبوك)
TT

لماذا يستعين مطربون بنجوم الدراما في كليباتهم؟

تامر حسني وأسيل عمران في لقطة من كليب حوا (حساب تامر بفيسبوك)
تامر حسني وأسيل عمران في لقطة من كليب حوا (حساب تامر بفيسبوك)

بعد اعتماد الكثير من المطربين على «الموديل» لمشاركتهم بطولة الكليبات الغنائية لسنوات طويلة، اتجه بعضهم بالآونة الأخيرة للاستعانة بنجوم الدراما، ما أثار تساؤلات بشأن أسباب هذا الاتجاه.

وكان أحدث المطربين الذين استعانوا بنجوم الدراما مغني الراب المصري ويجز، الذي أصدر أحدث «تراك» غنائي بعنوان «أنا» عبر قناته بموقع «يوتيوب» أخيراً، حيث شاركته الفنانة المصرية فيفي عبده الكليب وتصدرت الغلاف بزي شعبي لافت.

كما شاركت الفنانة المصرية أسماء أبو اليزيد مع المطرب الأردني عزيز مرقة في كليب «ما تيجي سكة»، الذي طرحه مرقة قبل أيام عبر قناته بموقع «يوتيوب»، وشهدت الأغنية أيضاً بجانب السياق الدرامي، غناء الفنانة المصرية لأول مرة في مشوارها عبر ديو غنائي بينها وبين مرقة.

لقطة من كليب ما تيجي سكة لعزيز مرقة وأسماء أبو اليزيد (يوتيوب)

لم تكن مشاركة عبده وأبو اليزيد الأولى من نوعها في عالم الكليبات الغنائية، حيث شهدت كليبات أخرى مشاركة نجوم وتوظيفهم في قصص درامية أو كوميدية مشوقة، ومن بين الكليبات التي قدمت هذه الفكرة كليب أغنية «أماكن السهر» للفنان عمرو دياب ودينا الشربيني، وكليب أغنية «يلي أحبك موت» للفنان ماجد المهندس والفنانة الكويتية أمل العوضي.

كما شاركت الفنانة شيماء سيف مع الفنانة التونسية أميمة طالب في أغنية «مية مية»، وشارك الفنان اللبناني نيقولا معوض مع الفنانة السورية أصالة عبر كليب «والله وتفارقنا»، كما ظهر الفنان المصري أحمد مجدي مع أميمة طالب في كليب أغنية «أنا شايفاك»، وشهد كليب «قولي متى»، مشاركة الفنان المغربي سعد لمجرد والمطربة الهندية شريا غوشيال.

تامر حسني وأسيل عمران (حساب تامر حسني {انستغرام})

وجمعت أغنية «لمة الحبايب» الفنان اللبناني رامي عياش وزوجته مصممة الأزياء اللبنانية داليدا عياش، وشارك الفنان الأردني منذر رياحنة الفنانة التونسية لطيفة أغنية «طب أهو» من إخراج جميل جميل المغازي.

المخرج المصري جميل المغازي يرى أن الأداء التمثيلي جزء مهم في الأغنية المصورة، بجانب التسويق باسم الممثل المشارك، ويؤكد المغازي لـ«الشرق الأوسط» أن الموضوع يجمع بين الشقين التجاري والفني للخروج بمنتج مختلف.

ويضيف المغازي: «التسويق الجيد لا بد له من عناصر جذب قوية حتى يحقق النجاح والمشاهدات».

وعن مشاركة رياحنة في كليب «طب أهو» من إخراجه، قال المغازي إن «منذر صديق مقرب له وللفنانة لطيفة، ومشاركته حينها حملت معاني ومكسباً كبيراً بعد مشاركات درامية وسينمائية لافتة له في الآونة الأخيرة من شأنها جذب جمهوره للكليب أيضاً».

المخرج جميل جميل المغازي ولطيفة ومنذر رياحنة ({الشرق الأوسط})

وفي السياق نفسه، شاركت الفنانة المصرية ثراء جبيل مع الفنان المصري تامر حسني في كليب «موحشتكيش»، من ألبوم «هرمون السعادة»، وقبل هذه الأغنية قدم تامر أغنية «حوا»، وشاركته الكليب الفنانة السعودية أسيل عمران في ثاني تعاون فني بينهما بعد أغنية «ناسيني ليه» التي عرضت قبل 5 سنوات.

ويعتقد الشاعر والناقد الموسيقي المصري فوزي إبراهيم أن «رؤية المخرج ونظرته لفكرة الأغنية لهما دلالة فنية وهدف من مشاركة الطرفين، خصوصاً أن الممثل يختلف في تناوله وعرضه للفكرة والتعبير التمثيلي عن الموديل العادي».

ويضيف إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: «بجانب الرؤية الفنية للمخرج يكون لدى صناع العمل رؤية تجارية في بعض الأحيان ومحاولة اختراق جمهور ملول صعب اجتذابه بالوسائل العادية، لا سيما أن هناك من ابتعد كلياً عن بعض الألوان الغنائية التقليدية المنتشرة في السنوات الأخيرة».

فيفي عبده على غلاف تراك أنا لمغني الراب المصري ويجز (يوتيوب)

ونوه إبراهيم إلى أن محاولة صناع العمل كسر الملل من خلال مشاركة نجم محبوب وله جماهيرية هي إضافة للعمل وعنصر جذب من خلال ما يقدمه على المستويين التجاري والفني، بالإضافة إلى أن «الديو الغنائي»، سواء بالتمثيل أو بالغناء، له جمهور؛ لأن الناس تجذبها الأفكار المختلفة بين الحين والآخر بعيداً عن النمطية المعتادة.

وتؤكد الناقدة الفنية المصرية مها متبولي لـ«الشرق الأوسط» أن «مشاركات نجوم الدراما في الكليبات الغنائية كموديل هي منفعة مشتركة بين الطرفين، وخصوصاً من الناحيتين المادية والجماهيرية، لكنها وصفت ظهورهم بالعابر الذي لن يضيف لمشوارهم التمثيلي، بعكس المطرب الذي يعد الرابح الأكبر من ظهور نجوم الدراما في أعماله».